حماية الطواقم الطبية والمرافق الصحية وقت الحرب
ينص القانون الدولي على أهمية حماية الطواقم الطبية والمرافق الصحية خاصة وقت الحرب. حيث إنه وفقا لوثيقة جنيف الأولى من سنة 1864 يجب عدم المس بهذه الخدمات وذلك نظرًا لأهميتها في علاج المصابين والحفاظ على حياة المدنيين والأبرياء من غير المجندين الذين لا يشاركون في الحرب. أن التعرض لهم من شأنه مضاعفة عدد المصابين والمتضررين من الحرب. لذلك يجب أن تبقى الخدمات الصحية والمستشفيات والعاملين فيها خارج نطاق الحرب والدمار. إلا أننا نشهد أنه خلال الحروب والصراعات أن الطواقم الطبية والخدمات الصحية تصبح مستهدفة من قبل أطراف النزاع والجهات المتحاربة وإن هذه الخدمات تكون من أول المنشآت التي يتم تدميرها بعد تدمير البنى التحتية من ماء وكهرباء ومنشآت مدنية أخرى.
تشير معطيات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية أنه في السنوات الأخيرة تم تدمير الكثير من المنشآت الصحية والمستشفيات خلال الحروب في بلدان عدة. عدا عن ذلك يتم استهداف الطواقم الطبية بشكل عيني. عدا عن الاعتداء عليهم ومقتل الكثيرين منهم يتم أيضا تهديد الأطباء والممرضات واعتقالهم، قصف الإسعاف الأولي الذي ينقل المصابين والمرضى. كما أن الامتناع عن تقديم مساعدات إنسانية للمحتاجين بهذه الفترة قد تكون لها أبعاد كبيرة من ناحية انتشار الأوبئة والأمراض التي قد تعرض حياة الكثيرين الى الخطر ومن هنا قد تحدث ازمة انسانية كبيرة.
أما في البلاد ومنذ بداية الحرب فقد وقعت عدة أحداث خطيرة غير مسبوقة تجاه الطواقم الطبية في النظام الصحي التي يمكن اعتبارها تجاوزاً للخط الأحمر من ناحية الاتفاقيات الدولية المذكورة أعلاه. حيث نشهد منذ بداية الحرب هجوم غير مسبوق ضد الأطباء والممرضين العرب الفلسطينيين من العاملين في النظام الصحي. حيث كانت هناك مضايقات عنصرية واتهامات بدعم الإرهاب اتضح أن غالبيتها العظمى كانت باطلة. جاءت هذه الاتهامات لمجرد طرح أو نشر أي موقف مناهض للحرب ومناظر الدم وقتل الأبرياء من الأطفال، والنساء، والشيوخ والمدنيين. رفقت ذلك حالات من الفصل من العمل أو التهديد بالفصل دون إنذار مسبق لأطباء وممرضين دون لجنة تأديبية والتحقيق في القضية. تلقى آخرون تهديدات بالفصل ومضايقات عنصرية ضد العرب على مجموعات الواتساب للعاملين بالجهاز الصحي واضطهاد سياسي على وسائل التواصل الاجتماعي. وصل الأمر إلى خشية الوصول إلى أماكن العمل في الأيام الأولى للحرب عند بعض العاملين بالجهاز الصحي وذلك خوفا من الاعتداء عليهم. حيث اتهموا من قبل زملاء لهم في العمل بدعم الإرهاب بسبب خبر نشروه عبر وسائل التواصل استنكروا فيه تدمير المنازل ومشهد موت أطفال ونساء حوامل من المدنيين.
تجدر الإشارة إلى أن العرب يشكلون حوالي 40% من إجمالي العاملين في النظام الصحي في البلاد يشمل ذلك الطواقم الطبية وغيرهم من العاملين في المرافق الصحية. وقد عملوا بجد مثل أترابهم اليهود حيث تم تكليفهم برعاية الجرحى وعائلات النازحين بسبب أحداث أكتوبر. لقد تصرفوا بتفان وبذلوا كل ما في وسعهم لإنقاذ الأرواح، ولم يسألوا من هو اليهودي ومن هو العربي. غير أن قسم منهم وجدوا أنفسهم متهمين بالتماهي بما قام به حماس، وكل كلمة ضد الدمار الرهيب في غزة تم تفسيرها على أنها دعم للإرهاب. رغم أن استنكار الأطباء والممرضين لقتل الأبرياء والمدنيين هو أمر بديهي بالنسبة لمن اختاروا مهنة إنسانية تقدس قيمة الحياة وتعمل على شفاء المرضى، ومن الطبيعي أن يرفعوا أصواتهم في وجه مشاهد موت الأطفال الرضع أينما كانوا.
رافق ظاهرة الملاحقات السياسية والمضايقات العنصرية صمت مدو وصارخ من قبل النقابات المهنية ومنها نقابة الأطباء، نقابة الممرضين ونقابة أطباء الصحة العامة. ولم نر أي إدانة لظاهرة الاضطهاد السياسي من قبل نقابة الأطباء إلا بعد مرور شهر على بدء الحرب. هذا ولم يتم الرد حتى كتابة هذه السطور، على الرسالة التي وجهتها لجنة متابعة قضايا الصحة و 18 مؤسسة من المجتمع المدني لوزير الصحة ومدير عام وزارته للتدخل من أجل حماية الطواقم الطبية العربية العاملة في المنظومة الصحية. استجابة كان ينبغي أن تكون فورية وواضحة وأن تنقل رسالة مهمة بوجوب ضمان أمن وأمان الطواقم الطبية كي يتسنى لهم متابعة عملهم دون أي مضايقات.
انعدام ردة الفعل، إلى جانب غض الطرف عن المضايقات العنصرية بحق الطواقم الطبية هدفها ليس فقط اسكاتهم، بل ليكونوا "عبرة" لغيرهم من أبناء مجتمعهم، حيث أن الطواقم الطبية تعتبر من نخبة المجتمع. رغم أن ظاهرة الملاحقات السياسية والاضطهاد السياسي لم تترك أي فئة من المجتمع العربي، من طلاب جامعيين وموظفين وقيادات وغيرهم.
تجدر الاشارة إلى أن المضايقات العنصرية استهدفت فقط أعضاء الطواقم الطبية من العرب ولم يتعرض أي من الطواقم الطبية اليهودية لهذه المضايقات أو الملاحقات السياسية. حيث لم نر أي ردة فعل على البيان الذي أصدره حوالي 100 طبيب تحت عنوان "أطباء من أجل حقوق جنود جيش الدفاع الإسرائيلي" والتي طالبوا فيها بتدمير المستشفيات في غزة واتهموا المستشفيات بتوفير المأوى للنشاط الإرهابي ضد إسرائيل. بيان خطير وغير مسبوق في أي مكان بالعالم كونه يخالف قسم الطبيب وأخلاقيات المهنة، فضلا عن الاتفاقيات الدولية واتفاقية جنيف الرابعة. غني عن القول، بأنه لو كان هؤلاء الأطباء عربا، لكانوا يعاملون معاملة مختلفة من قبل إدارة الخدمات الصحية. غير أننا لم نر أنه تم استدعاء أحد، لتوبيخه أو للجنة طاعة (استماع) أو حتى لطلب توضيح، بالحد الأدنى.
وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على أن النظام الصحي في البلاد، بقدر ما يفتخر بكونه نموذجًا للتعايش، فهو يحتاج إلى إعادة نظر في التعايش الذي يتبناه. فأي نوع من التعايش هذا وعلى ماذا يعتمد؟
تصوير: عبد الرحمن زقوت.
بروفيسور نهاية داوود
رئيسة لجنة متابعة القضايا الصحية في المجتمع العربي الفلسطيني في البلاد