الموقف الدولي: هل من عدالة تنصف غزة قانونيا؟

يعتمد هذا التقرير بشكل أساسي على مقابلات مع باحثين مختصين في القانون الدولي.

منذ الأيام الأولى لعملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية على إسرائيل، والاحتلال الإسرائيلي يمارس جرائم عقاب جماعي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في اليومين التاليين فقط لـ 7 أكتوبر قتل إسرائيل ل 70 طفل/ة، قتل 18 عائلة فلسطينية كلها أو معظمها، تدمير 500 وحدة سكنية، تدمير 2400 وحدة سكنية بشكل جزئي، وحصيلة شهداء قدرت ب 687 فلسطيني/ة، كما قدرت أعداد النازحين إلى مدارس ومراكز إيواء تابعة لوكالة تشغيل اللاجئين (الأونروا) ب 74 ألف إنسان. كل هذا وأكثر حدث خلال أول يومين بعد 7 أكتوبر، لنقف اليوم على عتبة 3 شهور من الحرب الشرسة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، بحصيلة خسائر في البشر والحجر امتدت نحو كل شيء ولم تعد تقدر بثمن، ونتساءل أين القانون الدولي مما يحدث؟

حتى نعود للبداية، سنبدأ منذ 7 أكتوبر الذي اتخذته إسرائيل مسببًا لشن حرب الإبادة على قطاع غزة، سألنا المحاضر والباحث في القانون الدولي د. ضرغام سيف حول موقف القانون الدولي مما حدث ويحدث منذ السابع من أكتوبر، "ما حدث في 7 أكتوبر من هجوم عسكري لمقاتلي حماس على قوات الاحتلال الإسرائيلي داخل مناطق إسرائيل هو الوضع الطبيعي لحالة فيها احتلال ومقاومة، فما قامت به حماس من استهداف قوات عسكرية إسرائيلية وجنود اسرائيليين (خلافا للمدنيين) حسب القانون الدولي يتماشى مع حق الشعوب وحركات المقاومة في مقاومة الاحتلال استنادًا لمعاهدات  جنيف  الأربعة لسنة 1949، وبروتوكولات جنيف الاثنين لسنة 1977 (بالتحديد البروتوكول الأول). طبعا لا يحق لطرفي النزاع استهداف المدنيين. لذلك من المهم أن نحدد وضعية قطاع غزة في القانون الدولي، حيث يوجد ادعاء إسرائيلي أن غزة غير محتلة حيث تم الانسحاب منها في سنة 2005، انسحاب أحادي الجانب من قبل إسرائيل وإخلاء الاستيطان، ولكن بما أنه إسرائيل منذ ذاك الحين هي القوة التي تسيطر على غزة بالمعنى الفعلي، بمعنى أنها تسيطر على الحدود البرية والمائية والجوية، وتسيطر على ما يدخل إلى غزة وما يخرج منها، فإسرائيل قوة محتلة لغزة وهذا ما تم إقراره في قرارات محكمة الجنايات الدولية قبل عام، في قضية إدراج منطقة قطاع غزة إضافة إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية ضمن صلاحيات محكمة الجنايات الدولية كمنطقة محتلة". 

د. ضرغام سيف

وأضاف د. سيف: "وضعية الاحتلال لها عدة أبعاد، البعد الأول هو الحق في المقاومة، وهو حق أصيل في القانون الدولي،  الخلاف ما بين فقهاء القانون الدولي في موضوع المقاومة، هو حول كون الحق في المقاومة واجب أو حق فقط، لكن في كلتا الحالتين المقاومة حق أصيل، البعد الثاني، بعد الإقرار أن غزة منطقة محتلة، ينتج عن ذلك واجب على المحتل بحماية المدنيين في المنطقة الواقعة تحت الاحتلال، البعد الثالث،  أن الاحتلال مؤقت، بمعنى لا يمكن النظر للاحتلال على أنه حالة دائمة ثابتة، لا يوجد احتلال دائم، في مرحلة معينة  يجب إنهاء الاحتلال وتحرير البلد، البعد الرابع، كون غزة محتلة فأسرى المقاومة لهم صفة "أسير الحرب"، وهنا يوجد خلاف قانوني، حيث أن الحق في المقاومة منصوص عليه في اتفاقيات جنيف 1949 المادة الثالثة المشتركة لكافة الاتفاقيات، وكان هناك تأسيس إضافي للحق في المقاومة ورفع مكانة حركات المقاومة في بروتوكولات 1977، ولكن هناك من يدعي بما فيهم إسرائيل، أن البروتوكولات جزء من القانون الدولي التعاهدي، النابع من معاهدات ، وهذا غير ملزم للدولة غير الموقعة عليها، وإسرائيل غير موقعة على البروتوكولات، بينما اتفاقيات جنيف 1949 هي جزء من القانون الدولي العرفي، الذي يلزم الدول حتى لو لم تكن موقعة عليها، لذلك إسرائيل تدعي بما أنها غير موقعة فهي لا تتعامل مع الحق في المقاومة في البعد الذي يتعلق بمقاتلي المقاومة، بمعنى أن بروتوكول 1977 يضفي صفة "أسير الحرب" على عسكريي المقاومة، أسير الحرب في حالة القبض عليه يجب الحفاظ على صحته ومكانته واحترامه واستجوابه فقط عن رتبته العسكرية وبعد انتهاء الحرب اعادته الى وطنه، لكن إسرائيل تدعي أنه لا يمكن أن نضفي على مقاتلي حماس هذه الصفة، لأنه هذه الصفة نابعة من بروتوكولات وليست مواثيق جنيف، وبالتالي تعتبرهم مقاتلين غير قانونيين".

منذ 7 أكتوبر، وغزة تباد على مرأى من العالم، في بث حي ومباشر يدمّر فيه كل ما يمكن تدميره، والسؤال الأكثر ترددا لماذا لا يوجد قرارا واحدا ملزما من شأنه وقف إطلاق النار، في هذا الصدد سألنا د. سيف حول تقييمه للتحركات الدولية لا سيما الأممية منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم.

وقال د. سيف: "في الأمم المتحدة هناك نظام قائم منذ 1945 وهو الذي أسس منظمة الأمم المتحدة التي تعطي أفضليات للدول العظمى، الخمسة الثابتة (أمريكا، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين)، الأمم المتحدة تقسم إلى قسمين أساسيين، الهيئة العامة ومجلس الأمن، القدرة على التحرك وتنفيذ قرارات وإلزام أطراف في أي صراع عسكري في العالم هو تخصص مجلس الأمن، الآن الهيئة العامة اتخذت قرارا بوقف إطلاق النار بأكثر من 150 دولة، لكن هذا القرار غير ملزم قانونيا ولكن له ابعاده الأخلاقية والانسانية، لأنه صادر من الهيئة العامة، لكن مجلس الأمن كان فيه أكثر من اقتراح لوقف إطلاق النار في غزة، الإشكالية أنه يوجد حق للدول ثابتة العضوية في مجلس الأمن استعمال 'حق النقض الفيتو' وأميركا استعملت حق الفيتو في كل قرارات وقف إطلاق النار. انوه انه اليوم العديد من الدول تطالب بتغيير هذا النظام الذي يرسخ الفوقية ويخدم مصالح الدول العظمى التي تستخدمه. في هذه الجزئية يمكن الادعاء اليوم ان أمريكا لا تعتبر طرف ثالث في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وانما هي طرف أساس في الصراع، فرئيسها ووزير خارجيتها بلينكن كانوا جزء من اتخاذ قرارات في الكابينيت الإسرائيلي الحربي، وأرسلوا سفن حربية لمنطقة الاحتدام العسكري، وهناك تواصل دائم بين وزراء الأمن في كلتا الدولتين. حق الفيتو المنصوص عليه في المادة 27 لميثاق الأمم المتحدة، لا يسمح للدولة الطرف بالنزاع باستعمال حق الفيتو بمواضيع تندرج تحت الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة بمواضيع تتعلق بحل المنازعات حلا سلميا، وبما أنه أمريكا أصبحت طرف أساس في الصراع لا يحق لها استعمال حق الفيتو في قرارات تحت هذا الفصل. انطلاقا من هذا الواقع بعدم إصدار أي قرار ملزم لوقف إطلاق النار حاول الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش استعمال المادة 99 للميثاق وهي صلاحية نادرة الاستعمال الا في الحالات الاستثنائية والتي تقضي بإعطاء الصلاحية للأمين العام للأمم المتحدة أن ينبه أو يحذر مجلس الأمن بأن هناك إشكالية في نزاع مسلح معين كما هو الحال في الحرب على غزة، وهذا النزاع قد يؤدي لتهديد حفظ الأمن والسلام الدوليين، ويجب التدخل من أجل منع أي تطور قد يؤدي لحرب إقليمية، ولكن مرة أخرى تصدت له الولايات المتحدة".

وأضاف د. سيف: "فيما يتعلق بمحكمة الجنايات الدولية، بعد انضمام فلسطين لنظام روما، وبعد تقديم طلبات للمحكمة تتهم قيادات إسرائيلية بارتكاب جرائم حرب، وإصدار قرارات للمحكمة بأن لها الصلاحية باتخاذ إجراءات البحث والتحقيق في قضايا وجرائم منصوص عليها بنظام روما، وهي أربع جرائم، جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، جرائم إبادة جماعية والعدوان، أصدرت محكمة الجنايات الدولية السنة الماضية قرارات تنص بأن لها الصلاحية في البحث والتحقيق في كل الجرائم المرتكبة في كل الأراضي المحتلة، أي غزة والضفة والقدس الشرقية، فاليوم الأرضية القانونية جاهزة للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبت في هذا الصراع العسكري بين إسرائيل وحماس، وما يحدث في غزة الآن ومع توفر كل الأدلة للمدعي العام في محكمة الجنايات الدولية كريم خان ومن صلاحياته أن يقوم بالتحقيق في ادعاءات تتعلق بجرائم الحرب وهو ما بدأ به فيما يخص قطاع غزة، وأحد صلاحياته أن يقوم بإصدار أوامر اعتقال لأي مشتبه به في ارتكاب هذه الجرائم، كما حدث في الحرب الروسية الأوكرانية، عندما قام بإصدار أمر اعتقال بحق الرئيس الروسي بوتين قبل عام". 

منذ الأيام الأولى على شن إسرائيل الحرب المستمرة حتى الآن على قطاع غزة، والنقاشات حول شركاء الحرب المباشرين وغير المباشرين حاضر بشكل لا يمكن إغفاله، بدءا بإرسال الأسلحة وتوفير دعم عسكري ومالي غير مشروط لإسرائيل، انتقالا لزيارات  رسمية من دول مركزية إلى إسرائيل وتقديم دعمها أمام العالم كله، ناهيك عن حق الفيتو الذي لا تتوانى الولايات المتحدة الأمريكية في أي فرصة عن استخدامه، قابلنا بروفيسور جلبير الأشقر، باحث لبناني، وأستاذ دراسات التنمية والعلاقات الدولية في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن وسألناه عن اعتبارات الدول الغربية المركزية كالولايات المتحدة وفرنسا من الحرب.

وقال بروفيسور الأشقر: "ينبغي التمييز بين الدول والحكومات في هذا الصدد. فعلى سبيل المثال، ليس للدولة الفرنسية مصلحة في دعم غير مشروط لإسرائيل في عدوانها على غزة، إذ يتناقض مثل هذا الدعم مع تاريخ السياسة الفرنسية إزاء المنطقة. فقد تمايزت السياسة الفرنسية دائماً عن سياسة الولايات المتحدة بتبنيها موقف أكثر مراعاة للموقف العربي الرسمي بغية تيسير العلاقات الاقتصادية الفرنسية مع الدول العربية.  الموقف الأولي لحكم الرئيس الفرنسي ماكرون جاء متناسقاً مع الموقف الغربي العام في التماثل الكامل مع دولة إسرائيل، بناء على المقارنة بين ما أصاب هذه الأخيرة من جراء 'طوفان الأقصى' وما أصاب فرنسا من أعمال إرهابية كالتي نفذها محسوبون على تنظيم داعش في عام 2015. بيد أن الحكومة الفرنسية التفتت لخطئها لاحقاً وغدت الأولى بين الحكومات الغربية الرئيسية التي دعت لوقف إطلاق النار بالرغم من استمرار واشنطن في رفض هذه الدعوة". 

بروفيسور جلبير الأشقر

مشيرًا إلى أن "الحالة معكوسة بالنسبة للرئيس الأمريكي بايدن والولايات المتحدة. فقد تبنى بايدن موقفاً مؤيداً للعدوان الإسرائيلي تأييداً غير مشروط في البداية، مرفقاً بدعم عسكري هو ما سمح للعدوان أن يكون بمثل الكثافة التي شهدناها طيلة شهرين ونصف حتى الآن. ولولا هذا الدعم الذي شمل جسراً جوياً من المعونات العسكرية، بما فيها قنابل العيار الثقيل الفتاكة والمدمرة، لما استطاعت إسرائيل أن تنفذ عدواناً بمثل هذه الكثافة والكلفة المادية. موقف بايدن منسجمُ مع تاريخ الدعم الأمريكي للدولة الصهيونية، لكنه متناقض مع مصلحته الشخصية كمرشح للانتخابات الرئاسية في العام 2024 ومصلحة إدارته وحزبه. ذلك أن بايدن رأى أن يحول دون أن يستطيع أخصامه الجمهوريون، بمن فيهم دونالد ترامب، المزايدة عليه في دعم إسرائيل، لكنه أثار سخط قسم هام من المؤيدين التقليديين والمحتملين لحملته الرئاسية، بل قسم هام من قاعدة حزبه بالذات، الحزب الديمقراطي. وقد جارته في موقفه حكومتا بريطانيا وألمانيا اللتان تضامنتا مع إسرائيل على غرار التضامن الحكومي الأمريكي من منطلق التماثل مع سياسة واشنطن في حالة لندن، والتماثل مع "الدولة اليهودية" تعويضاً عن ماضي ألمانيا النازية في حالة برلين".

بسؤال بروفيسور الأشقر عن إمكانية حدوث أي تحولات في موقف الدول الغربية المركزية بعد أكثر من شهرين ونصف على الحرب، أجاب الآتي: "إزاء تصاعد الاحتجاج على حرب الإبادة التي تخوضها إسرائيل في غزة والتي بلغت حجماً مروعاً لا يجوز لأي حكومة غير الحكومة الإسرائيلية أن تبرره، أخذ حكام الدول الغربية، بمن فيهم إدارة بايدن في الولايات المتحدة، يرفعون أصواتهم تدريجياً مطالبين بالحد من قتل المدنيين. فهم يودّون أن يضع جيش الاحتلال حداً للحرب عالية الشدة القائمة على قصف كثيف للغاية، وأن ينتقل منها إلى مرحلة حرب أقل شدة. أي أنهم يتمنون أن تواصل إسرائيل حرب الإبادة التي تخوضها، لكن بوتيرة أكثر بطئاً مما حدث حتى الآن. ذلك أنهم لا زالوا جميعاً يؤيدون غاية إسرائيل المعلنة، ألا وهي 'القضاء على حماس'، بالرغم من أن تحقيق هذه الغاية لا يمكن أن يتم بغير حرب إبادة كالتي شهدناها منذ 'طوفان الأقصى'. بكلام آخر، إنهم يشاطرون دولة إسرائيل غايتها المعلنة لكنهم قلقون من ارتداد الأوضاع ضدها وضدهم بسبب الهمجية القصوى التي سعت بها إسرائيل إلى تحقيق هذه الغاية".

مع اشتداد وقع الحرب الشرسة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، كان الدعم المعنوي العابر للحدود يجوب كل عواصم العالم بأعداد تجاوزت مئات الآلاف في بعض العواصم، كان مشهدا ملفتا من شأنه أن يوقف الحرب، ويضغط على الحكومات الغربية بالتحرك من أجل وقف إطلاق النار، أيضا الجاليات العربية الموجودة في كل مكان في العالم لها تأثير على حكوماتها كمواطنين فاعلين ومنخرطين في مجتمعاتهم منذ سنوات. لكن مع اعتقاد عربي راسخ بأن الحكومات العربية لا ترى مواطنيها، نفكر هل يمكن أن تكون الحكومات الغربية التي تمارس ديمقراطيتها من خلال صناديق الانتخاب، تختبئ وراء ديمقراطية مزيفة.

قال بروفيسور الأشقر، "أخذت الحكومات الغربية تخشى ما قد ينجم عن مفعول ما حدث في غزة في مواقف السكان المنحدرين من هجرة قادمة من المنطقة العربية ومن سائر مناطق العالم ذات أغلبية سكانية مسلمة. كما تخشى وقع الحرب على الأنظمة العربية الموالية لها وحدوث انفجار في الوضع العربي العام. أما المستفيد الرئيسي من موقف الحكومات الغربية فهي قوى أقصى اليمين وذلك لأكثر من سبب. فبدعمهم حكومة إسرائيلية يرأسها زعيم يميني متطرف ويشارك فيها وزراء من أشباه النازيين بدعمهم المطلق للمساس بالمدنيين الغزيين، ساهم حكام الدول الغربية في إعادة الاعتبار إلى اليمين الأقصى بعد أن كان منبوذاً طيلة عقود بوصفه وريثاً للتيارات الفاشية التي هُزمت في الحرب العالمية الثانية. وقد اختلط موقفهم بموقف هذا اليمين الأقصى الذي بات في زمننا الراهن معادياً للمسلمين أكثر بكثير من عدائه لليهود، ومؤيداً للصهيونية بمعنى إرسال اليهود إلى فلسطين وتشكيل دولة مرتبطة عضوياً بالغرب في قلب العالم العربي. وقد وفّرت شيطنة حماس، فرصة أيديولوجية متميزة لأقصى اليمين الأوروبي سوف تحفز صعوده".

شهدت الأسابيع الماضية تحركات مهمة على الصعيد القانوني في عدة بلدان حول العالم، تهدف لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، تقدمت العديد من الدول ممثلة بقانونييها بشكاوى لمحكمة الجنايات الدولية، لكن يبقى السؤال هل من الممكن أن ينتج شيء اليوم عن محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المؤسسات والمنظمات المحاطة بسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية المباشرة وغير المباشرة، وحتى نعرف الإجابة الواقعية استنادا للمعطيات القانونية.

سألنا د. سيف عن الإمكانيات المتوفرة لملاحقة المسؤولين عن حرب الإبادة في قطاع غزة في المحافل الدولية وفرص تطبيقها بشكل فعلي، وضّح: "اليوم الأرضية جاهزة لمتابعة وملاحقة القيادات الإسرائيلية، فالقانون الجنائي الدولي لا يلاحق دول، بل يلاحق أشخاص، خلافا لمحكمة العدل الدولية التي تمتلك الصلاحية لملاحقة الدول ومن ضمنها إسرائيل، مثلا فيما يتعلق بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. محكمة الجنايات الدولية لديها صلاحيات لملاحقة قيادات متهمة بارتكاب جرائم حرب في غزة، الآن ما هي نوعية الجرائم؟ ومن المشتبه به في ارتكابها، هذا هو موضوع التحقيق الذي يقوم به كريم خان وطواقمه، الحرب الأوكرانية الروسية أعطت نوع من القوة لمحكمة الجنايات الدولية في إصدار أوامر اعتقال، حتى لو كانوا رؤساء على رأس عملهم، سابقا كان هناك إشكالية في صلاحية القضاء العالمية، التي كانت تمنع محاكمة أو تقديم دعوى ضد رئيس على رأس عمله. محكمة الجنايات الدولية في حل من كون الشخص المتهم على رأس عمله أم لا، لذلك قامت بإصدار قرار اعتقال بحق الرئيس الروسي الحالي، وهذا القرار لاقى أصداء ودعم من الدول الغربية، التي هي اليوم موجودة في الجانب الآخر بموضوع الحرب على غزة. لكن إصدار قرار في حق الرئيس الروسي، يعطي مصداقية لكريم خان أو محكمة الجنايات الدولية في إصدار قرارات ضد كل القيادات الإسرائيلية، وممكن طبعا أن يتم إصدار قرارات ضد قيادات حماس، كل هذا في مجال اشتباه، وليست إدانة، وبعدها عمليا يتم تقديم لائحة اتهام في محكمة الجنايات الدولية ومن ثم النظر فيها".

وأضاف د. سيف: ألفت الانتباه إلى أن "وجود القيادات الإسرائيلية في محل المساءلة بحد ذاته سابقة قانونية، والأرض خصبة وجاهزة من ناحية سياسية، بمعنى لما قامت محكمة الجنايات الدولية بإصدار قرار اعتقال ضد الرئيس الروسي، لا يمكن الادعاء بإصدارها قرار ضد نتنياهو أو غالانت بشكل استثنائي، أيضا اليوم نحن نتحدث عن حرب موثقة  أونلاين، هناك أدلة كافية  للاشتباه في ارتكاب جرائم حرب، وارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، كل هذه الأدلة تؤسس بشكل كبير جدا لتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة، وأيضا جريمة العدوان في التعدي على بلد اخر بشكل غير قانوني، وجرائم ضد الإنسانية كما هو منصوص عليها في ميثاق روما. أيضا الحرب اليوم الموجودة بين إسرائيل وقطاع غزة هي استمرار لحالة خاصة موجودة في غزة، وهي قضية الحصار، والحصار بحذ ذاته عقاب جماعي المحرم دوليا وقد يرتقي لحالة من حالات الإبادة الجماعية، بالتالي كل مركبات الجرائم الموجودة في ميثاق روما من السهل إثباتها في الحالة الإسرائيلية الفلسطينية في موضوع قطاع غزة، وأعتقد أنه الأساس جاهز لدى المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية لإصدار أوامر اعتقال لقيادات إسرائيلية في هذا السياق". 

منذ الأيام الأولى والحديث عن ما بعد الحرب يحتل مساحة واسعة من الشاشات التلفزيونية والتقارير اليومية، الجميع يثير سؤال ما بعد الحرب على غزة، من سيبقى ومن سيغادر، هل سيكون هناك تدخل دولي، أما أن مصير غزة مرتبط بشكل علاقات السلطة بين الحركات الفلسطينية الأكثر جماهيرية، كل هذه الطروحات وأكثر تجعل من غزة تؤرق نوم الجميع حول مصيرها ومدى ارتباطات هذا المصير بالمصالح السياسية والاقتصادية للأطراف المعنية سواء كانت داخلية أو خارجية.

 بسؤال د. سيف عن إمكانيات التدخل الدولية في السيناريوهات التي يتم تداولها بخصوص اليوم الذي يلي الحرب في غزة والقدرة علـى إلزام الأطراف المعنية بقبولها، قال: "وضعية الحرب هي وضعية مؤقتة، والحالة الطبيعية بعد إنهاء الحرب، إعادة البلد لأهلها، وأهلها لهم الحق في العودة على مبدأ أساسي في القانون الدولي الذي تم الأخذ به حتى من قبل تأسيس الأمم المتحدة، ما بعد الحرب العالمية الأولى، في أثناء إقامة عصبة الأمم، وهو الحق في تقرير المصير، هذا المبدأ أصيل في القانون الدولي، بمعنى أنه لا يمكن للدولة المحتلة تقرير مصير الدولة التي وقع عليها الاحتلال، حدوث ذلك هو إخلال واضح وصريح للحق في تقرير المصير، لا يوجد شيء في القانون الدولي يقول بأنه يجب إنهاء الحرب عن طريق اتفاقية سلام أو أي اتفاقية أخرى ما بين المحتل والشعب تحت الاحتلال، اليوم ادعاء إسرائيل في موضوع الضفة الغربية وغزة هو أنهم وقعوا اتفاقية السلام أوسلو والنقاش الان حول تطبيقها أو عدم تطبيقها، ولكن كل موضوع أوسلو خارج نظام القانون الدولي، بمعنى أنه لا يوجد إلزام من أجل إنهاء حالة الحرب أن تكون هناك اتفاقية سلام. حالة إنهاء الحرب لها نهايتين، النهاية المؤقتة وهي وقف إطلاق النار، النهاية الدائمة هي إنهاء حالة الاحتلال، إن كان هناك سلام جيد، ولكن إن لم يكن فلا فرض على الدولة التي تقع تحت احتلال أن تقيم سلام مع الدولة المحتلة، الأمر الآخر، في كل موضوع التدخل الدولي في قطاع غزة، هناك سابقة حدثت في شمال فلسطين التاريخيّة في الحرب على لبنان، القرار 1701 في قضية إنهاء النزاع المسلح  في الصراع الإسرائيلي اللبناني وقضية حزب الله، التي كان فيها قبول بقوات دولية تحمي الحدود وتمنع الحروب بين الدولتين، الآن إذا كان المطلب هو وضع قوات دولية من أجل الحفاظ على السلام في الحدود بين فلسطين وإسرائيل هذا وارد، لكن إذا كان موضوع فرض قوة دولية لإدارة البلد هذا غير وارد من ناحية قانون دولي، انطلاقا من الحق في تقرير المصير".

من المؤكد أن اليوم الذي يتوقف فيه إطلاق النار باتفاقية ما، سيطرح واقع كيف تعيد الحرب على هذه المساحة الضيقة في غزة الاصطفافات والمصالح الدولية.

قال بروفيسور الأشقر "الأمر يعتمد على كيفية انتهاء الحرب، إذا كان لها أن تنتهي – لأن الصهيونية قائمة أساساً على الحرب ولا يمكن فصلها عنها. إذا توقفت العمليات العسكرية الكثيفة في قطاع غزة، يصبح السؤال: بأي شروط؟ كان واضحاً منذ وقت مبكر من العدوان الراهن أن هناك خلاف بين الإدارة الأمريكية الحالية وحكومة نتانياهو على مصير غزة بعد وضع إسرائيل يدها عليها. فإدارة بايدن تريد العودة إلى مسار أوسلو وتدعو إلى إعادة تسليم الحكم في القطاع لسلطة رام الله، بينما يرفض نتانياهو ذلك رفضاً باتاً ويصرّ، وتصرّ معه كافة التيارات الصهيونية الأساسية، على بقاء إسرائيل داخل غزة عسكرياً على الأقل، بل يريد أقصى اليمين الصهيوني البقاء داخل القطاع استيطانياً أيضاً. فقد نرى تصاعداً في التوتر بين الحكومة الإسرائيلية، طالما بقيت الحكومة الراهنة قائمة، من جهة، والحكومات الغربية بقيادة واشنطن من الجهة الأخرى. وفي هذه الحال، سوف يراهن نتانياهو على الجمهوريين في أمريكا، وهم مسيطرون على الكونغرس، وعلى عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة. وما دامت الرئاسة بيد الديمقراطيين في أمريكا، وتؤيد "حلاً" لغزة يعتمد سلطة رام الله، سوف نشهد تلاقي بين الحكومات الغربية والقوى الدولية المنافسة لها، لاسيما الصين وروسيا، في دعم السلطة الوطنية التي يفضّلونها جميعاً على حماس. وسوف يقتصر تفضيل حماس على سلطة رام الله على إيران التي ستستمر في توظيف هذا الموقف السياسي في خدمة نفوذها الإقليمي".

حتى الآن لا يوجد أي قرار دولي يلزم إسرائيل بوقف إطلاق النار، ورغم أن الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، واستهدفت فيها المدنيين بشكل واضح وصريح، فلم يتحرك أحد، أثقلت هذه الحرب الفلسطينيين هناك، بل أنهكتهم إلى حد لا يوصف، وتحول كل يوم لترقب حذر حول ما تحمله إسرائيل في جعبتها أكثر تجاه المدنيين في غزة، لم يبقى أي نهج استعماري فاشي لم تسلكه إسرائيل في حربها على الفلسطينيين هناك، مصعدة كل يوم من هجماتها على البشر والحجر، وإن كان هناك هامشا طفيفا تحمله القوانين الدولية التي تؤكد الحق لدى الفلسطينيين في المقاومة، فلا يوجد حتى الآن أي هامش قانوني يحاسب إسرائيل ويوقف حربها الدامية على قطاع غزة. 


أنتجت هذه المادة بدعم من “الأكاديمية البديلة للصحافة العربية” التي تشرف عليها فبراير، شبكة المؤسسات الإعلامية العربية المستقلة وينشر بالتعاون مع “فارءه معاي - المنصة الإعلامية العربية المستقلة.

ريهام المقادمة

صحفية وباحثة فلسطينية

شاركونا رأيكن.م