قانون الشاباك الجديد.. وداعًا للخصوصيّة

أصبح من البديهي جدًا الحديث عن انتهاك خصوصية المواطنين العرب في إسرائيل في ظل الحالة الهستيرية التي تعيشها الدولة في السنوات الأخيرة من توترات سياسية واجتماعية تنعكس بطبيعة الحال بشكل مباشر على هؤلاء المواطنين ضحايا القمع والتمييز العنصري الذي يتعرضون له في كافة مناحي حياتهم اليومية. إضافةً إلى التحديات الكبيرة التي يواجهها الجمهور العربي في ما يتعلق بالمساواة أمام القانون الإسرائيلي، فيُتعامل معهم في معظم الأحيان كمشتبهين، بالتالي انتهاك خصوصيّتهم ليست جرمًا. 

أكدت المؤسسات الحقوقية أكثر من مناسبة أن الانتهاكات الإسرائيلية التي تُمارس بحق المواطنين العرب في إسرائيل تشكل فصلًا عنصريًا، وعملتُ معها في هذا الصدد. وبالرغم من أن القانون الدولي يعتبر أن "قانون حماية الخصوصية" أحد الحقوق اللصيقة بالإنسان، فالإنسان بحكم طبيعته له أسراره وعلاقاته الخاصة، حيث لا يمكن أن يتمتع بهذه الخصائص طالما الدولة تنتهك وتتدخّل في الشؤون الخاصّة، ولا تقوم في حفظ حقه في الحياة الخاصة بجوانبها المختلفة، لهذا سعى كل من القانون الدولي والقانون المحلي لإيجاد ضمانات تكرس حماية كافية لهذا الحق، وفي حالة الاعتداء على هذا الحق يجب إيقاف هذا الاعتداء وإصلاح الضرر الذي سببه.

إذًا، إسرائيل التي يحلو للكثيرين وصفها بـ "واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط" تضرب بعرض الحائط بقانونها الأساس "كرامة الإنسان وحريّته" الذي يعتبر الحق في الخصوصيّة هو حق أساسي لكل إنسان أينما كان، وقد تم الاعتراف به كحق دستوري ذي قيمة عليا، ومع ذلك فإن إسرائيل مستمرة دون توقف في انتهاكاتها لحق الخصوصية، خاصة تحت غطاء الحرب وحالة الطوارئ التي تعيشها البلاد منذ السابع من شهر أكتوبر الماضي. فقد دفعت الحكومة الإسرائيلية باتجاه العديد من التعديلات التشريعية الجوهرية ونفذت بعضها، ما أدى إلى تآكل كبير في إجراءات حماية خصوصية المواطنين خاصة العرب. وفي السياق لا بد من التأكيد أن التهكم على كوريا الشمالية التي تحتفظ بقبضتها الخانقة على تدفق الاتصالات والمعلومات داخل وخارج البلاد، لم يعد له أي مبرّر قياسا مع ما بات يحصل في إسرائيل. 

فأخيرًا وليس آخرًا أُعلن أن الحكومة الإسرائيلية تعتزم تعديل قانون الشاباك بما يمنح جهاز الأمن الإسرائيلي العام صلاحيات واسعة تضع تحت تصرفه قواعد ضخمة من البيانات، وتمكنه من إجراء عمليات تفتيش واختراقات سرية لأجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة دون علم أصحابها باستخدام برامج تجسس على غرار "بيغاسوس"، وذلك بموافقة مباشرة من رئيس الحكومة، في ظل حد أدنى من رقابة الكنيست والإشراف القضائي على عملية التفتيش، وهو ما يعتبر أكبر انتهاك محتمل لحماية خصوصية المواطنين. 

وسبق هذا المقترح في ظلّ الحرب الراهنة أيضًا؛ مذكرة قانون يُسمح بموجبه للجيش الإسرائيلي و"الشاباك" باختراق الكاميرات الخاصة في البيوت والمباني العامة والشركات التجارية والفنادق وغيرها والاطلاع على فحواها من دون علم أصحاب الكاميرات تحت تبريرات منع تسرب معلومات من شأنها أن تشكل خطرًا على أمن الدولة. وقبلها مشروع قانون يمس بخصوصية المواطنين من خلال استخدام كاميرات التعرف على الوجوه في الحيز العام، ويسمح لأجهزة الأمن باستخراج معلومات من الكاميرات من دون استصدار أمر قضائي.

إسرائيل لم تجد فرصةً لانتهاك حقوق الإنسان وحقّ الخصوصيّة، إلا وقامت في استثمارها منذُ تأسيسها في عام 1948. وتعيش دولة إسرائيل "حالة طوارئ" بشكلٍ متواصل التي تمنح السلطات الحكومية صلاحيات واسعة جدًا تحت ستار حماية أمن الدولة والجمهور والذي يسيطر على الموقف الأمني المستمر. كما أننا لا نجد تبريرًا موضوعيًا لإنفاذ "حالة الطوارئ" إذ أن الظروف الموضوعية التي استدعت إعلانها في العام 1948 من وجهة النظر الإسرائيلية لم تكن قائمة طوال عشرات السنوات. كما وتستمرّ تطبيق الانتهاكات ضدّ العرب خصوصًا، فلم يعد هناك حاجة لإعلان "حالة الطوارئ" على يد الحكومة، إذ أننا نشهد تمديد القوانين التي يشرعها الكنيست على اعتبار أنها "قوانين مؤقتة" بقرار من الحكومة والكنيست، وهي ضمن "حالة الطوارئ" المستجدّة.

ولم يكن في سبيل الصدفة أن تتشابه القوانين الإسرائيلية العنصرية مع نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) في جنوب أفريقيا الذي كان يتخذ من القوانين العنصرية أداة واستراتيجية استعمارية للتمييز بين الأقلية البيضاء المنحدرة من أصول أوروبية وبين الأغلبية السوداء ذات الأصول الأفريقية والهندية وفق منهج إقصائي يُحافظ على المصالح والبنيات التجارية والاقتصادية التي أقامها البيض في ثلاثة قرون من الاستعمار. وعلى سبيل المثال قانون الاعتقالات الإدارية (أمر الساعة) وهو يعتبر الأكثر استخدامًا، التي لا تزال تطبقه إسرائيل في الاعتقالات الإدارية سواء في الداخل أو المناطق المحتلة عام 1967، ما معناه أنه منذ أن تم تفعيل هذا القانون وحتى يومنا هذا نستطيع القول إن إسرائيل اعتقلت آلاف الفلسطينيين وزجت بهم في السجون دون أن تكون هناك أية محاكمة حقيقية، ومن المعتقلين من أمضى فترات طويلة بسبب أن القانون يمنح الصلاحية لاعتقال إداري لستة أشهر قابلة للتمديد إلى ما لا نهاية.

وختامًا، نجد أن "قانون الشاباك" الأخير، الذي يعطي الصلاحية للأجهزة الأمنيّة والعسكريّة والوحدات الخاصة الدخول في منظومة انتهاكات خصوصيات الأفراد باستخدام برامج تجسس، ويوفر لهم سهولة اختراق أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة دون إذن من المحكمة أو علم من أصحابها، وإنما يكون الأمر خاضع لسلطتهم الوحيدة، بل إنه لا يوجد رقابة حقيقة من جسم خارجي، ما يعني أن الأجهزة المخترقة جميعها مربوطة في شبكات الإنترنت وهذا معلوم مسبقًا لديهم وهم أصلًا من تكلم سابقًا عن مثل عمليات الاختراق هذه التي تتم خارج نطاق القانون، والذي تغير اليوم أن عمليات الاختراق والتجسس أصبحت تتم بغطاء قانوني دون الحاجة للتوجه للمحكمة لأخذ الموافقة المسبقة أو تقديم تبرير لحاجة عملية الاختراق، فيما لا يوجد مكان في هذه الدولة للحديث عن الديمقراطية والحفاظ على الحق في الخصوصيّة، فكل هذه الأمور تستطيع الانتظار ما زال الأمر متعلق بحماية أمن الدولة والجمهور، من وجهة نظر إسرائيلية. 

المحامي عمر خمايسي

محام ومدير مؤسسة ميزان لحقوق الانسان

شاركونا رأيكن.م