الغاز الطبيعي في شرق المتوسط: سايس بيكو البحار

لقد كان لاكتشافات الغاز الطبيعي في عام ١٩٩٩ مقابل شواطئ غزة. أهمية ثانوية جدا لخريطة الطاقة العالمية. ثم تلاها اكتشافات الغازالطبيعي في إسرائيل وأيضا لم تلق هذه الاكتشافات أي أهمية دولية. 

ولكن مع اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية ووقف إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا أخذت المنطقة واحتياطات الغاز الطبيعي بعدًا استراتيجيا ودوليا من حيث أن تكون بديلا لجزء من إمدادات الغاز الطبيعي لأوروبا. 

وهكذا تسارعت الأهمية الدولية، والغرب كما الغرب في نفس الأدوات القديمة المتبعة منذ 100 عام بدأ بترتيب الأوراق واللاعبين في المنطقة بإقامة منتدى غاز شرق المتوسط وهي هيئة معترف فيها دوليا. والأعضاء فيها، مصر، إسرائيل، فلسطين، الأردن، قبرص، واليونان، أعضاء مراقبين أوروبا وأمريكا.

من اللافت أن هذه المنظمة هي أكثر منظمة دولية تكون فلسطين فيها عضو كامل مع حق النقض الفيتو. 

مسمار جحا: موجود في حقول الغاز

كلنا نعرف قصة البيت الذي باعه جحا إلا مسماره، وأصبح المسمار مزارا وموطئ قدم وهذا ما حصل، حيث دأبت إسرائيل من خلال ترسيمات حدودية بحرية أن يكون لها حصة وقول في ثلاث آبار: غزة مارين - فلسطين، بئر قانا - لبنان- من خلال شركة توتال وبئر افروديتا-قبرص. وهكذا اكتسبت إسرائيل موقعًا استراتيجيا للتفاوض على إمدادات الغاز لأوروبا من حيث التفاوض. 

كان هناك شعور أن منتدى شرق المتوسط في طريقه ان يكون لاعب اساسي في خريطة امدادات الغاز الطبيعي لأوروبا. حيث لأعضائه كل المقومات. بالأخص إسرائيل ومصر. كما أن البنية التحتية من ناحية الأنابيب قد اكتملت بين إسرائيل والأردن ومصر إذ أن مصر تملك محطتين لتسييل الغاز ومنها لأوروبا وبالفعل كان هذا المسار قد بدأ.  ومن المهم التشديد على أن توريدات الغاز الاقليميه قد تم تفعيلها بالأخص لمصر والأردن من خلال شركات خاصة. 

ان الخطه الورديه مع الاتحاد الأوروبي كانت ان يتم مد خط لأوروبا بعد ربط أبار الغاز بين إسرائيل. ومصر وفلسطين لشركة واحدة من خلال منتدى شرق المتوسط.. دخول لاعبين دوليين من الشركات من الصف الأول مثل شيفرون-أمريكية. توتال-فرنسية. ايني-إيطالية.  وترتيب مصري لتشغيل حقل غزة بعد ٢٠ سنة من اكتشافه. وتناغم مع حماس مبعوث أميركي للبنان وتوافق مع حزب الله.

وجاءت حرب السابع من أكتوبر بين حماس وإسرائيل، حيث قامت إسرائيل في تفعيل "السهم الذهبي" وهو السهم السيادي للمصالح الإسرائيلية في الشركات الخاصة. حيث أمرت شركة شيفرون بوقف إمدادات الغاز لمصر من بئر تمار ولفيتان. وهذا الأمر كشف ما كان معروفا في واسطة الطاقة أن مصر في أزمة طاقة خانقة، حيث توقف إنتاج مصنع البتروكيماويات، وأصبح تقنين كهرباء من ساعتين إلى أربع ساعات يوميا. أما الأردن ألغت الاتفاقية الثلاثية الشمس مقابل الماء. وهي اتفاقية تقتضي بتأسيس محطة توليد طاقة شمسية على الأراضي الأردنية وبالمقابل تحصل الأردن على مياه من تحلية مياه البحر. 

من عامل ثابت إلى متغيّر

نسفت حرب غزة مساعي إسرائيل الى جانب منتدى شرق المتوسط للغاز الطبيعي، من موضعة نفسها كدولة مستقرة وموثوقة من ناحية إمدادات الغاز لأوروبا. 

فبالرغم من بناء منظومة كاملة للحماية البحرية من سفن ورادارات بتكلفة مئات ملايين الشواقل، لتجنب إيقاف امدادات الغاز وبعد تفعيل "السهم الذهبي"، حيث انهارت كل المنظومة عقب الحرب مع حماس، لتصبح المنصة البحرية "بئر تمار" هدف دائم لصواريخ حماس وتحوّل دور إسرائيل في إمدادات الغاز لأوروبا وأيضا المستهلكين الإقليمين؛ موضع شك كبير، ما يشي بإسقاطات الحال على أوروبا التي تعاني من التطورّات السياسيّة الراهنة.

ماذا بعد الحرب؟

أصبح بئر غزة له وزنه من حيث إعادة الإعمار لغزة. حيث يوجد بعثرة للأوراق يوجد طواقم تفكير. 

وطواقم دماغ تفكر في اليوم التالي وهي منظومة فكرية متوارثة في الغرب. حيث أن بئر غزة يجب أن يثبت في الوضع الحالي ليس لغزة بل لمجمل منظومه الطاقه الإقليمية. حيث أن مصر والاردن تبحثان عن بدائل للطاقة بعيدا عن غاز المتوسط. وبالاخص آبار إسرائيل.  كما أن الشركات الدولية بالرغم من فوزها في مناقصات بلوكات بحرية في إسرائيل سوف تفكر مليا في بدء أي حفر لبئر استكشافي، علما أن تكلفة كل بئر تبلغ 150 مليون دولار.

 الملخص

إن منظومة الغاز الطبيعي في إسرائيل للتزويد الداخلي للاستهلاك المحلي فشلت في ربط المستهلكين الداخليين. وأيضا المستهلكين والمناطق الصناعية العربية. حيث لا يوجد مصنع واحد او محطه ضغط منخفض تتيح الاستعمال المنزلي تم ربطه بأي من مناطق الامتياز الستة في إسرائيل. 

على الصعيد الخارجي لإسرائيل يوجد ثلاثة مستهلكين شركة دولفينوس المصرية، وشركة الفوسفات والكهرباء الأردنية الشمالية. 

إسرائيل ستحتاج للكثير من الجهود لتعيد الثقة بكونها مزودا موثوقا به. حيث أن عقود الغاز الطبيعي هي عقود طويلة الأمد وتحتاج لجو إقليمي مريح. 

الايام ستاتي لنري اين تطور منظومه الطاقه الإقليمية.

المشهد لم يستقر بعد..

طارق عواد

رجل أعمال وخبير في مجال الغاز بالشرق الأوسط

شاركونا رأيكن.م