تعاطي المخدرات والعلاقة مع فقدان السلطة الوالدية في المجتمع العربي

يلجأ أبناء الشبيبة، وخاصة في ظروف عدم الرقابة والمرافقة والسيطرة، إلى تجربة تعاطي المخدرات وشرب الكحول وخاصة إذا وُجدوا في بيئة تساعد على الانحراف ومع أصدقاء يتعاطونها. هذه عوامل أساسية في اغراء الشاب للتجربة.

لا بد من التأكيد على دور الأهل المهم في لجم ظاهرة ازدياد تعاطي المخدرات وشرب الكحول لدى أبناء الشبيبة والمراهقين في مجتمعنا العربي الفلسطيني داخل إسرائيل. هذا الاتساع في الانحراف نرصده منذ سنوات، وخاصة بعد التقرير الأخير الذي صدر عن وزارة المعارف والثقافة عن امتحان "النجاعة"، والذي يشير إلى زيادة تناول الكحول بنسبة 5% بين الطلاب في المجتمع العربي خلال السنة الاخيرة، في سن 18-20 عاماً. ونحن نتحدث عن مجتمع 90% منه هم من المسلمين. وكما هو معلوم، فإن الدين الإسلامي يحرّم شرب الكحول. لذلك، فإن المراهق الذي يبدأ بشرب الكحول في سن مبكرة هو يعلم أنه منحرف ولا يقبله المجتمع. من هنا يكون الطريق أسهل نحو انحراف آخر، هو تعاطي المخدرات. وتشير الإحصائيات في مجتمعنا العربي إلى أن 20% من متعاطي الكحول، 9% منهم انحرفوا إلى تعاطي المخدرات، أي أن الكحول ممكن أن تكون مؤشراً للبدء بتعاطي المخدرات.

على خلفية المعطيات المذكورة أعلاه وخطورة هذا الموضوع، لا بد من وقفة مهمة مقابل هذا الوباء الذي قد يهدد الأجيال القادمة، والوقوف عند دور الأهل ومدى سيطرتهم على أولادهم من أجل درء المخاطر والتدهور قدر المستطاع.

من خلال عملي الميداني على مدار 31 عاماً في مجال علاج وتأهيل المدمنين ومن خلال الأبحاث التي أجريناها، تبين أن أكثر مؤثر على تعاطي المراهقين المخدرات هو موقف الأهل من الأمر بنسبة 40%، والمقصود في هذا كيفية رؤية الأهل لتعاطي المخدرات (البحث كان في أمريكا، 20% تأثير وجود تجار مخدرات في المنطقة و20% تأثير أصدقاء متعاطين، و20% أسباب نفسية وتربوية وما شابه).

لكيلا يضيع المعنى، فنحن نعني بموقف الأهل ما يلي:

  • أن يعتبر الأهل أن الحشيش مادة طبيعية مخدرة من النباتات، "خفيف"، وإذا استعمل الشاب كميات قليلة فهذا لا يضر.

  • الأب أو الأم يدخنان الحشيش فتنتقل العدوى للأولاد.

  • غياب الأهل عن أولادهم وبُعدهم عنهم، فهم لا يعرفون أصدقاءهم ولا أصدقاء شبكات التواصل الافتراضيين الذين يتواصلون معهم لاتساع هذه الدائرة وخروجها عن سيطرة الأهل.

  • تبني الأهل المصطلحات الديمقراطية، والتي بمعظمها آتية من نظريات غربية، يؤمنون بها فنراهم لا يدخلون غرفة ابنهم أو ابنتهم ولا يراقبون لتجنب إزعاجهم تحت اسم التربية الحديثة، في الوقت الذي تكون فيه أدوات ومواد المخدرات موجودة في الغرفة أحياناً.

بات الأهل الحلقة الأضعف في ظل كل هذه الفوضى والقيم المتغيرة. فقدوا السيطرة والسلطة. وهذا هو التحدي الأكبر للأهل اليوم في كيفية إعادة تلك السلطة الوالدية وإعادة ترميمها.

ولا بد من الوقوف والتمعن عميقاً في مفهوم المجتمع والعائلة والنظريات الغربية للتربية والتي تبناها المجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل وأثرت سلباً في كل قضية الفرد والأولاد، إذ أن كل النظريات التربوية الحديثة التي اجتاحت مجتمعنا وبدأنا بتطبيقها هي نظريات غربية وفردية تناسب المجتمعات التي يعيش فيها الفرد بمعزل عن العائلة والجماعة، بينما مجتمعنا الشرقي هو مجتمع جماعي، والمجتمع الشرقي القروي مزروع في "جينات" كل فرد منا، حتى لو وجد في أي مدينة عالمية.

فقدنا اليوم للأسف الروابط الاجتماعية والعائلية والحمولة بمعناها الإيجابي، والتي لعبت دوراً أساسياً في تنشئة الفرد على الاحترام، حيث كان الفرد يخجل من أن يقع في مشكلة حرصاً على المجموعة التي كانت تحاسبه على ذلك وتنبذه. أما اليوم فقد تحولنا إلى مجتمع هجين يقلد الغرب وعبارة عن أحياء فقر تكثر فيها ثقافة العربدة والعصابات. أصبح الفرد لا يخاف شيئاً ولا يحسب حساباً لأحد وعديم الانضباط.

من الأهمية بمكان النظر إلى العلاقات داخل الأسرة الواحدة وعلاقة الأهل بالأولاد في مجتمعنا. أصبح الولد اليوم في المركز، يلهث الأهل من أجل إرضائه لشعورهم المستمر بالذنب تجاهه نتيجة غيابهم عنه لحاجات العمل وقضاء الوقت خارج البيت، يعوّضونه مادياً وبدون رقابة، لا يضعون له حدوداً وتدار البيوت بالحاكوم "ريموت كونترول" من خارج البيت، وهذا يصعب عملية التحكم بالولد والسيطرة على الأمور. وفي النهاية يقول الأهل أو الأب "ميش غادرله"، لا تصان الحقوق والواجبات في الأسرة، إغداق العطاء المادي والألعاب يعطيه الشعور بعدم وجود قيمة للأشياء وفقدان الحدود الضرورية للولد لإشعاره بالأمان، لا تحترم الكلمات ولا الوعود، وهو ما يعلم الولد على عدم الانضباط الضروري كقيمة لأسس النجاح والتقدم.

وبالتالي، في النتيجة والمحصلة، يلجأ الأولاد وخاصة في ظروف عدم الرقابة والمرافقة والسيطرة للتجربة، وخاصة إذا وجدوا في بيئة تساعد على الانحراف وأصدقاء يدخنون المخدرات أو يتعاطون الكحول، يغريهم التجريب الذي يخرج عن السيطرة لاحقاً. وفي معظم الأحيان حتى الفطام لا يعيد الشاب إلى حالته التي كانت من قبل، بل يترك أثراً.

وأخيراً وليس آخراً، بعض التوصيات للأهل على أمل أن تساعد في منع التدهور:

  • ترسيخ وتعليم الأولاد عن أسس ومهارات حياتية لمعرفة كيفية التصرف لحياة آمنة.

  • الحزم في التربية وتفعيل السلطة الوالدية منذ الصغر. 

  • تطوير القدرة عند الأبناء على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.

  • عدم التأثر من الضغط الاجتماعي والرضوخ له لأنه أحد أهم أسباب الانحراف.

د. وليد حداد

مختص ومحاضر في علم الإجرام

شاركونا رأيكن.م