شهادة الطالبة الجامعية بيان خطيب: من "الستوري" إلى السجن
أنا بيان خطيب، طالبة هندسة معطيات في السنة الرابعة بمعهد التخنيون بكتب شو صار معي عقب أحداث 7 أكتوبر لأنه هاي طريقتي أوصل صوتي وصوت كثير طلاب عرب من فلسطيني الداخل في الجامعات الإسرائيلية في هذه الفترة، من ملاحقات سياسية، اعتقالات وتوقيفات وحتى فصل من المؤسسات الأكاديمية.
بيان خطيب
بتاريخ 8.10.2023 فقت الصبح بكير وزي أي إنسان آخر بلشت أحضر فطوري الي تعودت دايمًا يكون قهوة واشي حلو بس بهذا اليوم قررت أفوت عالمطبخ وأتعدل ويا ريتني ولا فتت! … معروف عني أني مش طباخة ماهرة أو بين قوسين "معدلة" ونادرًا ما بطلع بأيدي أطبخ صحن متكتك.
بعد جهد جهيد حضرت قلاية شكشوكة وشاركت ستوري على منصة الانستغرام بال "close friends" فيه بشارك واحد من انتصاراتي وفيه أرفقت فيديو فيه الشكشوكة بتبقبق مع ميناء حيفا كخلفية مع جملة "قريبًا سنأكل شكشوكة النصر+ علم فلسطين" والموقع: حيفا-فلسطين.
المشاركة كانت محصورة جدًا على بعض من الأصدقاء ومرفق خلفية للفيديو صوت كوميدي بقول: "لا أحد يقول عني مو بفنان أو الي يفكر للحظة أني مو بفنان او عنده شك لو ذرة من المليار أني مو بفنان.." الستوري كان عفوي لا يحمل معه معاني تشبه التي ادعوها بحقي لاحقًا.
بتاريخ 14.10.2023 وصلتني عشرات "طلبات الصداقة" ورسائل كثيرة وتهديدات من طلاب يهود فيها يكتبون أني إرهابية داعمة للقتل وأدعم جهات معادية واني خالية من كل قيمة إنسانية. بعد استفساري أجد أن هناك جماعات من طلاب يهود يمينيين تتكتل لترسل تفاصيل عن طلاب عرب يدعون أنهم داعمي إرهاب ومحرضين ضد مواطني الدولة. بدون أي سؤال حول ما قصدت أجد رسائل كثيرة حتى في مجموعات زملائي في التعليم فيها يشاركون تفاصيل حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي ومنشورات أخرى فيها تحريض صريح عليً، ومقالات أخرى نشرت في مواقع إخبارية مثل y.net مع كل روايتهم الزائفة ودعوة لفصلي من مكان تعليمي وأنهم لن يشاركوني مقاعد الدراسة، وتوجه مئات الأشخاص لمعهد التخنيون - حيث أدرس - بفصلي الفوري.
كان واضحا لي أن هناك مجموعات تلاحق الطلاب العرب وينبشون في المنشورات او التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي، ليقوموا بتسويقها على أنها دعم للإرهاب، حتى لو كانت تعاطفًا مع مدنيين أبرياء، مدعين أنها مادة كافية دون براهين أو أدلة للعمل على فصلنا من الأكاديميات الإسرائيلية والتي لنا حق لا مكرمة أن ندرس فيها.
من جهتي، باشرت فورًا بالتواصل مع محاضرين ومسؤولين في كليتي وكليات أخرى لوضع حد لهذه الملاحقة الواضحة. بالبداية مع سكرتارية الكلية التي انتمى إليها والتي لم تفعل شيئا سوى التواصل مع عميد الكلية المسؤول والذي بدوره اكتفى بنشر رسالة يدعوا فيها الطلاب للتروي وأن التخنيون كمعهد وإدارة يقومون بفحص كل الحالات وستتخذ الإجراءات الحاسمة بشأنها وفقا لروح الرسالة.
ثم تواصلت مع أستاذين ذوي شأن في المعهد المعروفين بدورهم الفعال لتمكين الطلاب العرب في التخنيون والذين لم يردوا على رسائلي عبر البريد الالكتروني او اتصالاتي الهاتفية حتى لحظة كتابة هذه الأسطر، فيها طالبتهم بالمساعدة على وقف الملاحقة السياسية بحقنا.
التصعيد زاد أكثر فأكثر، لأرى المزيد من المنشورات التحريضية ضدي ومن ثم نشر عريضة تشمل تفاصيل لطلاب عرب ممن أسموهم"داعمو الإرهاب" مع منشورات لهم وتفاصيلهم الشخصية (حول تخصصاتهم، ألقابهم أسمائهم الشخصية، سنوات تعليمهم وروابط لحساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي).
بتاريخ 16.10.2023 وصلتني رسالة من معهد التخنيون تتضمن شكوى ضدي ودعيت لجلسة أمام لجنة الطاعة الخاصة في المعهد. تواصلت مع محاميين من جمعية عدالة لتوكيلهم بتمثيلي. وبالفعل رافقوني في الرد على الشكوى وغيرها من الرسائل لإيصال نفيي المطلق لادعاءاتهم الباطلة.
خلال انتظاري لرد المعهد ومسار المحادثات معهم، زاد التحريض ضدي. ويوم 25.10.2023 تمت دعوتي من قبل الشرطة لتحقيق مستعجل وتهديدي بالقدوم لمسكني في الحرم الجامعي إذا ما وصلت فورًا للمكان الذي استدعيت اليه. وصلت إلى محطة شرطة في مدينة "نوف هغاليل" (بمحاذاة مدينة الناصرة) ليتم التحقيق معي من قبل أحد عناصر ما يسمى ب"היחידה לטיפול בפשיעה" (أي"وحدة علاج الجريمة").
التحقيق كان فظيعا بكل معنى الكلمة، الشرطي استمر بالصراخ علي قائلا: "תתביישי" ("اخجلي" بالعربية).
إضافةً إلى جمل مثل: "את מגדירה את עצמך בחורה דתייה ואת מעודדת טרור ושמחה שיש נרצחים" (أي "أنت صبيّة متديّنة وتشجعين على الإرهاب وسعيدة بوجود قتلى").
ولا بد من الاشارة هنا، انه منذ بداية التحقيق كانت هناك معلومات غير صحيحة بشأني.
وقمت بلفت انتباه المحقق حول طبيعة علاقاتي الطيبة مع زملائي في المعهد - كانوا يهودا ام عربا - وعن خلفيتي العائلية التي تولي العلم والقيم الانسانية صدارة اهتماماتها؛ كما ذكرت نشاطاتي الاجتماعية ودوري الفعال في مساعدة وتمكين الطلاب الأكاديميين الجدد في معهدي.
كما أكدت مرارًا وتكرارًا أنى لم أقصد بهذه المشاركة مضايقة أو الحاق الأذى فكم بالحري التحريض ضد أي شخص.
ووضحت حزني وألمي جراء ما حدث في 7 أكتوبر وما تلاه من أحداث.
لكنني شعرت أنه والضابط الذي تواجد في المكان أبوا أن يسمعوني ليستمر الصراخ: "את לא מצטערת על מה שעשית!" (أي "أنت لستِ نادمة على ما فعلت!")
ومن ثم تم اعلامي أنى معتقلة بتهمة التحريض ودعم جهات إرهابية وطلب مني التوقيع على التحقيق الذي لم أكمله بعد. بدأت بالصراخ لأن المحقق لم يكتب كل ما كنت أريد أن أقوله وان لدي الكثير لأقوله وانني انا التي تتعرض للتحريض والملاحقة؛ ليتم وضع الاصفاد في رجلي ويدي بشكل قاس وبتدخل عدة عناصر شرطة، وينتهي التحقيق بادعاء أنى ارفض التوقيع عليه.
صرخت كثيرًا وقلت لهم أنى لا أرفض التوقيع، وانما اريد اضافة حقيقة ما جرى معي عليه وانني لم أنته بعد من الحديث.
بادر الضابط المسؤول عن مركز الشرطة الذي كنت متواجدة فيه لتهدئتي واخباري باني معتقلة مرة أخرى بقرار مسبق حتى قبل وصولي للتحقيق؛ ومن ثم قاموا بإجراءات بحقي مثل تفتيش عاري وأخد بصماتي وأغراضي الشخصية، لانقل بعدها إلى سجن الشارون- نتانيا، حيث قضيت ليلتي الأولى والوحيدة.
وصلت إلى السجن الساعة تقريبًا 21:30 من ليلة الأربعاء، بعد مقابلة رئيس السجن وفحص طبي وتسجيل بعض التفاصيل، تم نقلي إلى الزنزانة الوحيدة للنساء المعدة إلى 4 أشخاص لأقضي ليلتي هناك مع 8 معتقلات على ذات الخلفية.
في هذه الليلة لم نتلق أكل أو ماء بحكم اننا وصلنا الى الزنزانة ليلًا، وتلحفنا الأرض لكثرة عددنا وحتى لم نتلق محارم او لوازم للدخول للحمام.
الليلة بكل تفاصيلها لا تصدق! شعرت بأنني بكابوس، وكأن الأصفاد ما زالت برجلي حتى داخل الزنزانة؛ المكان مقيت مفصول تماما عن العالم الخارجي، لا قدرة على التواصل مع الأهل أو محام ولا حتى معرفة الساعة وفيما اذا كنا بساعات النهار أو الليل.
لا أذكر أننا نجحنا في أن ننام، بالرغم من كل محاولاتنا، حيث ان السجانين كانوا يدخلون الى غرفتنا في كل ساعة ويضيئوا النور في المكان، فضلا عن وجود كاميرا في الغرفة، ما منعني من ازالة الحجاب لارتاح قليلا.
أذكر جيدا كيف قامت السجانة بايقاظانا من النوم. فقد نادتنا بأبشع العبارات وأقبح التسميات، في جملة قالتها حتى اليوم أتضايق حين أتذكرها وهي: "אם הייתי גבר הייתי מזיינת אותכן" (أي "لو كنت رجلا لاغتصبتكن").
في نفس اليوم كانت جلستي في المحكمة، والتي تم عقدها عن بعد عبر تقنية الزوم، حيث تم استدعائي إليها دون خبر مسبق في الوقت الذي لا يمكنك معرفة الوقت.
مشيت لغرفة صغيرة أمامي كان حاسوب وورائي علم الدولة والى جانبي سجانة. مع بداية الجلسة دخل شخصين (سجانين) أذكر أنهم كانوا يثيرون الضجة والإزعاج في المكان.. تلفونات فيديوهات وحكي… وهو يقولون - على ما يبدو لاستفزازي - "לא ייתכן שכל תומכי הטרור ישוחררו" (أي "من غير الممكن أن كل داعمي الإرهاب سيتم الإفراج عنهم") ثم يكملوا أحاديثهم ومكالماتهم. حاولت الحديث ورفعت ورقة طالبة الحديث من القاضية، التي أتاحت المجال ولو بتأخير، حيث أنها قررت قرارها قبل سماعي -ومددت اعتقالي ليوم إضافي.
طلبت من أولئك السجانين المضجين بكل أدب واحترام بأن يكملوا محادثاتهم خارج الغرفة فأجابوني:
"זאת הבעייה שלך، את תסתדרי" (أي "هذه مشكلتك، رتبّي أمورك"). تنتهي جلسة المحكمة بلا أن أرى أهلي او أتحدث معهم وحتى بدون أن أسمع القرار النهائي، ثم يطلب مني الانتقال الى الزنزانة.
أرفض، طالبة بروتوكول الجلسة ومعرفة قرار المحكمة وشرب بعض الماء، علما أنني لم أشرب ولم أدخل الحمام منذ ليلة أمس. وإجابة السجانين كانت "بعد قليل" طوال الوقت. وكل مرة ذكرتهم بطلباتي زادوا ضغط الأصفاد على رجلي وحتى لقبوني فيما بينهم وعلى مسمعي بأني "חופרת" (أي "بنقّ وبطلب كثير"). بل الأنكى من ذلك، سألهم أحد الشرطيين "لماذا لست بالانفرادي؟
نقلوني والسجينات الأخريات لسجن الدامون (وهو سجن أمني معد للنساء)، وأنا لا أزال على حالي. بلا قدرة على المشي بسبب الأصفاد وبلا شرب الماء وبلا معرفة قرار المحكمة! وحين اصريت على شرب الماء جلبوا لي قنينة ماء مجمدة!
بعد وصولنا الى سجن الدامون مررنا بنفس الإجراءات، لقاء مع مديرة السجن، تفتيش عاري، وفحص طبي، اضافة هذه المرة الى جلسة مع ضابط استخبارات - الذي لم بنفك أن يخيفني بأن قضيتي أمنية وأني لا اختلف عن أي من الأسيرات الأمنيات الموجودات في السجن.
وقبل دخولي إلى الزنزانة أعلموني أنه تم تقديم استئناف على قرار المحكمة وان هناك احتمال لخروجي من السجن اليوم. وبالفعل هذا ما حصل بعد أن تقرر فرض اعتقال منزلي بحقي لمدة 4 أيام في بيت أهلي بكفركنا وابعاد عن مكان سكني في حيفا ودفع كفالة ومنعي من النشر في شبكات التواصل.
خلال فترة اعتقال المنزلي وبتاريخ 27.10.2024، تمت المصادقة على أمر احترازي قدم من قبل معهد التخنيون والذي ينص على توقيف تعليمي مؤقتًا وإبعادي عن الحرم الجامعي ومطالبتي بإخلاء سكني الجامعي على الفور، اضافة الى دعوتي للامتثال أمام لجنة الطاعة في المعهد للنظر بموضوع متابعة تعليمي الجامعي لديهم.
في تاريخ 9.11.2023 بدأت جلستي هذه الساعة 9:30 بحضور قضاة تابعين للتخنيون و3 محامين عن مقدمي الشكوى ضدي. حضرت الجلسة برفقة المحامي عدي منصور من مركز عدالة الحقوقي، لاستمع الى شهادات من اناس لا يعرفونني وفي الوقت الذي لم أسأل ولو مرة واحدة عما نشرت في صباح الأحد، لتنتهي الجلسة الساعة 17:00 بلا قرار نهائي.
في الختام، لا زلت بانتظار القرار بشأن إكمال تعليمي من قبل معهد التخنيون لأتمكن من الحصول على لقبي الجامعي، والذي بالحقيقة هو حصيلة تعبي واجتهادي ودعم عائلتي اللامحدود. وكلي أمل بصدور القرار المستحق لصالحي، ولكن لا أخفي عليكم أنني قلقة من العودة الى مقاعد الدراسة في المعهد، بعد حملة التحريض التي شنّت ضدي.
وفي المقابل، لم تقدم ضدي لائحة اتهام حتى اليوم، لكن الملف الجنائي ما زال مفتوحا والامكانية قائمة. وأتمنى ألا يتم ذلك وأن ينتهي هذا الكابوس قريبا.
13.11.2023
بيان خطيب
طالبة هندسة وعلوم المعطيات في معهد التخنيون. مهتمة في عالم التقنيات الحديثة والهندسة بأنواعها. متطوعة سابقة في منتدى Awsc لدعم النساء والفتيات للاندماج في عالمي الهايتك والبيوتك، وناشطة في جمعيات خيرية مثل seeds of humanity ومحبة للمشاركة في بعثات انسانية. مرشدة لموضوعي الرياضيات والبسيخومتري وتدير مشروع مور-امتحان قبول لكليات الطب في البلاد- في مؤسسة إنفينيتي للتوجيه الاكاديمي، وترافق أكاديميًا طلاب السنة الاولى من مساقها وتمثل كليتها في أيامها المفتوحة