الصدمة لدى الأطفال والمراهقين خلال الأزمات الأمنية والحروب: دور الأهالي في التعامل مع أبنائهم

الأزمات الأمنية والحروب تُعدّ من أصعب التجارب التي يمكن أن يمرّ بها المجتمع ككلّ والأسرة، صغارًا وكبارًا، خصوصًا عندما تكون الأزمات مستمرة، مثل الحرب، النزاعات المسلحة أو الظروف الاجتماعية غير المستقرة، حيث تؤثر بشكل كبير على الأهالي، الأطفال والمراهقين. 

حالات الطوارئ والأزمات تضعنا وجهًا لوجه مع الضبابية، التعقيد، التقلّب وعدم اليقين (VOCA)، مما يعرقل الاستمرارية في حياتنا، ويؤدي الى زعزعة مشاعر الأمان، الحماية والسيطرة، قد يكون هناك خطر إجهاد عقلي، توتّر وقلق قد يعرقل الأداء الوظيفي التنظيمي والاجتماعي.

الأزمة قد تسبب الضغط النفسي أو الصدمات النفسية المباشرة أو الثانوية للأطفال والمراهقين وهذا يضرّ في استقرارهم وحالتهم الطبيعية، وقد تكون لها تأثيرات نفسية وعاطفية عميقة على حياتهم.

ترتبط الصدمة النفسية بحالة نفسية شديدة قاهرة يعاني منها الأشخاص بعد حدث سيء حصل بشكل مفاجئ وغير متوقع. يمكن أن ترافق الصدمة النفسية مشاعر شديدة من الحزن والتوتر والرعب والخوف؛ يدرك الناس أنهم لا يستطيعون التعامل مع الأحداث السيئة وآثارها؛ مما يجعلهم يعتقدون أنهم وأحبائهم ليسوا آمنين وهذا يزيد الشعور بفقدان السيطرة والتهديد.

أثناء الأزمة قد يكون هناك خطر جسدي وإجهاد عقلي، توتّر وقلق قد يعرقل الأداء الوظيفي التنظيمي والاجتماعي، مما يؤدي الى اجهاد سام مما يؤدي إلى مشكلات العاطفية والمعرفية والجسدية ويؤثر على النوم، الغذاء، الأفكار السلبية، السلوك السلبي، العضلات، الأمراض، المزاج السيء، التركيز والذاكرة.

تؤثر الصدمات بشكل سلبي على جوانب عدّة، كالجانب الجسدي (الألم، الإثارة، الإجهاد، الدوخة، صعوبات بالتنفس، المرض، التغيرات في النوم وتناول الطعام..)، الجانب المعرفي ادراكي (صعوبة في التفكير، في التركيز تغير في الذاكرة، والارتباك)، الجانب النفسي (ارتفاع في معدلات الاكتئاب، القلق، التوتر النفسي والإرهاق ، الغضب، العصبية، الخجل، القلق، التوتر، الحزن، اللامبالاة...) والجانب السلوكي اجتماعي (تغيرات في السلوك، السلبية، الاعتماد، العدوان، الانسحاب، السخرية، تدهور الوضع الأكاديمي، الميل إلى الانزعاج، الشكوى من الألم، الخوف من الظلام والوحدة، البكاء، التجمد، الهروب، النشاط). الصدمات قد تظهر على هذه الأشكال سواء لدى البالغين أو الأطفال. وقد تؤثر الصدمة النفسية على الآباء والأمهات وتمسّ بقدراتهم الوالدية، مما يؤثر على قدرتهم في تقديم الدعم العاطفي والنفسي الكافي لأطفالهم.

واما عن الصدمة النفسية الثانوية فآثارها كالصدمة العادية، وهي ناتجة عن التعرض المستمر للأحداث الصادمة، أو الضغوط النفسية والعاطفية، أو التعرض المستمر لمشاهدة، أو سماع قصص عن الأحداث الصادمة أو الصعبة التي يمرون بها الآخرون بسبب الازمة الأمنية المستمرة. فهم يشهدون أو يتفاعلون مع حالات مروعة ومأساوية بشكل مستمر، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على حالتهم النفسية. 

في ظلّ الأوضاع الراهنة والقاهرة وبسبب حالة الطوارئ الأمنية يبقى التحدي الكبير هو المحافظة على الصحة النفسية. من الضروري تجنب الحكم على نفسك أو الأسرة والأبناء، فهذا يضعف المناعة العائلية. علينا قبول الوضع الذي لا نملك السيطرة عليه الآن. كيف؟ أنت على ما يرام، تشعر بالحزن والإحباط، ولكن لا تدع لهذه المشاعر أن تغمرك. ماذا تفعل؟ القيام بدورك، عملك ووظيفتك هو ما سيساعد.

نحن لا نملك قدرة السيطرة على أمور معقدة مثل الحرب، لكن نملك القدرة على السيطرة بالأمور المتعلقة بنا، بأسلوب حياتنا، طريقة العمل والأداء التنظيم داخل البيت وغيرها، السيطرة تعيد لنا التوازن والقوة حتى لا ننغمر في الأزمة وننسى أنفسنا.

هذه الأوضاع قد تجعل البعض يفقد قدرة التحمل والصبر بسبب الخوف والشعور بالعجز، وبالتالي قد يتصرف هؤلاء بتسرع واندفاعية، وقد يصبّ غضبه واستيائه على غيره مما قد يزيد نسبة المشاحنات والضغط النفسي ويتأثر الشخص ومحيطه.

 من الضروري الاستماع إلى مشاعرنا وجسدنا في هذه اللحظات، البحث عما يساعدني لأشعر بالراحة أو بالهدوء، ومحاولة التعامل بحكمة مع مصادر الضغط.

من أجل السلامة النفسية والجسدية، يمكننا تقليص المشاعر السلبية والخانقة أو تجنبها ومحاولة التهدئة واستعادة السيطرة من خلال عدة اقتراحات، كلّ والآلية المناسبة له. مفضل الحدّ من اوقات متابعة الاخبار ومشاهدة الاحداث بحذافيرها، الانشغال بنشاطات مفيدة وفعالة، التنفس والاسترخاء، التأمل والحوار الداخلي الإيجابي، الإيمان، تعزيز الشعور بالقوة الداخلية والسيطرة، ممارسة النشاط الجسدي والهوايات الشخصية، الإكثار من الصلاة والدعاء، التعبير والفعاليات الابداعية... 

للعودة الى الروتين اليومي ضرورة وفاعلية كبيرة، فممارسة العمل والروتين اليومي من شأنه أن يعيد ترتيب تسلسل الأحداث ويساهم في زيادة الحصانة والشعور بالسيطرة. 

الأهل الأعزاء: قد تلاحظون تغيرات في سلوك أبنائكم خلال هذه الفترة الصعبة. المشاعر وردود الفعل طبيعية تجاه ظروف غير طبيعية، لديكم دور حاسم في مساعدة أبنائكم على التكيف مع الأزمات، تقديم الدعم النفسي والاستقرار، توفير بيئة داعمة ومحاولة تقديم الأمان والحب والتوجيه من شأنه أن يقلل التأثير النفسي والعاطفي للصدمات. التعامل مع الأبناء يتطلب مرونة ودعمًا نفسيًا وعاطفيًا كبيرين. 

السيكولوجية الإيجابية والتفكير الإيجابي كأسلوب حياة صحي من شأنه أن يرفع المعنويات ويعزز الشعور بالمقدرة.

إليكم بعض التوجيهات التي يمكن أن تساعد في التعامل مع الأبناء في مثل تلك الحالات:

  • الحفاظ على الروتين والاستقرار: توفير بيئة آمنة ومستقرة، إنشاء جدول زمني مستقر لليوم يوفر للطفل شعورًا بالأمان والاستقرار، الحفاظ على النشاطات اليومية والروتينية قدر الإمكان. لا ننسى تقديم الحضن الدافئ لأفراد الأسرة، والسيكولوجية الايجابية.

  • تشجيع التعبير عن المشاعر والتعبير الابداعي: تشجيعهم على التحدث عن مشاعرهم والتعبير عنها بطرق صحية. تشجيعهم من خلال استخدام الفن والكتابة أو الأنشطة الإبداعية، الرسم الموسيقى والحركة.

  • ممارسة التأمل وتقنيات الاسترخاء: الجلوس في مكان هادئ لبضع دقائق يوميًا والتركيز على التنفس لتهدئة العقل وتقوية تواصلك مع ذاتك- التأمل\ يوجا- تمارين التنفس.

  • النشاط البدني: ممارسة التمارين الرياضية بانتظام للمساعدة في تخفيف التوتر وزيادة مستويات الطاقة. ممارسة الهوايات والأنشطة ومشاركة أفراد الأسرة.

  • المحافظة على التواصل الاجتماعي وتعزيز العلاقات العائلية: بناء علاقات وطيدة بين الأخوة والوالدين يساعد في تعزيز الدعم والأمان. التحدث مع الأصدقاء والبحث عن الدعم الاجتماعي.

  • الاهتمام بالتغذية: تناول وجبات صحية ومتوازنة قد تساعد على دعم صحتك العقلية.

  • تطوير مهارات التأقلم وتعلم تقنيات إدارة الضغط: اكتسب مهارات للتعامل مع المواقف الضاغطة والقلق، مثل تقنيات الاسترخاء التأمل وإعداد خطة للتعامل مع التوتر، التفكير في البحث عن طرق بديلة وحلول مناسبة.

  • تعزيز المرونة: ألا ننظر على الأمور باتجاه واحد، نبحث عن الإمكانيات، والوسطية، عدم المبالغة، والتكيف مع المتغيرات بدون الصراع لتقليل الضغط والاجهاد.

  • التحفيز الإيجابي والتشجيع على القدرات والجهود وتعزيز الثقة بالنفس ورفع المعنويات.

  • التشجيع على الاستقلالية وتمكين الابناء بحسب الجيل والقدرات بالقيام بمهام وبرامج باقتراحهم لرفع الشعور بالمقدرة والسيطرة.

  • تحديد الأهداف والتخطيط: تحديد أهدافًا وخططًا واقعية للمستقبل للمساعدة في تعزيز الشعور بالتوجه والأمان.

  • التواصل مع المعلمين والمدرسة: إذا كان أي تغير ملحوظ على الأبناء فمفضل التواصل مع المدرسة وتقديم المعلومات اللازمة لضمان توفير الدعم للأبناء.

لا تكونوا لوحدكم، إذا كانت الصدمة تؤثر بشكل كبير على السلوك أو الصحة النفسية للأبناء، فلا تترددوا في التوجه للاستشارة المهنية إذا دعت الحاجة. 

يكتب هذا المقال وما زالت الحرب مستمرة (أكتوبر، 2023).


كاتبا المقال: الدكتورة سهراب مصري-  محاضرة أكاديمية في قسم الاستشارة التربوية للقب الثاني ووحدة التخصص في التدريس في كلية سخنين، معالجة زوجية أسرية، وسلوكية معرفية.

والدكتور رائد معلم- رئيس قسم العلوم الطبيعية والبيئة في كلية أورانيم، ورئيس منتدى رؤساء الاقسام العلمية في الكليات التربوية في البلاد في معهد موفيت.

د. سهراب مصري

محاضرة أكاديمية وباحثة في مجال الاستشارة التربوية، معالجة زوجية أسرية ومعالجة سلوكية معرفية

رناد ناشف
شكرا كثير دكتور رائد ودكتوره سهراب على هيك مواضيع قيمه بما اني نربيه بستان جيل6بعثت مقاله للأهل يستفيدوا وانا كل شغلي مع الأطفال على موضوع مشاعر وعصفوره نفس وخاصه بعد الازمه الي بنمر فيها
الجمعة 1 كانون الأول 2023
شاركونا رأيكن.م