وضع النقب وقرى مسلوبة الاعتراف في ظل الحرب

أحداث الحرب الحالية أثرت بشكلٍ كبير على جميع أنحاء البلاد وسكانها، وغيرت مجرى حياتهم. من أكثر المناطق تأثرا بهذه الحرب غير المتوقعة هي منطقة الجنوب الأقرب حدودا مع قطاع غزة، حيث تم توثيق سقوط آلاف الصواريخ على هذه المنطقة منذ اندلاع الحرب. إضافة إلى ذلك فإن أحداث 7 أكتوبر أدت إلى اضطرابات داخلية غير مسبوقة وزيادة في العنصرية والتحريض ضد المواطنين العرب في الداخل، لا سيما البدو منهم مع اعتقالات شاسعة لشباب، صحافين، أكاديميون وغيرهم كنوع من ردع وطمس للآراء ووجهات النظر وسياسية تخويف وترهيب مستمرة. 

على الرغم من الظروف الطارئة القاسية التي تسيطر على المنطقة، إلى أن الكثير من الجهات الرسمية، منها مؤسسات وجمعيات محلية سعت بشكل سريع وضمن حملات مختلفة لتقديم الإغاثة والمساعدات للعائلات المتضررة، مع مشاركة كبيرة من مسؤولين يهود وعرب ومساعدة عدد كبير من بدو النقب وعلى رأسهم مدينة رهط. وقد رأينا محاولة لنشر روح السلام والتضامن بين سكان المنطقة، وإدانة قتل الأبرياء بمختلف هوياتهم وأديانهم. إلا أن البعض الاخر سعى وما زال يسعى إلى نشر العداوة والبغضاء ويتبع سياسة عنصرية من قمع وتهميش لحقوق السكان وزيادة القلق والتوتر في المنطقة.  

إذا تحدثنا عن فترة قبل الحرب فان النقب والسكان البدو عانوا على مدار السنوات الأخيرة من السياسات العنصرية بمصادرة الأراضي، وهدم البيوت وانعدام الحقوق الاساسية الانسانية منها والمدنية.  واتبعت الحكومة سياسة خططت من خلالها تجميع أكبر عدد من السكان البدو على أقل مساحة ممكنة مما أدى إلى اكتظاظ سكاني كبير في المدن البدوية. نشأت على اثره الكثير من النزاعات على الاراضي بين البدو وازدياد حالات العنف والقتل. أما بالنسبة لحالة المعيشة فقد سجلت أعلى نسب من الفقر على مستوى الدولة للمواطنين البدو، وأشارت دارسات إلى تدني مستوى التعليم وازياد نسب البطالة. 

إضافة إلى ذلك فان حوالي  ثلث البدو من سكان النقب ويبلغ عددهم أكثر من 100 ألف نسمة ما زالو يعيشون في قرى غير معترف بها. يؤدي عدم الاعتراف بالقرى إلى انتهاك مستمر لأبسط الحقوق، بما في ذلك الحصول على مسكن ملائم والحق من الاستفادة من البينة التحتية الاساسية كالكهرباء، الماء والخدمات الصحية. وليس هنالك وجود ولا نصيب لهذه القرى وسكانها من اي استراتيجيات وخطط حكومية لدعم المواطنين العرب في النقب. ويتم تجاهلهم وتجاهل حقوقهم كمواطنين في الدولة، بل وزد على ذلك الزيارات المتتالية لتنفيذ قرارات هدم للبيوت لا يوقفها أكبر حجج وأسباب قانونية كانت أو انسانية.   

من خلال هذه النبذة البسيطة نستطيع أن نفهم ونتصور الموضوع الصعب للنقب مسبقا، وللأسف مع نشوء الحرب وتدهور الظروف فان الوضع قد ازداد تدهورا، وتزداد معاناة المجتمع تحت ظروف طارئة مع أقل الإمكانيات لمواجهتها. فالكثير من السكان حتى الذين يعيشون في قرى ومدن بدوية معترف بها لا توجد لديهم ملاجئ ويتعمدون بشكل كامل على ملاجئ المدارس القريبة، اذا كانت لديهم الفرصة والوقت للجوء اليها. الكثير أيضا يقطنون بيوت بسيطة تهتز وترتجف مع هبوط كل صاروخ بالقرب منهم مما يخلق حالة من الهلع والقلق عند العائلات خاصة النساء والأطفال. أما الذين يعيشون في القرى مسلوبة الاعتراف تنعدم وجود الملاجئ فيها بشكل كامل، فهم معتمدون على حماية القدر في وقت الحرب، مع الأخذ بعين الاعتبار إن هذه القرى تقع في مناطق ومساحات تعد مفتوحة لا تتوفر فيها حماية من القبة الحديدة المضادة للصواريخ فتكون أكثر عرضة لها. 

أدت الظروف الطارئة أيضا إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وصعوبة كثير من العائلات التي تسكن في القرى غير المعترف بها للوصول إلى أبسط الخدمات وتوفير احتياجات عائلاتهم. الأجواء المتوترة خلقت نوع من الخوف والقلق لزيارة المدن اليهودية المجاورة لشراء بعض الاحتياجات. الكثير عبروا عن خوفهم من ردود فعل عنصرية والبعض خسر عمله بلا أي مبرر. إحدى الأسباب التي أدت إلى زيادة المعاناة خلال فترة الحرب هي أن القرى غير المعترف بها تعتمد بشكل كامل على الخدمات والامدادات الخارجية ولا تتوفر فيها أي نوع من المساعدة والدعم الداخلي.  والسبب الآخر هو أن سكان القرى يعانون من نسبة فقر عالية قبل الحرب ولا توجد لديهم أي خطط او حلول بديلة ممكن أن يتم تنفيذها والاستعانة بها خلال حالة الطوارئ. 

النساء والأطفال خاصة في القرى غير المعترف بها هم من أكثر شرائح المجتمع البدوي تأثرا بهذه الفترة، حيث يعيشون حالة من القلق والخوف من أجواء الحرب المستمرة. تدهورت الحالة المعيشية للكثير من النساء بسبب خوفهن من الخروج وممارسة اعمالهن. هنالك عدد ليس ببسيط من النساء اللواتي يتحملن مسؤولية البيت بشكل كامل، ويعتبرن المعيل الأساسي للعائلة. تعمل الكثير منهن في مجالات تضررت بشكل كبير بسبب الحرب كمجال الزراعة. فهن غير مستعدات للمخاطرة والخروج للعمل في مناطق حساسة وغير آمنة. الكثير منهن أيضا لم يخرجن للعمل في المدن اليهودية خوفًا من العنصرية وردود فعل بعض المتطرفين. الأولاد فقدوا جميع أنواع الدعم في هذه الفترة فالمدارس مغلقة وليس هنالك أي أطر تعليمية أو ترفيهية للأطفال.  زاد ذلك من التوتر والضغط داخل العائلة  فأغلبهم يعيشون في بيوت مكونة من غرفتين لأكثر من ثمانية أفراد. هذه الظروف، المسؤوليات، عدم الأمان ياثر بشكل كبير على الصحة النفسية للنساء وأولادهن. 

بشكل عام يمكننا أن نشير أن ظروف الحرب الحالية أدت إلى تدهور كبير لوضع النقب وسكانه خاصة في القرى مسلوبة الاعتراف. هذه الظروف الطارئة أدت إلى زيادة الخوف والقلق زيادة العبء والمسؤوليات  وأصبح التأقلم صعب جدا. تأمين الغذاء والاحتياجات الأساسية للبيت والعائلة هو تحدي كبير، والأجواء السائدة من انعدام الامن والأمان تظلم حياة الكثير منهم. بالنسبة للنقب وسكانه، فهم لا يعيشون فقط تحت حرب الصواريخ، بل هي حرب لقمة العيش، حرب الأمن في بيوت غير آمنة، حرب مواجه المسؤوليات والضغوطات، حرب داخلية في كيفية التعامل وكيفية الرد، هي حرب حتى في طريقة التفكير والشعور نحو الاحداث. الحرب الحالية هي حرب وصراع كبير يعيشه ويدفع ثمنه الكثير من البدو في النقب. ومع استمرار الحرب غير المعروفة نهايتها لوقت أطول سوف تزداد المعاناة ويستمر أثرها على مدى طويل حتى ما بعد الحرب.  

خضرة الصانع

مديرة شريكة لجمعية سدرة نسيج النقب وإحدى مؤسساتها. عملت على مدار عشرين عاما في تقديم برامج مختلفة لدعم النساء البدويات وعائلتهن في النقب في المجال الاجتماعي والاقتصادي. خصصت برامج ودعم خاص للنساء في القرى الغير معترف بها. أسست مشروع النسيج الغير ربحي لدعم وتشغيل النساء البدويات والمحافظة على المورث التقليدي البدوي. حائزة على جائزة WOMEN ADD VALUE INTERNATIONAL AWARD    

شاركونا رأيكن.م