الرياضي العربي تحت القصف!

لقد شاهدنا لسنوات طوال، كيف أرسيت القواعد الصارمة لتحييد الرياضة بالمطلق عن التفاعل مع كل حالة سياسية أو حدث حربي عنيف مشحون بالضحايا حتى ولو كان الأمر يستوجب التعاطف الواضح في بعض القضايا العادلة، وخبرنا تلك التصريحات التي تنطلق عند اقحام الرياضة بالسياسة وبالعكس بحجة أن الرياضة والسياسة خطان متوازيان لا يلتقيان. لكن جميعنا يعرف أن تلك القاعدة الصارمة تصبح هشة ومطاطية عندما يكون الحدث متعلقا بقضايا الشرق الأوسط، وبالتحديد في فلسطين، حينها سيلتقي الخطان المتوازيان وفقا لما تريده المؤسسة الصهيونية ومن ورائها النخب الغربية الحاكمة، وهذا ما شهده العالم أجمع، بفجور وصلف، في الحرب الروسية الأوكرانية.

 في مثل تلك المواقف تصبح القاعدة: ما هو حرام على العرب والفلسطينيين والمسلمين حلال للرياضيين والسياسيين الإسرائيليين وداعميهم، وذلك وفقا للتصورات التي تحددها إسرائيل فقط.

لعبة كرة القدم تعد الأكثر ممارسة وشعبية، والأوسع تعبيرا في السياسات الداخلية والخارجية، لكل الدول الضعيفة والقوية على حد سواء. 

لقد أصبح مكشوفا للجميع أنه وفي كل مرة شنت فيها إسرائيل عدوانا على قطاع غزة، وأعرب خلاله بعض الرياضيين من العرب والأجانب عن رأيهم الإنساني الطبيعي في التعاطف مع فلسطين وأهلها، أو مع غزة وأطفالها ونسائها في الحالة الراهنة، تنطلق ماكينتها الاعلامية الجبارة، لنزع الشرعية عن المتعاطفين ووسمهم بدعم الإرهاب، وتندفع لإقناع العالم بحقها في الدفاع عن نفسها، معززة بجوقة منظمة داعمة من أمريكا والدول الحليفة لها، لتثبيت ونشر هذه السردية المتلاعبة، فيما هي نفسها تقمع كل صوت ينطق بقول مغاير لخطها.

في العدوان الحالي على قطاع غزة، وأمام هول المشاهد التي تحرق القلوب من قتل ودمار، يتخللها صور أشلاء لأطفال ونساء وشيوخ، وأصوات استغاثة تعلو من تحت ركام البيوت... شن الاعلام الاسرائيلي هجمة على لاعبي كرة القدم من فلسطينيي الداخل، سواء من يلعب في البلاد أو في الخارج، خاصة بعد أن فشل في تجنيد بعض هؤلاء اللاعبين لترويج روايتهم التي تقتضي التأييد المطلق دون التطرق الى وجع أهل غزة (ولنا فيها أقارب وأهل، وهم خيرة أبناء شعبنا). للأسف فإن بعضا من اللاعبين قد أذعن وخضع للإملاءات وكتب وهاجم وجلد ذاته، وأنا واثق تماما أنه بذلك قد عبر عن موقف مناقض لما يجول في داخله، حيث أعلنها بدافع الترهيب والخوف (ولا أريد أن أقول جبنًا وممالأة)، ومن مثله يعرف ويعلم علم اليقين إن للطفل في غزة أهلًا، وللعائلة جذورًا وأصلًا وفصلًا، وللمرأة أولادًا... وهم بشر أسوة بشعوب العالم الأخرى.

إزاء هذا الموقف، فقد كتبت زوجة اللاعب ضياء سبع (لاعب مكابي حيفا) على صفحتها في مواقع التواصل الاجتماعي: "لا فرق بين الطفل في غزة والطفل في تل أبيب أو حيفا، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، وطالبوها بالاعتذار وهاجموا زوجها وطالبوه بالاستنكار. هم بهذا السلوك يجسدون ويؤكدون أن الطفل الفلسطيني ليس من مخلوقات الله، وعليه لا حق له في الحياة، وهي رسالة موجهة لنا مفادها أنه علينا أن نقبل إما حياة المذلة والخنوع والاستسلام، وإلا نصبح "مخربين أو متضامنين مع الإرهاب". 

تعليق قناة sport 5 الإسرائيلية على منشور زوجة اللاعب ضياء سبع

في غزة هُدمت البيوت والمساجد والمدارس والجامعات والشوارع، في غزة اليوم لا بيوت، ولا مدارس، ولا بنى تحتية، ولا مشافي ومؤسسات ولا حياة، صمتت الألسن وتعطلت لغة الكلام، وبات لاعب كرة القدم ملاحقًا ومطاردًا ويمنع منه الحديث، وإذا عبر عن تعاطفه مع أهله وأبناء شعبه "وجب طرده وسحب هويته".

عطاء جابر ابن بلدة مجد الكروم يلعب في صفوف المنتخب الفلسطيني منذ أكثر من سنة، وتحديدًا منذ ان احترف المجال في صفوف نادي نيفيتشي باكو الاذربيجاني. قبل عدة أسابيع لعب مع المنتخب الفلسطيني ضد المنتخب اللبناني في تصفيات كأس العالم، حيث وقف مع بقية زملائه دقيقة حداد على أرواح شهداء غزة وأظهر حماسا خلال غناء النشيد الوطني الفلسطيني، فتعالت الأصوات المطالبة بصلبه، فهل توقع أحد في العالم من عطاء ألا يعبر عن مشاعره تجاه شعبه وقضيته؟! علينا أن نتذكر عطاء، وأي لاعب يلعب في صفوف المنتخب فهو بهذا الموقف يمثل الشعب والدولة ولا يمثل فصيلا بعينه، ولهذا فالهجوم على عطاء مثير للسخرية، فهل يحق لي اتهام لاعبي منتخب اسرائيل بتمثيل الليكود لأنه الحزب الحاكم اليوم؟

منتخب فلسطين في التصفيات المشتركة المؤهلة لكأس آسيا وكأس العالم - تشرين ثاني / نوفمبر 2023

ووفقا لهذا النهج، وهذا التفكير الاستعلائي بات كل لاعب – أو رياضي في العالم، إرهابيا، حتى لو طالب بوقف الحرب، وعليه أن يخرس ولا يتنفس "كرمال" أمن الدولة. 

وأتساءل كما الكثيرين: هل تُصلح الرياضة ما تفسده السياسة؟ لست أدري! وهل يقترح مسؤولو الفيفا حلًا للقضية الفلسطينية؟ 

بعض المآسي لا يمكن التغاضي عنها والانصراف إلى شؤون اخرى وكأن شيئا لم يحدث، وهنا أتذكر الحملة التي شنها الإعلام الغربي ضد لاعبي المنتخب التركي قبل سنوات، وقتها كان يحتفل اللاعبون بالفوز بأداء التحية العسكرية، فاتهموا بتبني الفكر المتطرف الذي يدعو إلى قتل الآخرين، فما بالكم اليوم تريدون إخراس كل رياضيي العالم بمن فيهم اللاعبون العرب، بحيث يجد نفسه مطالبا إما للترويج للرواية الاسرائيلية وإما الطرد والحرمان والسجن؟! 

هذه المسرحية السوداء تجري فصولها وكأن شعبنا الفلسطيني غير قائم وغير موجود! والله انفجرت قلوبنا من شدة صمتنا، فهل من متكلم؟ 


استخدام الصور بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected]

سعيد حسنين

إعلامي ومختص في الشأن الرياضي

شاركونا رأيكن.م