رَحيل الفنّان الإِنسان سَهل الدبسان: صَوت الصّدق في مَسرَح المِهباش

في الثاني مِن شهر حزيران، خيّم الحُزن على الساحة الثقافية في النّقب بعد الإعلان عن رحيل الفنّان الإنسان سَهل الدبسان، أحد الأصوات المسرحيّة الأصيلة في الجنوب، ورَمز مِن رموز مَسرح المِهباش في مدينة رَهَط. رحيلُه لا يَعني فقط غياب جَسَد، بل غياب وُجدان فنّي وإنساني قلّ نظيره.
من الصّحراء إلى الخَشَبة
وُلِد سهل في قَلب الصّحراء، ونشأ في بيئة بدوية مفعَمة بالحكايات والتّراث. لم يكن الفنّ بالنسبة له خيارًا ترفيهيًا، بل كان وسيلته لقول ما لا يُقال، ومنبرًا لإيصال صوت مَن لا صوت لهم. حَمَل على كتفيه هموم مجتَمَعِه، ومشى بها إلى خَشبات المَسارح، حيث كانت كلّ كلمة يقولها محمّلة بالصدق، وكلّ حركة مسرحية نابضة بالواقع.
مَسرَح المِهباش: البيت الفنّي
ساهَم الدبسان في تأسيس وبِناء مشروع مَسرَح المِهباش، الذي تحوّل بفضل جهوده وجهود شركائه إلى منبر ثقافي نابض وسط بيئة تُعاني مِن نقص الموارد والدّعم. لم يكن المِهباش مجرّد مَسرح، بل فضاء ثقافي جامع لكلّ أبناء النّقب، بمختلف أعمارهم وخلفيّاتهم.
ناقَش الدبسان مِن خلال أعماله المسرحية قضايا الهويّة، والتّهميش، والعنف، والتعليم، والكرامة، بِلُغة تمزج بين الفصحى والعاميّة، بين الضحكة والدمعة، بين الرمزية والبساطة. ومن خلال هذه اللغة، وَصَل إلى قلوب الناس.
شَهادات مِن مُحبّيه وزملائه
مِن أجل أن نَحفظ ذاكرة هذا الفنان العظيم، استمعنا إلى عدد مِن الشّهادات مِن أصدقائه وشركائه:
محمد عيد، مُخرج مسرحيّ وزميل مقرّب:
"كان سَهل مدرسة في التّمثيل الطبيعي الصّادق. لم يكن يفتعل شيئًا. صِدْقه على المسرح هو ما جعل الناس تُصدّقه حتى خارج الخشبة."
سهى ربيع، فنانة شاركته عروضًا عديدة:
"سَهل آمَنَ بي وأنا في بِداياتي. كان يَهمس لي قبل كلّ عَرض: ما تخافي... احكي مِن قلبك. وكُنت أَفعَل، لأَنّ صَوته وحده كان يَبعث الطمأنينة."
عبد الله أبو علان، فنّان شاب:
"مِن دون سَهل، ربّما لَم أَكن أكتشف موهِبتَي. أَعطاني ثقة ما كُنت أحصل عليها في أيّ مكان آخر. رحيلُه لَيس فقط فُقدان صديق، بل غياب مُرشِد وصاحب رسالة."
مَدرسة في الفنّ والإنسانيّة
لم يكن سَهل فنانًا منعزلًا عن الناس، بل كان ملتزمًا تمامًا بقضاياهم، قريبًا مِن نَبضهم. شارَكَ في ورشات للأطفال، وبرامج تدريب للمسرحيين الشباب، وحوّل المَسرح إلى مساحة للتّعليم والتّغيير الاجتماعي.
عُرف بصفاته الإنسانية الرفيعة: التّواضع، وحسن الاستماع، واحترام الجميع. لم يكن يبحث عن الأضواء، بل عَن الحقيقة – على الخَشَبة وفي الحياة.
الإِرث الثّقافي المُستَمر
رَغم رحيلِه، فإن إِرث سَهل الدبسان باقٍ. في كلّ عرض جديد يُقدَّم على خشبة المِهباش، وفي كلّ شاب يتدرّب على دور صغير ويَشعُر أنّ صوته مهمّ، هناك شيء مِن سَهل.
سيُذكر اسمه كُلّما تحدّثنا عَن المَسرح العربي في الجنوب، وكُلّما سُئلنا عن صدق التّمثيل، وعن الإنسان الذي لَم يكُن بحاجة إلى أَقنِعَة.
كلمة الختام
رَحَل سَهل الدبسان، لكن لم تنتهِ رسالته. ستظلّ صوره محفورة في أذهاننا، وصوته يتردّد في أروقة المَسرح، ونصوصه تُروى على ألسنة الجيل الجديد.
المسرحيّة مستمرة، لأنّ الحقيقة لا تموت.
وسَهل... كان دائمًا صوت الحَقيقة.
