نتنياهو زَرَعَ الرّيحَ وَحَصَدَ العاصِفَة
مؤرخ إسرائيلي في كتاب "الطريق لـلسابع من أكتوبر":
نتنياهو زَرَعَ الرّيحَ وَحَصَدَ العاصِفَة
يؤكد مؤرخ إسرائيلي بارز أن جيش الاحتلال فَشل في مهمته المتمثّلة بالدفاع عن إسرائيل، غير أن رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو نَجح -في نهجِه المشوّه- في استبعاد فُرص تسوية الصراع، بل في تَكريسه وتأجيجه من خلال زرع الدّمار في غزة عمدًا، معتبرًا [المؤرّخ] هذا أحدَ دوافع القصف الجوّي العشوائي المتوحِش على غزة قُبَيل اجتياحها البري. في كِتابه "الطريق لـلسابع من أكتوبر" الصادر في الشهر المُنصرم، يوضح المؤرخ الإسرائيلي آدم راز أن نتنياهو زَرَعَ الرّيح وَحَصَد العاصفة على شكل "طوفان الأقصى" نتيجة استراتيّجية إضعاف السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس مُقابل صَرف النّظر عن حركة حماس، وذلك بهدف تَكريس الانقسام الجيوسياسي بين القطاع والضفة، وبالتالي استبعاد احتماليّة تسوية الدولتين. يؤكد راز -الذي كَشف عن تَفاصيل جديدةً حول مذبحة كفر قاسم في كتابه السابق- على مقولة إن نتنياهو كان معنيًّا بِحُكم حماس داخل القطاع، وليس فقط من خلال السماح بإيصال "حقائب دولارات". ويضيف: "منذ اعتلى نتنياهو الحكم عام 1996 سعى لـتعزيز قوة الجهات الفلسطينية الراديكالية وإضعاف السلطة الفلسطينية". وهُنا يتوقّف راز عند تراجع نتنياهو عن طلب إسرائيل بقيادة إِسحاق رابين من الولايات المتحدة تسليمها موسى أبو مرزوق، وذلك "على الرغم مِن، بل بسبب، قيادته معسكرًا متزمتًا داخل "حماس" يَعتقد بالكفاح المسّلح ويرفُض التسوية والهدنة". وطبقًا للمؤرخ الإسرائيلي راز، فإن نتنياهو يتصدّى منذ 15 عامًا لكلّ محاولة عسكرية أو سياسية من شأنها أن تدفع نحو نهاية حكم حماس داخل القطاع. ويمضي المؤرخ الإسرائيلي في مَزاعِمه ضِمن الكتاب الجديد: "تَجاهل نتنياهو تهريب السلاح للقطاع، جمّد بناءِ جدارِ الفصل في محيط القطاع عام 2009 وامتنع عن اجتياح برّي له خلال حرب "الجرف الصامد" عام 2014 كَي لا يهدّد حكم حماس. كما يرى راز أن نتنياهو عارض تصالح حركتي فتح وحماس وكذلك حكومةَ وحدة وطنية فلسطينية، علاوةً على حقائبِ الدولارات التي أنقَذت غزة تحتَ حكم حماس من انهيار اقتصادي – وفق ما يؤكّده رئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت. ويضيف في هذا المضمار: "كـَعَدو للسلام فإن تشدّد حماس لم يردع نتنياهو، بالعكس- فقد سمح لنفسه بـمخاطرةٍ محسوبة، كما كَتب له السنوار في قصاصة الورق الشهيرة ضمن واحدة من محاولات التسوية عام 2018".
إضْعافُ السُلطة الفلسطينيّة
ويقول المؤرخ الإسرائيلي إن نتنياهو لم يكن في المقابل مستعدًا للقيام بأي مخاطرة مع السلطة الفلسطينية، رغم أنها أهملت طريق الكفاح المسلّح، كي "لا ينجح بالخطأ أي سلام". ويضيف في هذا المضمار: "في الواقع فإن اعتدال السلطة الفلسطينية حوّلها لـضحيةٍ مَثَّل ونِكَّل بها نتنياهو". ويقتبس راز الأمين العام لـ "المبادرة الوطنية الفلسطينية" مصطفى البرغوثي الذي لعب دورًا مهمًا في مساعي المصالحة بين فتح وحماس: "كل مرّة تحرّك فيها الفلسطينيون نحو وِحدة، بادرَ نتنياهو لحملةٍ جديدة اتهم فيها الرئيس عباس بدعم الإرهاب، وعندما كان يُسأل: لماذا لا تفاوض الرئيس عباس؟ كان يقول إنه لا يمثّل كلّ الفلسطينيين، وهكذا كان يستغل الانقسام الداخلي من أجل تبرير معارضته المُطلقة لكل مفاوضات سلام".
اللاشريكُ الإسرائيلي
ويستذكرُ راز تصريحات الرئيس عباس عام 2012 حول اختيار طريق السلام والدبلوماسية، وقوله إنه لن يعود لبلدته صفد داخل أراضي 48 إلا كـسائح، وأن فلسطين بالنسبة له هي الضفة وغزة فقط، منوّها أن إسرائيل برئاسة نتنياهو تعاملت باستخفاف مع هذه التصريحات وكأنها شَجرة سَقَطت داخل غابة. ويتابع راز: "نقرأ ما قيل اليوم ونَبكي على مستقبلٍ سَرَقه نتنياهو من اليهود والعرب. بالنسبة لـنتنياهو، المعتدلُ هو العدو الحقيقي لِكُل من يرفض التسوية. إن اعتدال أبو مازن حوّله لـعدو إسرائيل الأخطر، "إسرائيل نتنياهو" الرافضة للسلام. ويستذكر الكاتب الإسرائيلي راز كلّ عمليات اغتيال محاوَلات استئناف مفاوضات السلام منذ العام 2009، بدءًا من الإعلان عن مشاريع بناء استيطاني في الضفة والقدس المحتلّتين وحتى المطلب الفارغ من الفلسطينيين الاعتراف بـإسرائيل كـ "دولة يهودية". ويضيف راز في هذا المضمار: "عندما يَئِس أبو مازن من رفضويّة نتنياهو لَجَأ للقناة الدبلوماسية أحادية الجانب، فسارع نتنياهو للرد بالقول: "هذا إرهاب دبلوماسي". بكلمات أخرى، المشكلة ليست عدم وجود شَريك فلسطيني، بالعكس تمامًا. فقد قمعَ نتنياهو كلّ محاولة تسويةٍ للصراع، وكلّ محاولة دبلوماسية، وحاربَ الاعتدال في الجانب الفلسطيني، حفّز الخوف والكراهية العمياء والعَداوة بين الشعبين عمدًا، بل عمل على تشويه المجتمع الفلسطيني من أجل إبقاء دائرة الدم والعنف وجَعْل الصراع غير قابل للحلّ. عندما يقول نتنياهو "لا يوجدُ شريك فلسطيني" فإنه يقصد القول إنه: "لَن يَسمَح بأن يكون هناك شريك فلسطيني". أعي أن أوساطًا إسرائيلية لن تقبل هذه المَزاعم، بيد أن السؤال هو ليس: هل يوجد شريك أم لا؟ بل: هل تَعمل إسرائيل على تشجيع قيام شريك فلسطيني؟ وهل هي فعلًا راغبة بالسلام ووقف سيطرتها على الفلسطينيين وتقاسُم البلاد معهم؟ إذا تعذّر صُنع السلام، ينبغي السعي لبناء إمكانية للسلام، وهكذا يتصرف قائد مسؤول". ويؤكد راز أن نتنياهو فَعَلَ مع المجتمع الإسرائيلي ما فَعله مع المجتمع الفلسطيني: شَجّع الراديكالية وسط احتقار المعتدلين وطلّاب التسوية وتحويلهم لغير شرعيين سياسيًا، بما يَشمل شَرْعنة الكاهانية، وتطبيع العنف السياسي". ويضيف: "من هذه الناحية نجح نتنياهو بتوجهاته المشوّهة، وتبيّن أن استثماراته قد أثمَرت: تعمّق الصراع بين الشعبين والسلام ابتعد". ومثل هذا الاتهام الإسرائيلي لنتنياهو بدعم حماس وإضعاف عباس والسلطة الفلسطينية ليس جديدًا، لكنّ المؤرخ راز يحاول في هذا الكتاب إثباته من خلال استعراض "الطريق إلى السابع من أكتوبر".
وَشَهِد شاهِدٌ
ويَستعرض الكتاب شَهادات على كلّ ذلك لـمسؤولين إسرائيليين في المستَويين السياسي والعسكري يَعرفون نتنياهو جيدًا، مِنهم الجنرال في الاحتياط غادي شيمني، والرئيس السابق لـ "الشاباك" يوفال ديسكين، وقائد الجيش والوزير سابقًا النائب غادي أيزنكوت، ورئيس الشاباك السابق نداف أرغمان. وعن ذلك يوضح: "ولكن حتّى مِن الناحية العسكرية سعى نتنياهو لإبقاء تهديد حماس على حاله. وهكذا فإنه حتى ضبط النفس الذي أبداه نتنياهو ودفع اليسار لامتداحه عليه طيلة سنوات لم يكُن سوى وسيلة لتأمين الصراع وتكريسه مَن خلال المُحافظة على حماس في القطاع. هذا ضَبْطُ نفس في خدمة التَطرّف. لا للحرب مِن أجل مَنع السَلام". بَيْد أن راز يطرح تحليلًا خاصًا به فيربط فيه بين سياسات نتنياهو حيال الصراع (ومنه اشتق تعامُله مع حماس والسلطة الفلسطينية) وَسياساته حِيال إيران، فيقول: إن تَكريس الصراع مع الفلسطينيين يَقتضي بشكل دائم وجود إيرانَ نووية. يُشار هنا إلى أن رئيس حكومة الاحتلال الراحل إسحاق رابين قد قال مُنبّهًا في هذا المضمار قَبل عقود إن هناك "نافذةَ فرص" أمام إسرائيل لتوقيع اتفاقات سلامٍ مع جاراتها قَبل تَحوّل الشرق الأوسط لمنطقة نووية. وهُنا يقول راز الذي يَميل لاعتماد نظرية المؤامرة وربما يُغالي في ذلك، إن نتنياهو الرافضِ للسلام مع الفلسطينيين يقوم بإغلاق هذه "النافذة" التاريخية من خلال تَشجيع البُعد النووي في الصراع الإقليمي حتى وإن تحدّث ضد إيران كثيرًا وعلانية، أما على الأرض فإن إيران اقترَبت للنووي في فترة حكم نتنياهو بالذات. منوهًا إلى أن نتنياهو فَعَل ذلك من خلال تبديد الضبابيّة حول نووي إسرائيل، وأبعد إسرائيل مِن صياغة اتفاق نووي مع إيران بزيارته الكونغرس عام 2015، ودَفَع أمريكا بقيادة ترامب للتراجع عن الاتفاق عام 2018، مما حثّ إيران على مواصلة تطوير برنامجها. في هذا المضمار، يَرى راز أنّ هناك تلاقي مصالح بين نتنياهو وإيران كما مع حماس، وذلك من أجلِ جَعل الصراع أبديًا. ويتهم راز نتنياهو بأن سياساته تمكّن إيران النووية مِن إبطال قدرة إسرائيل على الحسم التقليدي مع أعدائها، وهي قُدرة امتلكتها منذ قامت وتنبُع مِن تفوّقها العسكري، وهي قُدرة حسمٍ تضع بيدها الرافعة الأساسية لفرض تسويات سياسية تُعزّز أمنها.
شَهْوة الانتِقام
بَعدما توقّف عند دَور نتنياهو في تعزيز قوة حماس، وَدْفع إيران لحافة النووي، يتوّقف راز في القسم الثاني مِن الكتاب عند "الضِلع الثالث" في المثلث الذي يتيح تكريس الصراع: طريقةُ إسرائيل في القتال التي تُمليها شَهوة الانتقام، وغير القادرة عن الحسم العسكري. ويُتابع: "في حالة الحَسم، سيضطر نتنياهو للاعتراف بـالسلطة الفلسطينية وتمكينها مِن السيطرة على قطاع غزة. لا يُمكن الانتصار دون تعريف اليوم التالي، فالحربُ لا تنتهي دون هدفٍ سياسي وإلّا ستصبحُ حربًا أبديّة حتى يرفعَ أحدُ الطرفين يَدَه. السنوار اصطادَ نتنياهو مجددًا في مُعضلة: في حال حَسمَ ضد حماس فهو يَهدم بيديه مشروعَ حياته، فالقضاء على حماس يعني استبدالها، مما يعني نقل غزة للسلطة الفلسطينية. كيف يُمعن في ضرب السلام بلا حماس؟ كيف يسعى بيَدية تحت أقدام السلطة الفلسطينية كونها شريكة دون الانقسام بينها وبين حماس؟ الحلّ الوحيد هو الإبقاء على الصراع مفتوحًا وجعل الحرب في غزة للأبد".