مُستقبَل التمثيل العربيّ في الكنيست- مراجَعة مُستجِدّة

 قَبل قيام إسرائيل، كان هناك قرار بعدم تطبيق قرار 181 (قرار التقسيم) بشأن حقّ المواطنين العرب في المساواة. ورغم أن "وثيقة الاستقلال" تضمّنت فقرة تَعِد بالمساواة الكاملة لجميع المواطنين، فإن محكمة العدل العليا أصدرت قرارًا في تشرين الثاني/ نوفمبر 1948 ينصّ على أنّ وثيقة الاستقلال لها "قيمة إعلانيّة وليست تشغيليّة".

ومع ذلك، بدأ العرب بالتصويت منذ الكنيست الأولى، لكن رئيس الوزراء بن غوريون خطّط في كانون الأول/ ديسمبر 1948 لتقليص قوّتهم الانتخابيّة والسيطرة عليها. أطلق على المواطنين العرب تسمية "الطابور الخامس"، ممّا شَكّل نظرة التمييز تجاهَهم منذ ذلك الحين وحتّى اليوم. كذلك، جاء قانون الجنسية لعام 1952 ليميّز بين المواطنين اليهود وغير اليهود، وأعطى قانون القومية لعام 2018 لهذا التمييز بُعدًا دستوريًّا تمييزيًّا، إذ نصّ على أنّ حقوق العرب لا تُمنح تلقائيًا لمجرد كونهم مواطنين، وإنّما تُعطى من قبل الأغلبية، الّتي يمكن أن تَسحبها، أو جزءًا منها، كما رأينا في مجالات مختلفة مثل قانون الزواج، وقضايا تتعلّق بالأراضي وغيرها.

حتّى عام 1992، كان تأثير المواطنين العرب على السياسة ضعيفًا جدًّا وكانوا على هامشها. كانت حكومة رابين الأولى هي الّتي منَحتهم مكانة ثانويّة بصفتهم "كتلة مانعة". منذ ذلك الحين، ازدادت قوّتهم الانتخابيّة، وتراجعت نسبة تصويتهم للأحزاب الصهيونيّة الّتي منَحتهم تمثيلًا شكليًّا فقط (من حوالى 50% إلى 17-18% فقط). أصبح الصوت العربيّ موجّهًا للأحزاب العربيّة.

تصاعدت قوّة الأحزاب العربيّة من خمسة مقاعد في الكنيست الثالث عشر إلى 15 مقعدًا في الكنيست الثالث والعشرين، ممّا أثار قلق اليمين، الّذي كان يسعى بكلّ طاقته إلى تقليص قوّتهم وحضورهم في الكنيست.

مع اقتراب الكنيست الحادي عشر، سمحت محكمة العدل العليا لحزب "كاخ" المتطرّف بالمشاركة في الانتخابات، لذلك لم يكن ممكنًا استبعاد قائمة "التقدّمية"، الّتي كانت امتدادًا للقائمة الاشتراكيّة الّتي تمّ استبعادها في الستينيّات (قضية ياردور). وعليه، وعندما تمّ تعديل القانون لمنع الأحزاب العنصرية من المشاركة في الانتخابات عام 1985، قرّر نوّاب من اليمين أنّه إذا تمّ تقييد الأحزاب اليهوديّة، فليتمّ أيضًا تقييد الأحزاب العربيّة (مقابلة مع ألوني؛ روبنشتاين في محادثة مع الكاتب). وهكذا وُلدت "حلقة الخناق الانتخابيّ"، الفقرة 7(أ) من قانون أساس: الكنيست (التعديل 9).

تعدّ هذه الحلقة بمثابة "خنق"، حيث تتضمن فقرة "دعم الإرهاب"، الّتي يمكن تضييقها بشكل أكبر في كلّ مرّة للحدّ من قدرة التمثيل العربيّ. تمّ تعديل هذه الفقرة مرّة أخرى في عام 2001 (التعديل 35) بحيث يمكن استبعاد مرشّح فرديّ من القائمة. كان الهدف من القانون تقليص التمثيل العربيّ بشكل جوهري باستخدام مفهوم "الإرهاب".

بعد بضع سنوات، تمّ تعديل الفقرة مرّة أخرى لتشمل استبعاد المرشّح الّذي زار "دولة عدو" (تعديل "سعيد نفاع"). تمّ تمرير هذا التعديل بأغلبية 52 نائبًا وليس 61 نائبًا كما هو مطلوب، ممّا يثير الشكوك حول دستوريتها.

في عام 2017، اقترحت حركة "إسرائيل بيتنا" تعديلًا آخر للقانون (التعديل 46) ينصّ على أن دعم الإرهاب ليس فقط بالأفعال، أي بـ "أكتوس رياس"، بل أيضًا بالتصريحات. وهكذا ضاقت الحلقة أكثر على رقبة التمثيل العربيّ في الكنيست.

في الوقت الحالي، تمّ تقديم اقتراح قانون ينصّ على أنّ الدعم ولو مرّةً واحدة أو إظهار التعاطف وليس بشكل متكرّر، يشكّل سببًا لاستبعاد القائمة أو الحزب من ضمن الأحزاب المتحالفة. على سبيل المثال، يمكن استبعاد قائمة "التجمع" كقائمة داخل قائمة مشتركة إن وجدت.

بطبيعة الحال، لم تُمنح صلاحية استبعاد القائمة أو عضو الكنيست إلى لجنة الانتخابات المركزيّة باعتبارها هيئة سياسيّة، بلّ إلى المحكمة العليا الّتي تكون الكلمة الأخيرة بيدها. وبهذا تمّ تجنّب استبعاد حنين زعبي في الماضي، وكذلك استبعاد مرشّحين كانوا جزءًا من حركة "كاخ" الّتي تمّ استبعادها سابقًا. أمّا الآن، فينصّ الاقتراح - إذا ما تمّ اعتماده - على نزع صلاحية الاستبعاد من المحكمة العليا ومنحها فقط للجنة الانتخابات المركزيّة. بمعنى مجازي، سيصبح "القطّ هو المسؤول عن حماية الكريما"، أو سيتمكّن اليمين الفاشي من تحديد معايير تمثيل الأقلية العربيّة. هذا يشكّل خطرًا حقيقيًّا على التمثيل العربيّ وبقايا الديمقراطية. في توضيحاته، يقول عضو الكنيست كاتس  "فسّر قضاة المحكمة العليا القانون بشكل ضيّق، ممّا أتاح لمن يمتدحون ويشيدون بالإرهابيين والجواسيس الّذين عملوا ضد دولة إسرائيل، الجلوس في الكنيست رغم دعمهم". هذا التصريح يحمل تشويهًا للنوّاب العرب الحاليين وتشويهًا لسمعتهم. لذلك، يضيف كاتس: "أي أنّ لجنة الانتخابات المركزيّة لا يمكنها اتّخاذ قرار مستقل" ولهذا يقترح نزع الصلاحية من المحكمة العليا ومنحها للجنة الانتخابات المركزية. ثمّ يوضّح أنّه يُمكن اللجوء إلى المحكمة العليا بعد أن تصدر اللجنة قرارها؛ بمعنى أنّ المحكمة العليا لم تعد تقرّر كما في السابق، بل يمكن فقط إلغاء قرار اللجنة، ممّا يؤدّي إلى مواجهة بين المحكمة العليا وسيادة الكنيست، وقد يتمّ ادّعاء ذلك لاحقًا بأنّه يمثّل مساسًا بمبدأ فصل السلطات، رغم أنّه ينتهك الحقوق الأساسيّة المنصوص عليها في الفقرة 4 من قانون أساس: الكنيست.

إذا عُدنا إلى تحليل شامل، فمن الواضح أنّ الأغلبيّة غير المقيّدة بدستور فعّال يمكن أن تتحوّل بسهولة إلى طغيان الأغلبية؛ أي حكم مستبد يَسحق حقوق الأقلّية، خاصّة إذا كانت هذه الأقلّية تُعتبر "الطابور الخامس"، خصوصًا في ظلّ التوتّرات الإثنية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وخاصّة بين اليهود والمسلمين، الّتي بلغت ذروتها في انتفاضة الأقصى في عام 2000، وأحداث أيار 2021 (موضوع مسجد الأقصى)، وحاليًا مرّة أخرى، حول المسجد الأقصى وحرب "طوفان الأقصى". هذه التوتّرات الّتي نتج عنها انخراط بعض المواطنين العرب في أعمال إرهابيّة أدّت إلى مقتل جنود وضبّاط شرطة، تغذّي هذه الدوافع الّتي كانت موجودة أصلًا نتيجة تسارع عمليّات الفاشية والتطرّف الديني الّذي يحيط بالسياسة الإسرائيليّة منذ التسعينيات من القرن الماضي.

التحدّيات المستقبليّة للمواطنين العرب

ما الّذي يعنيه ذلك بالنسبة للمواطنين العرب؟

 أوّلًا: يجب الإقرار بأنّ أنماط التصويت العربيّة قد تتأثّر، وقد تنخفض مستويات المشاركة السياسيّة. ومع ذلك، فإنّ أنماط مشاركة العرب كانت ضعيفة في السنوات الأخيرة، حيث تراوح معدّل المشاركة بين 44% و56% (وصل مرّة واحدة إلى 61% في الانتخابات للكنيست الثالث والعشرين). في الانتخابات الأخيرة، اختار حوالى نصف المواطنين العرب عدم التأثير على النظام السياسيّ، وأعطى تقريبًا رُبع الّذين خرجوا للتصويت أصواتهم، فعليًّا، لليمين وعزّزوه. وهكذا تمكّن نتنياهو من تشكيل ائتلاف من 64 مقعدًا (بفضل سقوط "التجمع"). من المحتمل أن يتكرّر هذا النمط في المستقبل.

ثانيًا: قد يؤدّي تقييد الحقّ في التمثيل إلى إعادة العرب إلى أنماطِ تمثيلٍ شكليّة لا معنى لها، كما كان الحال حتّى التسعينيّات،؛ أيّ تمثيل خامل داخل الأحزاب الصهيونيّة. هذه الاتّجاهات قد تصبح حتمية في مناخ من البراغماتية وتآكل الأيديولوجيا داخل الأحزاب العربيّة، وهو اتّجاه نشهد تصاعده في الانتخابات الأخيرة.

ثالثًا: قد يؤدّي ذلك أيضًا إلى زيادة كبيرة في مشاعر الاغتراب تجاه الدولة، ممّا سيعمّق الشقاق اليهوديّ-العربيّ، ويزيد من التوتّرات بين الأقلّية العربيّة المهمَّشة والدولة، ممّا يعزّز من التطرّف القومي على الجانبين، وهو وضع بعيد عن كونه مفيدًا لأيّ من الطرفين (وضع خسارة-خسارة وفقًا لنظرية الألعاب).

خلاصة

سيحاول اليمين دفع تشريعات مماثلة، ليس بالضرورة كما قُدّمت، لضمان استمرار سيطرته. من غير المرجّح ألا يكون هناك سبيل لمنع ذلك أمام العرب الّذين تأخّروا في تدارك الوضع، بل إنّ بعضهم أسهموا فيه، حيث تضرّرت مصداقيّة النظام الحزبي العربيّ بشكل كبير.

الطريقة الوحيدة للخروج من هذه الأزمة العميقة والخطيرة تكمن في إسقاط هذه الحكومة ودعم الأحزاب الوسطيّة واليمينيّة المعتدلة (ميرتس والعمل، والديمقراطيون غير اليساريين، ولكنهم شركاء مهمّون) من باب تفضيل السيء على الأسوأ.

تنتظرنا أيّام صعبة وتحدّيات خطيرة في الطريق.

د. سليم بريك

محاضر وباحث في العلوم السياسية

رأيك يهمنا