يا هديل، لم تنته الحرب، ولم أستطع حتى الآن مساعدتك في الإجابة عن أسئلة ايلين عن الموت، ولم أستطع أن أخبر سيلين أن السفر إلى حضنها ليس بهذه السهولة. يا هديل، لا أصدق حتى الآن أنهم قتلوكِ بوحشية، وأن جسدك التصق بأجساد بناتك وأولادك، كيف كانت الأنقاض فوق جسدك؟ ما كان أخر ما سمعتيه؟ كيف هو الموت؟ هل يمكن لأحد أن يستوعب رحيلك؟ هل تشعرين بالسعادة هناك؟ هل هو دافئ ذلك المكان؟ كيف يشعر محمود؟ هل يريد الذهاب إلى البحر هو الأخر؟ هل عندكم بحر؟
يا هديل، مضت أيام طويلة دون وجودك، لا سكاكر في رسائلنا بعد الآن، ولا قناصة في أحلامي تلك التي كنت تفسرينها على أنها قصائد لا يسمعها أحد، لا قناصة في أحلامي يا هديل يا حبيبتي، هو موت ورحيل. هل عندكم بحر يا حبيبتي؟

لم تنته الحرب، ولكني ما زلت أخطط لرحلتك الأولى في حياتك خارج غزة، سوف أشتري كل شيء، ستخرجين من معبر رفح، ستذهبين إلى مطار القاهرة، سوف أرشدك عبر الهاتف كيف تقطعين التذكرة، وسوف تركبين الطائرة، لا تلك التي قتلتك، إنها طائرة مدنية، وسوف تذهبين إلى كوبنهاغن، المدينة التي حلمتي يومًا بالذهاب إليها. سوف تنتهي الحرب يا حبيبتي يا هديل، وسأذهب إلى كوبنهاغن، سأقرأ في كل الشوارع الرواية التي أعطيتني إياها "تحت سماء كوبنهاغن" ولكني سأكون وحدي، دونك. هكذا فعلت الحرب بي يا حبيبتي، تركتني وحيدًا في شوارع كوبنهاغن دون أن أرسل لك صورًا عن بداعتها، ودون أن أخذ إيلين إلى محلات الألعاب التي وعدتها، ودون أن أقف إلى جوارك ساخرًا من قصر قامتك، ولن تشتري لي عقدًا فضيًا كما أردت، ولن يكون باستطاعتنا أن نركض تحت المطر مع بناتك وأولادك الصغار. قتلوك يا حبيبتي وقتلوا قلبي. سيذهب جسدي إلى كوبنهاغن وأعدك أن أجد قلبي هناك، وقلبك.

هديل ناصر أبو الروس. قتلتها اسرائيل بوحشية وأطفالها في حضنها.  


بقلم: الكاتب والباحث كريم أبو الروس (شقيق هديل).

الصورة: لهديل في شاطئ بحر غزة.

كريم أبو الروس

كاتب وباحث فلسطيني، عمل كمساعد باحث في قسم العلوم السياسية بجامعة القديس يوسف في بيروت وحاصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية من نفس الجامعة. نشرت له رواية بعنوان "غريق لا يحاول النجاة" عام 2018، ونشرت له العديد من الأبحاث والدراسات في دوريات عربية ودولية

شاركونا رأيكن.م