حَربُ الإبادة وما وَراءَها: أسبابٌ شَخصيّة؟ هذا تَبسيطٌ بِبَساطة!
في ظل استمرار حرب الإبادة التي تشنّها دولة الاحتلال، وما يُواكبها من أوضاع كارثية وقتل يومي وخراب يتجاوز قدرة الناس على الاحتمال، وفي ظل عدم إيجاد حلول وَلَو مؤقتة، يقول عدد كبير من الفلسطينيين خاصة، إنه لا توجد حتى الآن رؤية أو وقت معلوم حول وقفها، فهي قد تطول وتتعدد أشكالها، والأهداف الإسرائيلية من الحرب مختلفة أيضًا، فهي ذات علاقة برؤية المشروع الصهيوني، وليست محصورة بقطاع غزة فقط، إنما بمجمل القضية الفلسطينية، كما أن منها المعلن ومنها غير المعلن.
تختلف التحليلات الإسرائيلية حول نوايا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأهدافه من استمرار الحرب على غزة، ووضعه العراقيل واستحداثه الشروط لإفشال التوصل لصفقة تُفضي لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.
من جهة، يُركز عدد من الصحافيين والمحللين السياسيين والعسكريين والتقارير الصحافية الإسرائيلية -وحتى العربية والفلسطينية- على أن إطالة أمد الحرب تأتي في سياق خدمة مصالح نتنياهو الشخصية، المُتمثّلة بمحاولته البقاءَ في الحكم بدعم من الائتلاف الحكومي اليميني الذي يخدم مصالحه، وبالتالي تأجيلُ البتّ في قضايا الفساد والرشوة وخيانة الأمانة الموجهة له، والإفلات من المساءلة السياسية عن الفشل الذي أدى إلى عملية "طوفان الأقصى" من خلال رفض تشكيل لجنة تحقيق رسمية.
قد يكون هذا هدفًا من أهداف نتنياهو، لكنَّ هذا التحليل غيرَ دقيق، فمن جهة أخرى، هناك عدد غير قليل من المحللين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين يركزون على أهداف نتنياهو ونواياه ودوافعه المتمثّلة بإطالة أمد الحرب الوحشية، والبقاء في قطاع غزة حتى تحقيق أهداف الحرب وما بعد الحرب.
القول إن أهداف الحربِ شخصيةٌ فيه تبسيط للقضية، وهنا يجب ألا ننسى شخصية نتنياهو العقائدي الأيديولوجي اليميني الأكثر تطرفًا من أقطاب الائتلاف اليميني المتطرف، (لا سيما بتسليئيل سموترتش وإيتمار بن غفير تلاميذه)، وأن لا ننسى كونه يشكل الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، وهي حكومة تحظى أيضًا بقاعدة شعبية أوصَلَتها للحكم، ولا تزال تمنحُها الثقة وتقف خلفها وتدعمُ بالكامل ارتكابَها الجرائمَ الوحشية بحقّ الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة مَعنيّة بمواصلة الحرب في قطاع غزة والضفة الغربية وعلى الحدود الشمالية إلى أن تحقق أهدافها.
نحن على أعتاب السنة الثانية لحرب الإبادة الجماعية، تَمْثُل أمامنا تحدّيات ومعضلات كبيرة، إذ يعيش الفلسطينيون حالًا من التيه والشرذمة في قطاع غزة والضفة الغربية والداخل والشتات في ظل غياب رؤية تجمعهم، وإجابة تَخُصّهم عن سؤال اليوم التالي غير المُتعلّق بقطاع غزة فقط، فيما لا تزال إسرائيل تعيش حالة من الثمالة وفائض القوة والغرور والتمسك بالمواقف وإنكار حق الفلسطينيين في الحرية وتقرير المصير.
في الشهر الماضي، نشر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى مقالًا في صحيفة "واشنطن بوست" حول المطلوب تغييره في خطة اليوم التالي، ضمن الإصلاحات المطلوبة من السلطة والمتعلّقة باليوم التالي للحرب في قطاع غزة.
يبدو أن مخاطبة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية (في سياق مطالبتهما بسلطة متجددة ومتغيرة)، وتقديم ما يُسمى رؤية فلسطينية (من دون مشاركة الفلسطينيين في النقاش حول مستقبلهم ومصيرهم)، يُمثّل عادةً عند رؤساء الوزراء الفلسطينيين، بَدَل مخاطبة الشعب الفلسطيني. هذا تأكيد على عدم قدرة النظام السياسي الفلسطيني على توحيد الفلسطينيين، فيما لا يزال يَبحثُ عن حلّ الدولتين، ويتمسّك بموقفه الُمراهن على إمكانية تطبيق هذا الحلّ لإقامة دولة فلسطينية.
في المقابل، يتمسك نتنياهو بموقفه الرافض إقامةَ دولة فلسطينية والاعتراف بحلّ الدولتين، وبالمناسبة، هناك أغلبية في إسرائيل ترفض المبدأ، حتى أن نتنياهو يرفض أن يكون للسلطة الفلسطينية أي دور في إدارة غزة في اليوم التالي للحرب.
ما انفكّ نتنياهو يُعلن عزمه تحقيق الأهداف التي وضعتها حكومتُه، وملخّصها القضاء على قدرات حركة حماس العسكرية والسلطوية، وفي السياق عدم السماح لأي جهة فلسطينية بإدارة قطاع غزة.
ولا يخفي نتنياهو أهدافه، من خلال تجسيد أهداف الحرب وخلق حالة الفوضى السائدة في قطاع غزة، وقد يكون من أهدافه احتلال القطاع عسكريًا أو البقاء في أجزاء منه لفرض السيطرة العسكرية والأمنية عليه، يتضح ذلك في تصميمه على عدم الانسحاب من محور فيلادلفيا حتى التوصل إلى اتفاق دائم، ورغبته في تقسيم القطاع، بحيث يبقى جنوبه تحت حصار إسرائيلي، وتسيطر إسرائيل على شماله وتطرد السكان المتبقين فيه لصالح إقامة مستوطنات، إضافة إلى تمسّكه بالإبقاء على محور نيتساريم وسط قطاع غزة، وفرض حصار على عموم القطاع وتطويقه وتقطيع أوصاله، واستمرار الحرب والتجويع ونشر الأمراض والأوبئة لتشديد الضغط على الفلسطينيين للاستسلام ودفعهم للهجرة للخارج.
كل ما ذُكر غير منفصل عن خطط حكومة اليمين القائمة، وبخاصة "خطة الحسم" التي وضعها وزير المالية والوزير في وزارة الأمن سموتريتش لضم الضفة الغربية، وهي خطة تسير بخطى ثابتة، حيث يَحدُث التغيير التاريخي الحقيقي لابتلاع الضفة بدون أي فعل أو مواجهة.
يغيّر سموتريتش واقع السيطرة على الضفة الغربية في إطار خطواته الهادفة للضم الفعلي، فقد أحدَثَ في الأشهر العشرين للحكومة الحالية ثورةً في وضع اليهود والفلسطينيين في الضفة الغربية.
قد تتمثل أهداف نتنياهو الحقيقية في فرض السيطرة على القطاع والهروب من عقد صفقة تبادل، وبالتالي وقف الحرب والانسحاب من القطاع، وقد تكون أهدافه ضمان بقائه في الحكم وفرض واقع جديد في القطاع، وفي ضوء الحالَتين فإن إسرائيل مستمرة في الحرب وفرض العقوبات الجماعية والحصار وسياسة التفكيك القديمة الجديدة، وفصل الضفة الغربية عن القطاع، وإضعاف السلطة وإنهاكها وعدم السماح لها بالعودة إلى القطاع لإدارته.
الصورة: للمصوّر حاييم زاك، المكتب الإعلامي الحكومي.