هل يجب خفض سن التصويت لدى الشباب؟
يمنحنا يوم الشباب العالمي فرصة لمناقشة قضايا جديدة تتعلق بجيل الشباب/الشابات الصاعد. سأطرح في هذه المقالة استعراضاً لقضية حقوق المشاركة الانتخابية والتصويت في اللعبة السياسية، المحلية أو القطرية، وبالأخص السؤال التالي: هل يجب خفض السن القانونية التي تمنح حق التصويت؟ وما هي تبعات ذلك اجتماعياً؟
كما نعرف، حددت معظم الدول حداً أدنى لسن الاقتراع، وغالبًا ما يتم تحديده في الدستور. لا بل فإن التصويت في عدد من البلدان، مثل استراليا، إلزاميّ لأولئك المؤهلين للتصويت، بينما هو عملية اختيارية في معظم البلدان. لكن لنتذكر أن الحق في التصويت، في تاريخ معظم الدول، كان مقيدًا أو محرماَ على الفقراء، وغير البيض والنساء، لأن أصحاب القوة في السياسة القديمة كانوا رجالاً من الطبقات الغنية عادة، أصحاب فكر يميل إلى الذكورية والإيمان بهرمية المجتمع: أن الضعيف لا صوت له.
عندما تم تأسيس حق التصويت في الدول التي ترى نفسها من ضمن الديمقراطيات (قبل الحرب العالمية الثانية)، تم تحديد سن التصويت بشكل عام عند 21 عاماً أو أعلى منه. في العام 1946، أصبحت تشيكوسلوفاكيا الدولة الأولى التي خفضت سن الاقتراع إلى 20 عامًا، وبحلول عام 1968 خفضت 17 دولة سن الاقتراع إلى 18 عامًا خلال الستينيات والسبعينيات، بدءًا من المملكة المتحدة (1969) والولايات المتحدة (التعديل السادس والعشرون) (1971)، كندا، ألمانيا الغربية (1972)، أستراليا وفرنسا (1974)، وغيرها بعد ذلك بوقت قصير. وبحلول نهاية القرن العشرين، أصبح سن 18 عامًا هو سن الاقتراع الأكثر شيوعًا. كانت الحجة الأقوى وقتها في تلك الدول: إذا كان من الممكن تجنيد الشباب للذهاب إلى الحرب في سن 18، فيجب أن يكونوا قادرين على التصويت في سن 18.
ومع ذلك، هناك عدد قليل من البلدان التي تحتفظ بسن اقتراع يبلغ 20 عامًا أو أعلى، وبالمقابل في دول أخرى تم تخفيض سن الاقتراع إلى 17 عاماً، مثل اليونان وإندونيسيا، وفي اخرى سن التصويت هو 16 عامًا، مثل بعض دول أمريكا الجنوبية، كالأرجنتين والبرازيل وكوبا والإكوادور، وفي أوروبا في دول مثل النمسا واسكتلندا وويلز ومالطا. كما نجد قوانين متغيرة للحد الأدنى لسن الاقتراع في بعض البلدان، وخصوصا في انتخابات الولاية أو الإقليم أو البلدية.
إذا أردنا أن نلخص الأفكار الداعمة لخفض سن التصويت، من وجهة نظر علم الإنسان وعلم الاجتماع السياسي:
قبل عشرات السنوات كانت نسبة التعليم في المدارس منخفضة، مقارنة مع اليوم، ومع انتشار التعليم الإلزامي (في بعض الدول نسبة التعليم هي 100% أو نسبة قريبة منها)، تغير الوعي عند جيل الشباب إلى الأفضل.
موضوع البيئة وهدم الكرة الأرضية في عالمنا الحالي، وبالأخص المستقبلي - جيل الشباب الصاعد هو الذي سيتأثر بشكل كبير من الدمار الذي أحدثته البشرية في القرن الاخير. ولذلك، له الحق في المشاركة في اتخاذ القرارات حول مصير حياته ومبنى الدول خلال عشرات السنوات القريبة.
سمعنا هذه الفكرة الهامة أثناء تصويت الشعب البريطاني حول البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه: كانت النتائج هناك واضحة جداً: جيل الشباب (العشرينيات والثلاثينيات) صوتوا بأغلبية ساحقة تأييداً للبقاء في الاتحاد الاوروبي، مقابل الأجيال المتقدمة في العمر التي صوتت للخروج من الاتحاد الأوروبي.
عملية التصويت في جيل مبكر تبني محفزاً لتوسيع المعرفة السياسية والاجتماعية، ومحفزاً لبناء شخصية تهتم بالمجتمع وذات مسؤولية. التصويت هو تجربة اجتماعية، أو ممكن تسميته وفق علم الإنسان بالطقس الاجتماعي المؤثر جداً. طقس التصويت والتجربة في اتخاذ القرار مهمة جداً لمن يشارك فيها. تأثيرها هو للمدى البعيد لأن المجتمع يعبر بذلك عن ثقته بقدرات الجيل الناشئ على التفكير الناقد المستقل، وكل ذلك من أجل تقوية التفكير الديمقراطي المعتمد على مشاركة أوسع في اتخاذ القرارات.
هناك الكثير من المهام التي اعتبرت تاريخياً مهاماً للكبار فقط، لكن اليوم كما يبدو يستطيع تنفيذها أشخاص في سن 15-16 عاماً. أبناء هذه الفئة العمرية يشاركون أحياناً في السياسة من خلال تشكيل لجان العمل السياسي، وإدارة الحملات الانتخابية، والدفاع عن حقوقنا أمام الهيئات التشريعية أو في حراكات اجتماعية متنوعة. فلماذا لا يستطيعون التصويت؟؟
يُتوقع من الشباب أن يتبعوا القانون، لكن في الوضع القائم لم نمنحهم الحق في صنعه! المشاركة في اتخاذ القرارات، من مستوى العائلة، القرية أو الدولة، هو أفضل طريقة مثبتة لتقبل الاتفاقيات وتنفيذ القانون.
تُبين التجربة والأبحاث أنه عندما تم خفض سن الاقتراع إلى16 عاماً، أظهر الشباب اهتماماً متزايداً بالتصويت. في عام 2013، عندما خفضت مقاطعة تاكوما بارك بولاية ماريلاند سن التصويت إلى 16 عاماً، كان معدل إقبال الناخبين المسجلين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا أعلى بأربع مرات من الناخبين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا.
يمكن استخدام الحجج ضد خفض سن الاقتراع لحرمان البالغين أيضًا، وهو ما لا نريده طبعاً. في النظام الديمقراطي، يعتبر الاقتراع العام حقًا لجميع المواطنين، ولا ينبغي الاستغناء عن القدرة على التصويت بشكل تعسفي. فاليوم تخلينا عن استخدام الحجة القائلة بأن مجموعات معينة من الناس تفتقر إلى المعرفة أو النضج وهي ممنوعة من التصويت (هذه الحجة استعملت بشكل واسع في الماضي ضد الذين لا يمتلكون الأرض والعبيد والنساء، مثلاً) ولذلك علينا التخلي عن الحجة القديمة نفسها، الموجهة ضد جيل الشباب. وجدت أبحاث علمية اجتماعية أجريت على التجربة النمساوية أن المشاركة في سن 16 عاماً منحت هذا الجيل محفزاً ومساحة لمناقشة السياسة وفهم ما يجري في البرلمان أو البلديات وساهمت في رفع نسبة المشاركة.
ولنتذكر هنا أن من يعارض هذه الفكرة حول العالم هي أحزاب اليمين المحافظة، عادة، والتي لا تهتم بقيم الديمقراطية، أو أن لديها مفاهيم خاطئة حول ما هي الديموقراطية. قسم من هؤلاء يقولون بأن دماغ المراهق قد لا يكون جاهزًا للتصويت في سن السادسة عشرة. ومع ذلك، أشار عالما الدماغ هارت وآرتكينز إلى أنه حتى الآن لم يتم تقديم أي دليل عصبي علمي لإثبات هذه النقطة. بينما يقنعنا العالم شتاينبرغ بأن المواطنين المراهقين يمتلكون نفس التطور المعرفي مثل الشباب.
أي أن الذين يدّعون الآن بأن ابناء جيل 16 "غير بالغين" هم أنفسهم الذين دعموا منع تصويت النساء في الماضي. التعبير "غير بالغين" هو اختراع اجتماعي socially constructed، أي هو شيء نسبي زمانياً ومكانياً، وليس حقيقة مطلقة.
وفي النهاية من الجيد أن نتذكر تجربة المدارس الديمقراطية حول العالم: يشارك التلاميذ فيها بالتصويت وباتخاذ القرارات من سن 6 سنوات. وتبيّن كل الأبحاث أن هذه المدارس تربي أجيالاً تتمزي بالمسؤولية الاجتماعية، تحب التعلم في المدرسة، مع نسبة قليلة من المشاكل الاجتماعية في المدرسة.
إذا، وعلى ضوء تجربة بعض الدول أعلاه والأبحاث المختلفة، قد نرى ازدياداً مستمراً في دعم فكرة خفض سن التصويت حول العالم، لما فيها من فائدة اجتماعية وشخصية هامة.