عن تمثيل الشباب في الحكم المحلي
مع اقتراب الانتخابات المحلية، يكثر الحديث عن دور الشباب في الانتخابات وتتغنى القوائم المختلفة بالتمثيل الشبابي في صفوفها.
في السنوات الأخيرة نلحظ انخفاضًا ما في متوسط أعمار منتخبي الجمهور ورؤساء السلطات المحلية. لكن الغالبيّة الساحقة منهم في أعمار تتراوح ما بين الأربعين والستين عامًا، بينما تمثيل من هم دون هذه الأعمار ما زال قليلًا نسبيًا.
وعلى أيّ حال، نكاد لا نرى تمثيلًا جوهريًا لقضايا الشباب ومناقشة ما يهمهم فعلًا. وإن كان نقاش كهذا فلا يتبلور في الغالب إلى برامج عمل وخطط بعيدة الأمد.
على مستوى منظومة الموارد البشرية نرى أنّ الكثيرين من أصحاب الكفاءات والخبرة يبتعدون عن العمل في السلطات المحليّة. فيما يُستغل بعض الشباب لتوظيفات غير مهنية، يكون الدافع خلفها في كثير من الأحيان وعود وصفقات انتخابيّة.
في السطور الآتية سنحاول عرض أهم الميزات للحضور الشبابي في الحكم المحلي، الدور المرجو للشباب وإمكانيات التغيير. لمناقشة ذلك، لا بد من الوقوف أولًا على أهم الاحتياجات والقضايا الّتي تواجه الشباب العرب في البلاد.
بالنسبة لأبناء الشبيبة، لعلّ أهم التحديات لهذه الشريحة هي توفير الأطر المناسبة – سواء الأطر التعليمية المتنوعة، لا سيما الاختصاصات المختلفة والمدارس التكنولوجية الّتي تساهم في تأهيلهم للمرحلة الجامعية أو لسوق العمل، وكذلك الأطر الثقافية والاجتماعية، حيث يجمع المختصون على ضرورة توفير برامج وفعاليات هادفة تملأ وقت الفراغ عند هذه الفئة بما يعود عليها بالنفع. أما بالنسبة لمن هم في مرحلة عمرية متقدمة، فلعل أهم احتياجاتهم هو توفير فرص عمل وقضايا الأرض والمسكن.
إلى جانب ذلك، استفحال العنف والجريمة، آفة المخدرات والسياقة المتهورة، هي مخاطر تصاحب هذا الجيل.
لا شك أن للسلطة المحلية وأقسامها دوراً مركزياً في أغلب القضايا المذكورة، ومن هنا فلنجاح السلطة المحلية أو عدمه تأثير كبير على واقع الشباب ومستقبلهم.
التمثيل الشبابي في أوساط منتخبي الجمهور
كما أسلفنا، قلة من الشباب ينجحون في الوصول إلى عضوية ورئاسة السلطات المحليّة. وغالبًا ما يكون ذلك ضمن قوائم عائليّة، إذ تحاول تلك القوائم أن تعطي نفسها صبغة تقدميّة عبر دمج شباب وأكاديميين، دون أن يغيروا من خطها السياسي العائلي ومنظومة المصالح الضيقة الّتي تحركها. لهؤلاء لا نرى عادة أي حضور أو دور في تحسين ظروف الشباب.
يشار هنا إلى أن الدور الشبابي في القوائم العائليّة حاضر أيضًا في حملاتها الانتخابيّة، حيث تستغل تلك القوائم الطاقات والخبرات في صفوف شباب العائلة – العامل صاحب القدرة على نصب اللافتات، المحامي الّذي يشرف على تقديم القوائم، المدرّس المبدع في كتابة الخطابات والمنشورات، والعامل في الهايتك الّذي يوفر للقائمة أفضل تقنيات الحاسوب والبرامج.كلٌّ له دوره في الحملة!
في بعض السلطات نرى تحركات لإقامة قوائم تعددية، غير عائلية، يقودها شباب وشابات ذوو ثقافة وكفاءات في مجالات مختلفة. قليل من تلك القوائم تنجح في الحصول على تمثيل في عضوية السلطة المحلية، إلّا أن تأثير ممثليها محدود. في مجالس غالبية أعضائها من الرجال في مرحلة متقدمة من العمر، ليس من السهل لشباب وشابات في العشرينات طرح مواقفهم والتعبير عنها، خاصة إذا كانت مواقف معارضة للرئيس والإدارة. ونسمع بين الفترة والأخرى عن استهزاء بأعضاء، إساءة كلاميّة ومحاولات لإسكاتهم.
وبغض النظر عن الانتماء العائلي أو الحزبي للشباب، فإن تمثيلهم محدود كأعضاء مجالس ولا تمنح لهم المساحة للمبادرة وعرض برامج وخطط تهم شريحة الشباب وقضاياها.
التعيينات وهروب الكفاءات!
نقص فرص العمل للأكاديميين العرب، من الشباب بالذات، والتمييز بحقهم في الوزارات ومؤسسات القطاع العام يؤدي لزيادة في الإقبال على الكم المحدود من الوظائف الشاغرة في الحكم المحلي. هذا الإقبال يُستغل جيدًا في كثير من السلطات كوسيلة لكسب أصوات وضمان دعم بيوت وعائلات. موضوع الوعود بوظائف للناخبين وصل إلى المحكمة في عدة حالات، وهو معروف وشبه علني في فترة الانتخابات.
السياسة العائلية المسيطرة تساهم سلبًا هي الأخرى في هذا الجانب، إذ تدار منظومة التعيينات وفق اعتبارات عائلية وتفضيل أبناء العائلة الحاكمة (الكبرى عادةً) والعائلات الحليفة، على حساب أبناء العائلات الصغرى وعائلات أخرى غير ممثلة في إدارة المجلس.
هذا الجو لا يشجع كثيرًا الشباب، وخاصة أصحاب الكفاءات العالية، على التنافس في مناقصات يعتبرونها "مطبوخة" مسبقًا. هؤلاء يفضلون العمل بعيدًا عن السلطة المحلية ومشاكلها، فتخسر البلدة كفاءاتهم وقدراتهم.
في المقابل، تتكرر محاولات تعيين شباب في بداية مشوارهم المهني بشكل غير قانوني لمناصب كبرى لا يستوفون شروطها. كثيرًا من تلك التعيينات يتم إبطالها لاحقًا، لتبقى مناصب هامة شاغرة لسنوات طويلة.
خلاصة القول، تمثيل الشباب في السلطات المحلية العربيّة، كمنتخبي جمهور، بعيد عن أن يكون مُرضيًا – كمًا، نسبة الشباب قليلة جدًا من بين الرؤساء والأعضاء، وكيفًا كذلك، حيث لا نرى تأثيرًا فعليًا للجيل الشاب ولا عملًا ممنهجًا لمعالجة قضاياه.
على مستوى التعيينات، يتكرر استغلال الوظائف القليلة الشاغرة في السلطات كوسيلة لكسب الناخبين، تقوية الائتلاف الحاكم والتمييز ضد معارضين، مما يدفع أصحاب كفاءات وقدرات للابتعاد عن هذه المنظومة.
محصلة ذلك أن الشباب غير حاضرين في الحكم المحلي وقضاياهم غير حاضرة كذلك، وإن كنا لا نعمم على كل السلطات.
كيف الخروج من ذلك؟ "ما نيل المطالب بالتمني". الحل يبدأ بمبادرات لقوائم شبابية غير عائليّة، ذات أجندات وبرامج مهنيّة، بعيدة عن الاستقطاب والمصالح الضيقة. هذا ليس سهلًا، ويتطلب عملًا تراكميًا لسنوات، لكنه أيضًا ليس بالمستحيل.
كاتبا المقال: المحامي نضال حايك، هو مدير عام جمعية "محامون من أجل إدارة سليمة"، والمحامي محمد قدح، هو محامٍ في الطاقم القانوني للجمعية.