هل تُمنع حقوق المجتمع العربيّ الاقتصادية؟

من طبيعةِ الفجوات الاقتصادية بين الجماعات السكّانيّة أن تمتدّ زمنيًّا وإن قرّرت الحكومات العمل على تقليصها. وعادة ما يتمّ الحديث عن تقليصها وليس عن سدّها. وهو الحال في إسرائيل في كلّ ما يتّصل بالأقلية العربية الفلسطينية. رغم الجهد المُعلن لتقليص الفجوات بين السكان اليهود والعرب إلّا أن هذه الفجوات لا تزال قائمة في الكثير من المجالات. نقول هذا اعتمادًا على تقارير حكومية أو لمؤسسات المجتمع المدني التي تتابع تنفيذ برامج وخطط حكومية لتقليص الفجوات. وهي ليست فجوات بين مجموعتين متساويتيْن متكافئتين من حيث المكانة بالنسبة للدولة ومؤسساتها. فالفجوات هي ثمرة عقود من التمييز المنهجي الرسمي ضد السكان العرب منبعه الأفضليّة التي تُعطى للسكان اليهود باعتبار الدولة "يهودية" وأقيمت لأجل اليهود. أمّا الخطط التي أعلنت لتقليص الفجوات وتطوير المجتمع العربي ظلّت حبرًا على ورق ولم تُؤتِ ثمارها المرجوّة لأن ثمة الكثير من المعيقات التي تعترض التنفيذ وسنتطرّق إلى بعضها لاحقًا.

نشير هنا إلى عدد من المعايير التي تشير إلى الفجوات وهي عيّنة فقط:

  • يزيد معدّل الأعمار لدى المجتمع اليهودي بخمس سنوات عن المجتمع العربي.

  • استطاعت 76.5% من الأسر اليهوديّة تغطية مصروفاتها. ونسبةً قليلة عند الأسر العربيّة وهو ما يُفسّر لجوء نسبة أعلى من الأسر العربية إلى السوق السوداء وما تعنيه من تبعات لن ندخل في حيثياتها الآن.

  • نسبة الرجال اليهود المنخرطين في سوق العمل تبلغ 64.4% مقارنة بـ 50.4% من الرجال العرب. تصل النسبة لدى النساء اليهوديات في سوق العمل إلى 61.6% بينما هي في حدود الـ 28.3% بين النساء العربيات. وهو يفسّر فارق المدخول بين الأسرة اليهودية وتلك العربية.

  • معدّل دخل العائلة اليهودية أعلى بـ 60% من دخل الأسرة العربيّة بالمعدّل.

  • الفرد اليهودي يُدخل إلى ميزانية الأسرة ضعفي دخل العربيّ (1.9).

  • مصروف الفرد في الأسرة اليهودية يساوي 150% من مصروفات الفرد الشهرية في المجتمع العربي ـ 5.072 شيكل مقابل 3.421 شيكل.

  • احتمالات وقوع الأسرة العربية في دائرة الفقر هي 2.9 أضعاف الاحتمالات لدى الأسرة اليهودية.

أمّا إذا ذهبنا إلى مجالات الحياة الأخرى للمقارنة فسنجد الفجوات أمامنا. في البنية التحتية والمواصلات، في توزيع الأرض والحيّز، في المنشآت، والمرافق، والمباني العامة، وغيرها. هنا تظهر الفجوات للعيان ولا تحتاج إلى أبحاث وتقارير. بل يُمكننا أن نرى إلى العنف الذي يضرب بمجتمعنا كفجوة أخرى تتصل بمدى تمتّع العربي بالأمن والأمان مقابل اليهودي في هذه البلاد.

حاولت الحكومة الإسرائيلية على مدار عشرات السنوات إطلاق برامج وخطط خمسية لسدّ الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، لكن في معظم الأحيان كانت النتائج مخيبة للآمال، بالنسبة للمجتمع العربي بوجه خاص. فالهيئات العربية من أحزاب وجمعيات ولجنة المتابعة ولجنة الرؤساء ـ كلّها تؤكّد أن الكلام الرسمي في واد والأرقام المتداولة في واد والتنفيذ في واد آخر. 

صادقت حكومة نتنياهو الحالية على استمرار تمويل خطة "تقدّم" لتطوير المجتمع العربي بمبلغ 26.5 مليار شيكل للسنوات 2021-2026. وهي استكمال لخطة (922) ولقرارات في وزارة المالية الحفاظ على وتيرة نمو اقتصادي معقولة من خلال الاستثمار في المجتمعيْن اليهودي الحريدي وفي المجتمع العربي. وهي سياسات ترتّبت عن انضمام إسرائيل قبل أكثر من عقد إلى مجموعة دول الـ "OECD" التي تفرض على إسرائيل شروطًا اقتصادية كجزء من عضويتها. ومن هذه الشروط تقليص الفجوات بين الفئات السكانية والحفاظ على وتيرة نموّ محدّدة وعلى معدلات تضخّم متدنيّة.

تعترض الخطط الحكومية عادة عقبات في الطريق إلى التنفيذ. فقد تتضمّن الخطط الحكومية أحيانًا بنودًا متناقضة أو كتلك التي تظلّ في مستوى إعلان النوايا دون توفير أي ترتيبات وإجراءات لوضعها قيد التنفيذ. في التجربة تواجه مثل هذه الخطط المعوقات البيروقراطيّة وما تعنيه من شروط ومعايير تكون في كثير من الأحيان تعجيزية. لكنني بحكم عملي مع السلطات المحليّة العربية صادفت أن عدم التنفيذ قد يكون بسبب غياب الأرض العامة في البلدة العربية أو غياب تخطيط هيكلي أو تفصيلي وما إلى ذلك من قصور تخطيطي نابع أساسًا من سياسات رسمية. ومن مشاهداتي، أيضًا، أن غياب التنفيذ قد ينبع أحيانًا من غياب القوى البشريّة المهنية المتخصصة ذات الكفاءات الإدارية. أمّا هذه الحكومة فتتميّز عن سابقاتها في أنها تضمّ وزراء وقوى تنفيذية تُعلن صراحة أنها غير معنية بتحويل ميزانيات عادية أو غير عادية للمجتمع العربي الذي تعتبره عدوًّا. بمعنى أن النهج العنصريّ هو الآن وفي المستقبل العائق الأساس أمام تنفيذ خططي التطوير وتقليص الفجوات في المجتمع العربي. قد تكون محصّلة كل هذه العوائق نهج حكومي يغيّر تجاه التعامل مع المجتمع العربي بشكل يتناقض كلّيًا مع تعليمات منظمة الـ "OECD" وينسجم مع أحكام قانون القومية ودلالته الاستراتيجية بالنسبة لعلاقة الدولة مع مواطنيها العرب. في حال حصول هذا، سنضطرّ إلى تعديل لغة التحليل لدى قراءتنا للوضع الاقتصادي في المجتمع العربي وفي الدولة عمومًا.

د. رمزي حلبي

محاضر وخبير اقتصادي ورئيس ادارة منظمة Tsofen

ربيع حلبي
شكراً د. رمزي حلبي على المقال والمعطيات المذهلة ، نأمل خيراً للمجتمع العربي مستقبلاً
الاثنين 2 تشرين الأول 2023
شاركونا رأيكن.م