فلسطينيّو سوريا: ثُنائيّة الأمَل والخَوف
وَجَد كثيرٌ مِن اللاجئين الفلسطينييّن إبان لجوئهم بعد نكبة العام 1948 في سوريا ملاذًا آمنًا لعقود، واستقرارًا نسبيًّا لوضعِهم الاجتماعي بشَكل عام.
ومع اندلاع ثورة شباط في العام 2011، ونتيجة التحوّلات التي شهِدَتها سوريا، تَحوّل هذا الاستقرار إلى معاناة مستمرة نتيجة النزاع الدّامي الذي لم يَستثنِ أيّ طَرَف أو مكان، بما في ذلك مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين. ومع الحَديث عن سُقوط النظام السوري، يَشعُر الفلسطينيّون بقلق مضاعَف نتيجةَ ارتباط وُجودِهم في سوريا بتوازنات سياسيّة هشّة وصراعات تاريخيّة معَقّدة.
شعور مُزدوَج: بين الأمل والخوف
بدايةً، يمكن القول إن مشاعر الفلسطينيين تجاه سقوط النظام السوري مختلَطة للغاية. فمن جهة، هناك مَن يرى في سقوط النظام فرصةً لفتح فصل جديد مِن الحرية وإعادة بناء سوريا بشكلٍ يتيح لهم تحسين أوضاعهم كمجتمع لاجئ. فقد عانى الفلسطينيون، كغيرهم مِن السوريين، مِن آثار القمع والاستبداد، وكانوا ضحايا لسياسات أمنيّة قيّدت حركتهم وحُقوقهم. لذا، فإن انتهاء النظام قد يمنحهم فرصةً للمشاركة في بناء مجتمع أكثر عدلًا وشمولًا.
لكن من جهة أخرى، هناك خوفٌ عميق من المجهول، إذ يخشى الفلسطينيون أن يفقدوا -أو تُهمَل- حقوقهم في التعليم والعمل والخدمات الصحيّة المقدّمة خاصة في ظلّ غياب ضمانات واضحة من الأطراف الجديدة التي قد تتولّى السلطة.
تأثير الحَرب على المخيّمات الفلسطينية
وفي التّخصيص عن وَضع المخيّمات الفلسطينية في سوريا، فإن تَبِعات الصراع الدائر منذ 14 عامًا لم تستَثنِها وقد كانت تُعدّ رمزًا للاستقرار النسبيّ. على سبيل المثال، تحوّل مخيّم اليرموك، الذي كان يُعرف بعاصمة الشّتات الفلسطيني، إلى ساحة قتال بين الأطراف المتنازعة، مما أدى إلى تدمير مُعظمه. وقد واجه سكانه حصارًا فرضه النظام السوري وبعضُ القوى الفلسطينية المناصِرة له وقضى المئات من أهله جوعًا وقصفًا، وهو ما دفع آلاف العائلات إلى النزوح داخليًا أو الهجرة إلى بلدان مجاورة أو إلى أوروبا.
وقد زادت الأحداث في سوريا مِن تعقيد وضع الفلسطينيين الإنساني والسياسي. فمعظم الدوَل لا تعتَرف بهم كلاجئين سوريين، وهو ما جعلهم عرُضة لتمييز إضافي خلال محاولاتهم الهروب من جحيم الحرب. لقد غدو "لاجئين مرتين" إذًا، يحملون عبء لجوئهم الأول من فلسطين، وعواقب النّزوح من جديد.
ويمكن القول إن ما يَعيشه اللاجئون الفلسطينيون في سوريا اليوم يتخطّى الأبعاد السياسية والاقتصادية، ليشمل تأثيرًا عميقًا على النفسيّة الجماعيّة. فمشاعر القلق، وعدم الاستقرار، وفقدان الأمان أصبحت جزءًا مِن حياتهم اليومية. يَشعر جيل الشباب بشكل خاص بالضياع، حيث يَكبُرون في ظلّ واقع يغيب فيه الأمل بمستقبل واضح.
إذ تَمَيّز المجتمع الفلسطيني في سوريا بتماسكه وبشبكة العلاقات القوية التي كانت تربط أفراده. لكن الحرب أدّت إلى تشتت العائلات، وضياع الممتلكات، وتفكّك هذا النسيج الاجتماعي الذي كان يشكّل دعامة قويّة حافظت على هويتهم عقودًا كمجتمع لاجئ يتطلع لتحقيق حقّه في العودة إلى وطنه.
المَخاوف المستقبليّة
السؤال الأهم بالنسبة للاجئين الفلسطينيين هو: ما الذي سيحدُث لهم إثر تغيير النظام في سوريا؟ الإجابة معقدة. تاريخيًّا، العلاقة بين النظام السوري والقضية الفلسطينية كانت مشحونة بالتوترات السياسية، رغم خطابات الدّعم العلنية الصادرة عنه فقد استخدم النظام السوري السابق القضية الفلسطينية كوسيلة لتعزيز شرعيته السياسية.
وفي ظل قيام نظام جديد، فإن الفلسطينيين يخشَون أن تُهمَل قضاياهم بالكامل أو أن يتم تحميلهم مسؤولية أي مواقف سياسية سابقة نُسبت إليهم أثناء الحرب.
إذًا، يجد اللاجئون الفلسطينيون في سوريا أنفسهم اليوم في قَلب عاصفة من التحدّيات السياسية والإنسانية. إذ يمثّل سقوط النظام بالنسبة لهم لحظةً مليئة بالفرص والمخاوف، ويَعكس تعقيد وضعهم كلاجئين يعيشون في ظل نزاعات متعددة الأطراف والأبعاد.
لكن رغم ذلك كلّه، يبقى الفلسطينيون متمسّكين بالأمل. إذ حَمَلت الأجيال التي نَشَأت في سوريا معها قصصًا مِن الصمود والتحدي، وظلّت تحمل تطلّعات العودة إلى وطنها الأم. في ظلّ الظروف الراهنة، يَبقى السؤال الأهمّ هو: كيفَ يُمكن تحويل هذه التحديات إلى فُرص، لبناء مستقبل أفضل لهم كجزء مِن مجتمعهم المُضيف، وفي طريقهم نحو تحقيق حلم العودة؟