إسرائيل والسعودية: سؤال التطبيع وتداعياته السياسية والدينية
حسم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سؤال التطبيع مع إسرائيل في مقابلته مع شبكة فوكس نيوز الصهيو-أمريكية الخميس المنصرم (21\9\2023) حين قال "كل يوم نحن أقرب إلى التطبيع وإنّ القضية الفلسطينية مهمة". وكانت زيارة وزراء إسرائيليين إلى الرياض بيانًا واضحًا أنَّ قطار التطبيع قد انطلق وبقوة، ويعتقد أن التطبيع إنْ تحقق مع إسرائيل سيكون الحدث الأهم في هذا القرن.
السعودية راهنًا من دول النمور الاقتصادية وتتقدّم على كثير من دول العالم في تنوع مداخيلها القومية، كما نوعت استثماراتها العالمية وتكاد تكون الدولة السابعة عالميا في هذا الباب مما يعني أنها تحتاج إسرائيل لتصفير المشاكل في منطقة الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية سيدفع نحو استقرار المنطقة لتحقيق تطلعاتها العالمية. إسرائيل من الدول المستفيدة من فيض المال السعودي وصناديقه الائتمانية، إذ تستثمر في إسرائيل عبر صندوق اليهودي كوشنير أموالا ضخمة في شركات مثل "فينكس" و"كفوتسات شلومو"… في الوقت ذاته تعمل واشنطن ليل نهار لتحقيق السلام مع الرياض ضمن معادلات يبدو أنّ معالمها الكبرى ستتضح لاحقا تتعلق بالأمن السعودي وتَزَودها بسلاح نووي سلمي يمكن أن يتحول إلى عسكري في حالة امتلاك إيران له علما أنها شرعت باتباع سياسات ناعمة مع محيطها وايران، ولذلك فالهدف الأساس أمريكيًا جعل إسرائيل دولة طبيعية قابلة للحياة والاستمرارية في منطقةٍ تم تخليقها في مختبرات الكولونيالية الغربية في مسعاها للتخلص من الفائض اليهودي من جهة وأحكام السيطرة على منطقة قادت العالم عدد قرون من خلال اتفاقية سايكس بيكو وما أنتجته فيما يسمى الدولة الوطنية الحديثة التي تزامن وجودها وتخليق إسرائيل أمميًا.
السياق السياسي
المؤسسة الإسرائيلية ومعها الأمريكية تستغل تطلعات محمد بن سلمان الساعية لجعل المملكة دولة متقدمة عالميًا في كافة الأمور التي رسمها في مخططاته الممتدة حتى 2050 وهذه الرؤية تتطلب استقرارًا سياسيًا وأمنيًا وبالتالي تعمل واشنطن عبر أدواتها الكثيرة والقوية في اقناع بن سلمان على أن تكون إسرائيل شريكًا مهمًا بغض النظر عمن يحكمها وسياساته ومواقفه من الإسلام والعرب والفلسطينيين. ومن نافلة القول الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى مشروع طريق المسك -مشروع الممر الاقتصادي- الذي أعلن عنه بن سلمان على هامش قمة العشرين الاثنين قبل الماضي 11\9\2023 والقاضي بربط الهند ودول الخليج والأردن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي بشبكة واحدة تعتمد الربط السككي، والبحري، والنقل الرقمي بتركيب كابلات الألياف البصرية، وبالتوازي وبشكل مستقل تأسيس ممرات خضراء عابرة للقارات (بروتوكول أميركي - سعودي) تحت مسمى "الشراكة العالمية للبنية التحتية والاستثمار" التي ستساهم فيها السعودية بمبلغ 20 مليار دولار.
ويبدو أن إسرائيل سيكون لها دور فيه بناء على الطلب والضغط الأمريكي. تطبيع العلاقة مع إسرائيل سيعني سياسيًا على المستوى الفلسطيني دخول القضية في واحدة من ثلاثة تصورات، قيام دولة فلسطينية محدودة الإمكانيات والأدوات ارضاءً لإسرائيل، وهو ما نستبعده إذ أن الرفض الإسرائيلي حاضٌر وبقوة على مستوى الطيف السياسي، تمكين اقتصادي للفلسطينيين على غرار السلام الاقتصادي الذي يطرحه نتنياهو، ونتنياهو ومن معه من اليمين الفاشي على استعدادٍ لمثل هذا التصور المدني-الاقتصادي الصرف الذي يعاين حيوات الناس البسطاء ويمكنهم عيشًا، وشرطه مواجهة واجتثاث كل أنواع المقاومة، إذ أن المعادلة ستكون تأمين الحياة واللقمة مقابل الحيلولة دون فعلٍ مقاوم يُقارب ذلك عدم تغول الاحتلال في المدن والقرى الفلسطينية والتزام إسرائيلي بضبط رعاع المستوطنين وغيرهم في الضفة الغربية عمومًا ومنطقة "ج" حيث القرى والأرض الوفيرة، وهو ما سيرفضه الفلسطيني فردًا وشعبًا وكذلك المستوطنين، وأخيرًا إبقاء الأمر على ما هو عليه عبر الضغط المكثف على السلطة في رام الله وإدخالها ضمن المشاريع الساعي بن سلمان للقيام بها، وهو ما سيجعلها تلتزم الصمت والقبول. وقد ألمح نتنياهو في خطابهِ الأخير في الأمم المتحدة إلى هذا المنحى عبر الخارطة "الخضراء لمنطقة الشرق الأوسط" التي رفعها وتشيرُ إلى تمدد التطبيع مع العالم العربي وجعله منفذًا للسلام مع الفلسطينيين طامسًا في خريطته شيء اسمه فلسطين أي دمج السلطة تحت رعايته ورعاية السعودية.
المستفيد الأول والأخير من التداعيات السياسية استراتيجيًا إسرائيل وسيكون هذا التطبيع حبل نجاة تقدمه الرياض لإسرائيل التي تعيش لحظات احتضار البيت الثالث.
السياق الديني
المسجد الأقصى هو عنوان الوجود الإسلامي والعربي والفلسطيني وأي مساس جدّي له سيكون مقدمة لصراع ديني في المنطقة تتخوف منه الأنظمة العربية كما المؤسسات الأمنية الإسرائيلية، وقد ارتفعت وتيرة التهديدات لوضعية المسجد الأقصى مما سيعني لاحقًا في حالة موافقة السعودية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون أن تحقق انجازًا عينيًا يتعلق بالمسجد الأقصى دخولها في سلسلة من الأزمات تبدأ بأزمة داخلية مع شعبها ومع الكثير من العلماء خاصة أولئك المقموعين والمتواجدين في السجون والمعتقلات وهو ما سيدفع إلى تراجع مكانة السعودية بين شعوب العالم العربي والإسلامي.
قبل سنوات قليلة صدرت من هيئات علمانية سنية عالمية مطالب رسمية بفصل بلاد الحجاز أي مكة والمدينة وما يحيط بهما عن المملكة وإبقائهما تحت سلطة علمانية بسبب تشكيكهم في مواقف المملكة في ظل بن سلمان من التطبيع ومصير المسجد الأقصى والحرمين. ولذلك فالسياق الديني يحملُ أيضا ثلاثة مستويات من العلاقة، الديني السياسي وما يتبعه من مؤسسات رسمية ستدافع عن التطبيع وقد بدأ ذلك فعلًا وهو ما سيخلق أزمة حقيقية بين العلماء ومجاميع العاملين في الحقلين الديني والإسلامي ويؤسس لفتنة قادمة تمتد عدد سنين، واختراق اسرائيلي للعالم الإسلامي وبالتالي شرعنة وجودها فيما سيبقى الشعب الفلسطيني تحت مكبس الفاشية الدينية يرافقه اختراق للشعوب الإسلامية عبر أدوات كثيرة أهمها ورقة التطبيع. أو إعادة الدور المقاوم للإسلاميين الرافضين للتطبيع وعودة موجات التكفير والقتل إلى دول عربية وإسلامية عديدة وهو ما سيؤسس لفتن داخلية في عديد الدول خاصة تلك التي طبعت وماضية في مسار التطبيع.
استخدام الصور بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected].
صالح لطفي
باحث ومحلل سياسي