أول يوم في المدرسة – نموذج "هوغوورتس" (هاري بوتر)

يمثّل اليوم الأول في المدرسة موضوعًا للنقاش والكتابة والدراسة على نطاق واسع، وغالبًا ما يركز على القلق والإثارة اللذان يسيطران على بعض الأطفال وهم يشرعون في هذا التحول المهم في حياتهم. تركز الكثير من الأدبيات ذات الصلة بشكل شبه حصري على اليوم الأول من الصف الأول الذي يمثل دخول الأطفال الأولي إلى سلك التعليم الرسمي، وبالتالي انتقالهم من عالم رياض الأطفال والبساتين الخالي من الهموم الدراسية إلى بيئة المدرسة الأكثر تطلبًا، مع واجباتها المنزلية وتوقعاتها الدراسية. يمثّل الانتقال من الروضات والبساتين إلى هذه المؤسسة، التي شبهها ميشيل فوكو بالسجن في بنيتها ومنطقها المعماري، تحولًا كبيرًا في حياة الطفل.

منطقي جدًا أن تتمحور الكتابة التربوية حول هذه الطقوس الانتقالية، التي تنطوي على ترك بوابات الطفولة والدخول إلى عالم من المسؤوليات والالتزامات. ومع ذلك، في أيامنا هذه، يُدرك كل والد لطفل في رياض الأطفال جيدًا الضغوط التي يفرضها نظام التعليم والتوقعات الاجتماعية. من المتوقع الآن أن يدخل الأطفال الصف الأول وهم على دراية بمعظم الحروف والأرقام، إن لم يكن كلّها، وقادرون على العمليات الحسابية الأساسية. هكذا تبلور سوق دورات التحضير للصف الأول، الغريب جدًا وغير المنطقي خارج السياق الربحي المادي بحت. حتى الآن لم يُطلَب من المتوجهين للصف الأول حفظ قوانين نيوتن، لكن لا ينبغي لنا أن نتفاجأ إذا جاء ذلك اليوم! لقد طمس هذا التحوّل تميّز الانتقال إلى الصف الأول، وأصبح العديد من الأطفال يعتبرونه مجرد بداية لعام دراسي آخر، دون تغيير ملحوظ. وهذا يمثل مشكلة في حدّ ذاته، ويدعو إلى إعادة تقييم الطفولة وتأسيسها من جديد كفترة أكثر تحررًا وخالية من الهموم.

في هذا السياق، من المهم أيضًا النظر في قضية أخرى تحظى باهتمام أقل كثيرًا، وهي التحولات التي يمر بها الأطفال داخل النظام المدرسي، مثل الانتقال من المدرسة الابتدائية إلى المدرسة الإعدادية أو من الإعدادية إلى الثانوية. تتطلب هذه التحولات من التلاميذ التكيّف مع تغييرات معقدة بالقدر نفسه، ومواجهة نظام اجتماعي منظوم بشكل مختلف، حيث تُصبح قضايا الشعبية والتنمر والصداقة والشِّلَلِيّة، أكثر تعقيدًا وتحديًا من فهم أسس رياضيات التفاضل والتكامل. على الرغم من أن هذه التحولات أقل عرضة للنقاش والتوعية التربوية، فإن أدب الفتيان يقترح طرقًا شتّى لاستكشاف هذه التحديّات ومناقشتها.

وتعدّ سلسلة هاري بوتر من الأمثلة الشائعة والمألوفة لدى العديد من القراء (والأهالي) في هذا السياق. فمن الكتاب الأول حتى الأخير، تتناول السلسلة موضوع الانتقال من الطفولة إلى المراهقة، ثم إلى مرحلة البلوغ في نهاية المطاف. يتكرر عرض هذا السياق في كل مرة ينتقل فيها هاري من عالم العامة إلى عالم السحرة، أي كلما سافر إلى مدرسة السحر "هوغوورتس" في بداية كل كتاب بواسطة قطار "هوغوورتس" السريع. في الكتاب الأول، نرافق هاري ابن الـ 11 عامًا وهو يستعد للالتحاق بالمدرسة وشراء قائمة اللوازم. يشعر هاري بالدهشة والارتباك في الوقت ذاته تجاه هذه القائمة لغرابة متطلّباتها. تمامًا مثل أي مراهق ينتقل من المدرسة الابتدائية إلى المدرسة الإعدادية، غير متأكد من الأدوات والآليات الاجتماعية التي سيحتاج إليها للتأقلم في البُنية الاجتماعية الجديدة. تمثّل لحظة وصول هاري إلى محطة القطار، وإدراكه أنه لا بد أن يركض مباشرة إلى الحائط للانتقال من عالم إلى آخر، تمثل مجازيًا "قفزة الإيمان"، التي عبّر عنها الفيلسوف سورين كيركيجارد. وكما أن قفزة الإيمان التي قام بها كيركيجارد تتضمن انتقالاً إلى المجهول، فإن اصطدام هاري بالحائط عند الرصيف 9 ¾ يرمز للشجاعة المطلوبة لاحتضان المجهول وعدم اليقين الماثل في الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحياة.

لكن حتى بعد أن يقوم هاري بهذه القفزة ويعبر الحاجز، فإنه لا ينخرط على الفور في أي مجموعة اجتماعية. يجب أن يخضع لاختبار آخر - مراسم قبعة التصنيف (أو التنسيق) - التي تفرز الطلاب إلى بيوت مختلفة في المدرسة، لتحديد انتماءاتهم الاجتماعية. كم هو رمزي أن المكان الذي يمثل الصفات المتأصلة في التلميذ يُسمى "بيت" (أو منزل). يشعر التلاميذ في كلٍّ من سلسلة الكتب والحياة الواقعية، أن عملية الفرز هذه ذات أهمية قصوى، معتقدين أنها ستُبلور عالمهم بأكمله وحتى تحدد مستقبلهم. كبالغين، نعلم أنه سواء أخذنا دروسًا متقدمة في الفيزياء أو في الأدب، أو درسنا البرمجة أو الزراعة، فإن هذا لا يُملي في النهاية مسار حياتنا. ومع ذلك، يمكن لهذه الخيارات أن توجّهنا، وتلفت انتباهنا إلى نقاط قوتنا وضعفنا - تمامًا كما تفعل بيوت "هوغوورتس".

في الكتاب الثاني، يجد هاري وصديقه رون نفسيهما ممنوعين من الوصول إلى المدرسة، ويقرران تحدي القواعد بالطيران إلى "هوغوورتس" في سيارة. ترمز رحلتهما واصطدامهما اللاحق بشجرة الصفصاف المتوحشة إلى العواقب المترتبة على كسر الحدود وتحدّي التوقعات المجتمعية. مرورًا إلى الكتاب الخامس، لا بد من ذكر كونه يعرض لحظة محورية في حياة هاري وفي السلسلة. لأول مرة، يرى هاري أن العربات التي تحمل الطلاب إلى المدرسة لا تتحرك من تلقاء نفسها، بل تجرها مخلوقات سحرية تسمى "ثيسترالات" وهي هياكل عظمية لخيول مجنّحة سوداء. يفهم هاري لاحقًا أن رؤية هذه المخلوقات متاحة فقط لأولئك الذين شهدوا الموت بشكل مباشر. وأنه أصبح قادرًا على رؤيتها فقط لكونه خاض تجربة فقدان صديق وزميل، وشهد على مقتله في نهاية الكتاب الرابع. يمكن اعتبار هذه الفكرة استعارةً للانتقال من المدرسة الإعدادية إلى المدرسة الثانوية - وهي الفترة التي تبلغ فيها المراهقة ذروتها، ويواجه الطلاب سلسلة طويلة من تحدياتها. غالبًا ما ترتبط تمثيلات الموت في الأدب، كما هي تمثيلات نقيضته – الحياة، بمفاهيم الإيروس والثاناتوس من الميثولوجيا اليونانية، التي يشير تقاطعها إلى الجنس. يحوّل ازدياد التحفيز الجنسي أثناء المراهَقةِ المراهقينَ إلى أفراد أكثر تعقيدًا ووعيًا وتحديًا. وكذلك يسمح لهم هذا الوعي المتزايد بفهم الديناميكيات الاجتماعية الأساسية داخل المدرسة كمؤسسة وكيف تعمل. يُمكّن فهم المدرسة كمنظومة المراهقين من التشكيك في المناهج الدراسية ومساءلتها بشكل نقدي، ويُحوّل السياسة جزءًا لا يتجزأ من فهمهم لنظام التربية والتعليم والتعامل معه - إما تحديه أو العمل داخله.

مثال أخير للانتقال المتعلق بالمدرسة في سلسلة هاري بوتر يحدث في الكتاب السابع والختامي من السلسلة. في هذا الكتاب، ينطلق هاري وأصدقاؤه، رون وهيرميوني، في رحلة تأخذهم بعيدًا عن "هوغوورتس"، فقط ليجدوا أنفسهم بحاجة إلى العودة. لكنهم يختارون هذه المرة الدخول إلى المدرسة من خلال باب خلفي - الأنفاق تحت المدرسة. أي أنهم يتسللون إلى المدرسة في هذه المرحلة. يمكن تفسير هذا النشاط بطرق مختلفة في ما يتصل بنماذج تلاميذ وطلاب مختلفين. فمن ناحية، يعكس هذا النشاط الرغبة في العودة إلى الأمان والألفة التي توفرها الحياة المدرسية خلافًا عن المجهول في العالم خارج جدرانها. ومن ناحية أخرى، يمثل هذا التسلل إلى مدرسة ما أولئك الطلاب الذين تركوها قبل استكمال دراستهم، وما زالوا يعتقدون بأنهم بحاجة إلى العودة لاستكمال تعليمهم من أجل النجاح في الحياة خارجها.

في نهاية المطاف، يمكننا أن نرى من خلال عدسة سلسلة هاري بوتر كيف يتعمق أدب الفتيان في التحوّلات المعقدة التي تُميز الرحلة من الطفولة إلى المراهقة وما بعدها. تعكس هذه التحوّلات- التي غالباً ما تتسم بسلسلة من التحديات وطقوس الانتقال- تجارب الحياة الواقعية للطلاب وهم يتنقلون عبر النظام التعليمي والعالم الاجتماعي الذي يأتي معه. إن القفزات الإيمانية المجازية، وتحدي القواعد، والوعي التدريجي بتعقيدات الحياة تسلّط كلّها الضوء على الطبيعة متعددة الأوجه للنمو. بصفتنا معلمين وأهالي وزملاء، علينا إدراك هذه التحوّلات، ليس فقط كمراحل في الرحلة الدراسية للطفل حتى تخريجه، لكن كلحظات مهمة في تطوره الشخصي والاجتماعي – منذ بداياتها. من خلال فهم هذه التحوّلات ودعمها، يمكننا إعداد الأطفال والمراهقين بشكل أفضل لتعقيدات الحياة خارج جدران المنظومة التدريسية، وضمان تزويدهم ليس فقط بالمعرفة الأكاديمية، لكن أيضًا بالأدوات العاطفية والاجتماعية اللازمة للتنقل في العالم بنجاح. فالعالم، مثل "هوغوورتس"، لا يتطلب المعرفة فحسب، بل يتطلب الحكمة والمرونة والشجاعة لمواجهة المجهول.

لؤي وتد

باحث في ثقافة الأطفال والفتيان، ومحرر موقع "حكايا"

ورود
مقال جميل ممتع! تأثرت بربط السلسلة ورمزية الاحداث فيها مع احداث الانتقال من الطفولة للمراهقة والبلوغ. مبدع حقاً!
الأحد 1 أيلول 2024
رأيك يهمنا