الأطفال والطّواقم التّربويّة في الحضانات: انكشاف للمخاطر في ظِل الحرب على غزّة

نعيش منذ تشرين الأول من العام الماضي ظروف حرب، هي الأطول ولعلّها الأعنَف منذ النّكبة. ربّما أننا لا نعايشها بشكل مباشر، لكن لها تأثيرًا جمًّا على حياتنا كفلسطيّنيي الداخل. نشاهد عبر الشّاشات مشاهد مفزعة من القتل والدّمار، ننتظر ونترقّب بقلقٍ وعدم يقين ما يمكن أن يحدث ويتطوّر في المنطقة، نسمع صفّارات الإنذار في بعض قرانا ومدننا ونتعامل مع أبعادها وعواقبها من تهديد وذعر كبارًا وصغارًا، كل ذلك وسط "حالة طوارئ" يسودها الصّمت والخوف من التعبير عن الآراء والمشاعر في الحيّز العام وحتّى في الحيّز الخاص، ومشاعر من العجز وقلّة الحيلة إزاء ما يحدث. لهذا كلّه تأثير على حياتنا من النواحي النفسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.

تترك الحالة التي نعيشها تأثيرًا كبيرًا كذلك على الحضانات، والطواقم التربويّة فيها والأطفال والأهل. فظروف العمل في الحضانات -كما هو معروف، حتى في الظروف العاديّة- هي الأصعب مقارنة بالأطر التربويّة للأطفال فوق ثلاث سنوات. تقف وراء ذلك قائمة أسباب: فعدد الأطفال المنضويين تحت مسؤوليّة كل مربيّة كبير، ويقع على عاتقها أن ترعاهم وأن تهتم بحاجاتهم الفرديّة والأساسيَّة مثل النّظافة، والطّعام والشّراب، والنوم وغيرها، وكذلك تطبيق برنامج تربويّ يهدف إلى تطوير قدرات الأطفال في جميع مجالات التطوّر: الحسيّة، والحركيّة، والذهنية، واللغويّة، والعاطفيّة والاجتماعيّة وغيرها. يضاف إلى قائمة الأسباب جانب شروط العمل المتدنيّة للطواقم التربويّة العاملة في الحضانات. أضف إلى كل ذلك حالة الحرب التي نعيشها اليوم، والظّروف الضّاغطة التي تعيشها المربّيات والأهل وتأثير ذلك حتمًا على الأطفال. كذلك خصوصيّة الأطفال في الجيل الغض من حيث القدرات الجسديّة واللغويّة والعاطفيّة، التي من الممكن أن تصعّب التّعاطي وقت حالات الطّوارئ. نذكر أيضًا شح الملاجئ أو المناطق الآمنة في الحضانات في المجتمع العربيّ، وشح تعليمات العمل وتوصيات التّعامل مع الأزمات وظروف الحرب في الحضانات ومع الأطفال حتى جيل ثلاث سنوات والتي تتناسب وخصوصيّة المجتمع العربيّ، فما يصل من تعليمات، توجيهات وتوصيات من الوزارات المختلفة تم نصّه وملاءمته للمجتمع اليهوديّ، ولا يأخذ بعين الإعتبار خصوصيّة المجتمع العربيّ من حيث الانتماء القوميّ، الخصوصيّة الاجتماعية وفقر البنى التحتيّة.

يعايش الأطفال كذلك أجواء الحرب، فهم يرون، ويسمعون ويشعرون أكثر مما نتوقع. يشعرون بالتغييرات الحاصلة نتيجة الحرب، وأحيانًا يكونون مكشوفين للمشاهد التلفزيونية، يرون تعابير وجوه البالغين من حولهم ولغة أجسادهم، يسمعون الأحاديث المتعلّقة بالحرب، يشعرون بالجو العام في البيت أو في الحضانة، وفي بعض البلدات يسمعون صفّارات الإنذار ويعايشون التّهديد والضّغط والقلق الناجم عنها. حتى لو كان الأطفال غير قادرين على التّعبير عن أنفسهم بالكلام، وغير قادرين على توجيه الأسئلة، علينا أن نعرف أن لهذه الحرب تأثيرًا كبيرًا عليهم من الممكن أن ينعكس على شكل سلوكيّات ومشاعر معينة ظاهرة وأحيانًا تبقى دفينة دون أن ندركها نحن البالغين.

من المهم أن تكون الحضانة مكانًا آمنًا للأطفال، آمنًا من حيث: جاهزيّة المبنى لظروف طارئة، ووجود ملجأ أو منطقة آمنة كافية للأطفال والطاقم التربويّ في الحضانة، تجهيز المكان الآمن بالمواد والأدوات الحيوية واللازمة للأطفال، وتزويده بألعاب وزوايا مناسبة لهم. ولا يقل أهمية أن تكون الحضانة مكانًا آمنًا للأطفال من الناحيّة العاطفيّة والنفسيّة، من أجل ذلك علينا الحفاظ قدر المستطاع على أجواء هادئة ولطيفة داخل الحضانة، الحفاظ على الروتين المعتاد من حيث طاقم العاملات المألوف للأطفال، وكذلك من حيث النظام اليوميّ والفعّاليات، إعطاء مساحة كافية للتفريغ واللعب الحرّ، تخطيط نظام يومي يكون فيه الطفل فعّالًا معظم الوقت، الحفاظ على ثبات البيئة التربويّة، كل هذا من شأنه أن يمنح الأطفال شعورًا بالراحة والطمأنينة.كذلك على الطواقم التربويّة تجنب الأحاديث التي قد تُسبّب الضغط والقلق أمام الأطفال، لأنهم -كما ذكرت سابقًا- يتأثرون بمشاعر وردود أفعال البالغين من حولهم. على الطواقم التربويّة كذلك المواظبة على ممارسة تمرين الدّخول للمنطقة الآمنة، فنحن نعلم أن التّمارين المسبقَة تساعد على حُسن التعامل أثناء حدوث ظرف طارئ، ممكن أن تكون تلك التّمارين جزءًا من الروتين الأسبوعيّ، ومن المهم أن يكون مسار تنفيذ التمرين هادئًا وآمنًا، فيتعوّد الأطفال والطاقم على الانتقال للمكان الآمن بسلاسة وبسرعة.

إلى جانب ذلك، على الطواقم التربوية الحفاظ على علاقة مهنيّة مع أهالي الأطفال، علاقة تتّسم بالاحتواء والشّفافيّة، بما يمنحهم الشّعورَ بالأمان اتّجاه ما يحدث في الحضانة. على الطّاقم التربويّ- وبالأخص مديرة الحضانة- الإجابة على تساؤلات الأهل، ومحاولة التّجاوب مع حاجاتهم قدر المستطاع بحيث لا تتنافى تلك الحاجات مع تعليمات العمل ومع المصلحة العامة، مشاركة الأهل بترتيبات الحضانة للتعامل في الحالات الطارئة، تمييز الأهالي الذين يواجهون صعوبات خاصّة بسبب الأوضاع وتوجيههم للمساعدات المهنيّة المتاحة.

لكي تستطيع الطّواقم التّربويّة القيام بكل ما ذُكر، على المربيات العمل على أنفسهن وتعزيز حصانتهن النّفسيّة. لكُل منّا طريقته التي تُساعده على تخفيف الضّغوطات وتعزيز الحصانة النّفسيّة. هذا ممكن عن طريق الجسد مثل فعّاليات حركية، تمارين تنفّس واسترخاء وغيرها، عن طريق مهام تفكيريّة تنظّم الواقع وتوجّه إلى ضبط المشاعر والتفاؤل، طلب المساعدة والدّعم من العائلة أو الأصدقاء، التّشَبُّث بالعقائد والقيم التي تعطي شعورًا بالأمل. في حالات معينة تكون هنالك صعوبات ترافق التّعامل الفرديّ مع الضّغوطات، عندها يجب التوجه لجهات مهنية لطلب المساعدة.

مسؤوليتنا كبالغين، طواقم تربويّة وأهل، اتجاه الأطفال كبيره وحاسمة، آمل أن تنتهي أجواء الحرب سريعًا وأن ننجح في تقليص أبعادها وتأثيراتها على الأطفال.

نجلاء زاروبي جرايسي

مرشدة تربويّة بحضانات وأطر تربويّة

رأيك يهمنا