سياحة الطعام - تذوُّق تاريخ وثقافة، وتطوير الحس الجمالي
مقدمة
الطعام بأَنواعه المختلفة مصدر للغذاءِ والنُّموِّ لا غنىً عنه. نستمدُّ من خلاله الطاقة والحيويَّة، والطعام الطيِّب يمنح الإِنسان الصحةَ الجيِّدة: أَثمنَ جوهرةٍ في حياة البشرية جمعاء.
والطعام، على صعيد آخر، ليس فقط مصدراً للصحة والطاقة، لكنَّه يعكس أَيضاً عاداتِ الشعوب وثقافاتها على مر العصور؛ فهو على سبيل المثال مرتبط بالمناسبات السعيدة، مثل الأَفراح والحفلات والأَعياد، فإِذا أَردنا أَن نحتفل بحدث ما، فإِنَّ أَوَّل سؤال يتبادر إِلى الأَذهان: ماذا سنقدم على المائدة؟ أَطباق الطعام إِذًا شريكة لأَفراحنا ومسرّاتنا التي تشهدها حياتنا، لكنَّها أيضاً، ويا للعجب، مرتبطة بالمناسبات الحزينة. وفى الغرب كذلك يقيمون مأدبة عشاء كبيرة لهذه المناسبة الحزينة.
في عالم السياسة والاقتصاد يحتلُّ الطعام الصدارة في كثير من الأَحيان: غداء العمل أَو عشاء العمل، من المصطلحات التي صارت شائعة لدى الرؤساء والساسة ورجال الأَعمال، ربما توفيراً للوقت، وربما لأَنَّ المشاركة في تناول الطعام تبدِّد، نوعاً ما، فتور العلاقات وقد تعكس معها أَيضاً بعضَ الأُلفة والبهجة.
وحينما تختلف العشائر يتمُّ الصلح أَحياناً بدعوة من كبير القبيلة لوليمة تجمع الطرفين المتخاصمين. الطعام هنا أَيضاً يصبح شريكاً مؤَثِّراً في عمليَّة التصالح هذه. ولأَنَّ الطعام يعكس ثقافات الشعوب وعاداتها، تجدر الإشارة إلى أَشهر خمسة مطابخ في العالم، والتي يمكن تقسيمها وفق الأقاليم الجغرافية، وهي: المطبخ الشامي، والمغربي، والإيطالي، والفرنسي، والصيني. هذه المطابخ الخمسة تقدم أَطباقاً اشتهرت بها وصارت عالميَّة. تتربع على رأس قوائم الطعام في أَكبر الفنادق والمنتجعات السياحيَّة الثريَّة. ويكفي أَن يعلن مطعم أَنَّه يقدم الطعام الصيني أَو الفرنسي حتى يضمن إِقبال الزبائن.
تجدر الإشارة إلى أَنَّ الولايات المتحدة التي تغزو العالم بوجباتها السريعة لم تتمكن من التميُّز في مجال المطبخ الراقي.
منذ القِدم نال موضوع الغذاء الصحي اهتماماً كبيراً.. إِذ قال الطبيب والمفكر اليوناني المعروف هِبوقراط في القرن الرابع قبل الميلاد: ليكن دواؤُك في غذائِك.. وإِذا كانت هذه المقولة المهمَّة جعلت للأَطباء سُلطة على غذاءِ الإِنسان، فإِنَّها على صعيد آخر أَرستْ معها أَهميَّة الطعام الصحيّ المفيد الذي يغني المرءَ عن زيارة الطبيب وعن التعرُّض لمشكلات صحيَّة قد تتطلب المتابعة الطبيَّة المستمرَّة وربَّما أَيضاً التدخلات الجراحيَّة.
واللافت للنظر هنا أَنَّ العالم كلَّه صار يهتمُّ بنوعيَّة الطعام، ومدى فائدته للصحة. واشتهرت برامج الطهي في كافة وسائل الإِعلام من الصحافة إِلى التليفزيون إِلى الإِنترنت. وصارت كتب الطهي تحتلُّ لقب الكتب الأَكثر مبيعاً في عالم النشر. وأَصبح هناك مسميات شهيرة للأَطعمة تتداولها وسائل الإِعلام كنوع من التنويه إِلى الطعام الصحي المفيد مثل: طعام الطاقة، طعام الذكاء، طعام الفيتامينات الذي يُقدَّم حينما يُصاب المرءُ بنزلات البرد...إلخ.
وتبقى الإِشارة أَيضاً إِلى الأَطعمة الشعبيَّة الرخيصة والتي لا تستغني عنها الشعوب نظراً لقلَّة تكلفتها من ناحية وعظم قيمتها الغذائيَّة من ناحية أُخرى. هذه الأَطعمة اكتسبتْ كذلك مكانة لدى الموائِد الثريَّة الأَنيقة، وصار معترفاً بها في فنادق الخمس نجوم. ربَّما تُقدَّم كنوع من الأَطعمة الفلكلوريَّة إِلى جوار الأَطباق الباهظة لإِرضاءِ كافة الأَذواق. لعلَّ أَشهرها عندنا طبق الفول والفلافل وسلطات «الباذنجان» والحمُّص.. إلخ. ونال طبق الفلافل المصري الشهير (الطعميَّة) مكانة خاصة محليَّة وعالميَّة على حدٍّ سواء، وصار محلَّ إِقبال في كلِّ دول العالم.
هناك من يعتبر مختلف المواد الغذائية والتقاليد وسيلة لاستكشاف مختلف المجالات الثقافية، بما في ذلك قضايا المعيشة والاقتصاد، والجندريَّة والطبقات العرقيَّة، والهويّات العرقيَّة والقوميَّة، وحتى أَكثر من ذلك. بالاعتماد على نتائج الاستطلاعات والمناقشات، سوف أُسلِّط الضوءَ على مجموعة واسعة من الأَفكار والمعتقدات بالإِضافة إلى مجالات المقاومة الناشئة للعولمة وللتنوُّع الثقافي والتي أَصبحت مرئيَّة بشكل واضح أَكثر.
كيف يمكن للطعام أَن يكون منطلقاً للنقاش والكتابة والممارسة الفنيَّة؟ كيف له أَن يثير فينا تساؤُلات حول معتقداتنا وسلوكنا، بل وحتى تاريخنا؟
الطعام يمثل بلا شك جانباً من الثقافة البشرية، وهو يحمل تراكمات الماضي، ويقبع بين طبقاته كدافع ومحرِّك لوقائِعه وأَحداثه. الطعام هو أَحد العوامل التي ساهمت في دفع البشر مثلاً إِلى الاستقرار وتنظيم أَنفسهم في جماعات، ومن ثم ظهرت الحضارات وأُسِّست الممالك واشتعلت الحروب.
هل ندرك تلك الأَهمية الكبيرة للطعام؟ الطعام يسري في أَنسجتنا، هو جزءٌ من مكوننا الفسيولوجي وأَحد أَهم جوانب نشاطنا وسعينا اليومي، فهل نستطيع الحياة من دونه؟
إذا سلطنا الضوءَ على كلّ هذه التفاصيل المتشابكة والمرتبطة بالطعام، الأَمر الذي قد يلفت أَنظارنا إِلى أَسرار الطعام الخافية والمُعلنة. كما وأَن قليلاً من التأَمُّل في هذه الأسرار يكشف لنا علاقتنا الشخصية بالطعام والأَكل كمثير ثقافي ومحفز للذاكرة، وكمنتج إِبداعي وباعث للحنين والبهجة والأَسى أَحياناً.
من الطبيعي أن يثير هذا الموضوع التساؤُلات المُلحّة، التي بدورها تلعب دورًا هامًّا في تغيير نظرة البعض منهم إِلى الطعام كوسيلة للإِشباع وتجاوز هذه النظرة إِلى تحليل ثقافة الأَكل والطعام من جوانبها الثقافيَّة:
الأكل كحامل لطبقات من التأثيرات التاريخيَّة في أَسماءِ الأَطعمة وعلاقتها بذاكرة الشعوب والصراعات والهجرات والتأثيرات الثقافيَّة بين الشرق والغرب.
أَو علاقة الأَكل بالهُويَّة الجنسيَّة والطقوس الدينيَّة.
وكذلك الطعام أَو الإِطعام كسُلطة.
وكمدخل لقراءَة إِثنوغرافيَّة لما يدور حولنا.
لا تنفصل ثقافات الشعوب في الطعام عن ثقافة المجتمع العامة، فكل مجتمع يحاول تأصيل هويَّته بانفراده بثقافة طعامه التي تختلف عن الآخرين، وقد لا يروق طعام قوم لقوم، لكن في النهاية يبقى الطعام هو أَحد خصائص المجتمع الذي يميزه عن الآخرين.
الكاتب الفرنسي “جان بريلات” له مقولة شهيرة تختص بالطعام، فهو يقول “قل لي ماذا تأكل.. أَقول لك من أَنت“، ويُفهم من ذلك أَن شخصيّة الإِنسان تظهر للآخرين من خلال الطعام الذي يتناوله، وطريقة إِعداده وطهيه وآداب المائدة.
الطعام يقوي العلاقات الاجتماعيَّة بين الناس
يقترب الناس من بعضهم البعض عندما يجتمعون على مائدة الطعام، فالأُسرة تجتمع كاملة وقت الطعام، ورجال الأَعمال يعقدون صفقاتهم على موائد الطعام، ورؤساءُ الدول يحيّون بعضهم البعض بالموائد الفاخرة، وفي بلاد الشرق يُقسِمون بأَكل العيش والملح، وفي عالم الحبّ والجنس يلعب الطعام وأَصنافه دورًا كبيرًا في تشكيل المناخ الإيجابي للأَحباء والعشّاق.
لماذا الطعام هو الطريقة الأَفضل لفهم الثقافة؟
إِذن، من كل ما سبق نفهم أَنَّ الطعام يلعب دورًا هامًا في حياتنا، والطعام الذي نأكله متشابك بشكل معقَّد مع ثقافتنا. يمكننا التعلم الكثير عن ثقافة معيَّنة من خلال استكشاف أَنواع الطعام وعاداته. وبكلمات أُخرى يمكن القول أَنَّه من الصعب تحديد ثقافة بالكامل دون الإِشارة إلى مطبخها. بالتالي نشأَت السياحة الغذائيَّة كطريقة جديدة تماماً للسفر، لقد أَخذ بعض الناس تكامل الطعام والثقافة إِلى مستوى جديد. لا تكتمل الرحلة التي يقومون بها بدون خطَّة وجبات مدروسة مُسبَّقاً وبشكل جيِّد. وبذلك يقومون باستكشاف ثقافة جديدة عن طريق المطبخ والمأكولات المميزة له.
مؤخراً، لم تعد السياحة تقتصر على استكشاف المناطق السياحيَّة فقط، بل تطوَّر نوع جديد من السياحة يُعرَف بسياحة الطعام والشراب، ويقوم هذا النوع بشكل أَساسي على استكشاف الطعام والشراب الخاص بثقافة شعبٍ أَو بلد معين، أَو تعلُّمِ طرقِ إِعداده، وتجربة الطعم الأَصلي للطبق في بلده الأُم. وتشمل سياحة الطعام فصول تعلِّم الطَّهي على أَيدي خبراءِ الطعام المحليّين، وكذلك جولات الطعام والشراب سواءَ في المطاعم والبارات المحليَّة أَو المزارع وأَماكن التصنيع، كما تشمل أَيضاً مهرجانات الأَطعمة.
ووفقاً للجمعيَّة الدوليَّة لسياحة الطعام (The International Culinary Tourism Association) فإِنَّ هذا النوع من السياحة يشهد نموّاً مطرداً، خاصة مع ازدياد القنوات التي تساعد على التعريف به، مثل قنوات التلفاز المتخصِّصة والأَفلام الوثائقيَّة والمدوَّنات المتخصِّصة والتي تستعرض الكثير من وجهات السَّفر المميَّزة لمحبّي الطعام، وهو ما أَدّى إِلى ازدياد هذا النوع من السائحين.
تقدِّم سياحة الطعام تجربة أَصيلة للسائح وتمنحه فرصة للتواصل مع ما هو فريد وأَصيل ومُرتبط بشكلٍ جذريٍّ بتاريخ كلِّ بلدٍ وثقافتها المميَّزة. على سبيل المثال يعتبر الطبق المغربي من أشهر وأغنى الأطباق في العالم حيت نجد فيه تراكماتٍ من التلاقح الحضاري والكثير من الثقافات التي أَثَّرت في المطبخ المغربي مثل: العربي والأَمازيغي والموري (العرب المنحدرين من الأندلس) والمطبخ اليهودي المغربي والمطبخ العثماني (خلال القرن السادس عشر) ومُجمل ما دخل عليه من ثقافات أوروبيَّة أَثناء فترة الاستعمار الفرنسي، إذ أَنَّ الطبق المغربي بكل تنوُّعاته باتَ يعكس تعاقب الشعوب والحضارات على أَرضه، فبإِمكانك أَن تتبع تاريخ المغرب والتأثيرات الثقافيَّة المختلفة للسكان الأَوائل والمهاجرين والمحتلّين عبر أَطباقه. وقد اختلطت كلُّ هذه الأُصول الثقافيَّة وامتزجت معاً على مرّ العصور لتُخرِج أَطباقاً مغربيَّة مميَّزة ليس لها مثيل، تُمكّنك من تذوُّق التاريخ عبر كل ملعقة.
السائح لمدينة طرابلس في لبنان، المدينة التاريخية المُطِلَّة على البحر المتوسط والتي أَسَّسها الكنعانيون منذ أَكثر من 3500 عام، تضم أَكثر من 160 مَعْلَماً أَثريّاً، ولا يزال شطر منها يحتفظ بمبانيه التي تعود إِلى العهد المملوكي.
لا تكتمل زيارة طرابلس دون خوض تجربة نكهاتها المتنوِّعة، حيث يختزن المطبخ الطرابلسي المطبخين الشامي والتركي في آن، ليخلص إِلى هُوِيَّة خاصة به على غرار الشخصيَّة اللبنانيَّة، ويَقصد اللبنانيّون طرابلس لتناول بعض الحلويات العربيَّة التقليديَّة، التي لا توجد بالجودة والطعم ذاتِهما خارجَها، مثل حلاوة الجبن بالقشدة وحلاوة الشميسة والمفروكة والجزريَّة والمعجوقة، كما يمكن أن يتذوَّق بعض الأَطباق المالحة كالمُغربيَّة واللَّحم بعجين مع دبس الرمان، كما تقدِّم إِليك مدينة الميناءِ الجزء البحري من طرابلس مذاقاً خاصاً بالمأكولات البحريَّة والأَسماك.
المطبخ الحلبي هو فنُّ الطهي المستوحى من روح عدَّة حضارات
كما هو معروف عن مدينة حلب، فهي إِحدى أَقدم المدن المأْهولة بالسكان في العالم، فهي مسكونة منذ بداية الأَلفية السادسة قبل الميلاد. وتعتبر حلب من أَكبر المدن في بلاد الشام، فقد كانت في البدء عاصمة لمملكة يمحاض لسلالة العموريين، وتعتبر مملكة العموريين التي أُسست على الأَراضي السوريَّة وأَراضي ما بين النهرين أَوَّل دولة في تاريخ الإنسانيَّة. تعاقبت عليها بعد ذلك حضارات عدة، مثل الحثيَّة، والآراميَّة، والأَشوريَّة، والفارسيَّة، والإِغريقيَّة، والرومانيَّة، والبيزنطيَّة، والإِسلاميَّة.
إِن سوريا مهد الفنون، العلوم والديانات. منذ المنشأ، يمكننا أَن نجد أَقدم الرسوم الجدارية، المنحوتات الدينية أو الزخرفية، الإرث الثقافي والعلمي في مجال الرياضيات والفلسفة وكذلك علم الأَساطير. كل ذلك ساهم في يقظة الحضارات.
برزت حلب في العصريين الأُموي والعبّاسي وأَصبحت عاصمة لدولة الحمدانيَّة، وفي العصر العثماني تنامت أَهميَّة حلب حتى صارت ثالث أَهم مدينة في الإِمبراطورية العثمانيَّة بعد الأَستانة والقاهرة، مروراً بالحضارات التي قامت عليها منذ آلاف السنين وموقعها الجغرافي بين آسيا وأوروبا وإِفريقيا فقد لعبت حلب دوراً كبيراً في التجارة واستقطاب التجار من كل أَنحاء العالم؛ فكانت المركز التجاري لتلاقي القوافل من أوروبا والهند والصين وسائر بلاد المشرق والمغرب، فكانت حلب محطاً لهم، وسوقاً رائجة، ومستراحاً لكل قادم ولا سِيَّما العابرين من طريق الحرير، لأَن حلب كانت حلقة وصل بينَ طريقَي الحرير، الأَوَّل من اليمَن وإِفريقيا والثاني من الصين والهند مروراً ببلاد ما بين النهرين. وقد أَفادها ذلك في اكتساب موارد جديدة دخلت على مطبخها من حيث التقنيات والنكهات والبهارات وغيرها من الموارد، مما أَعطى أَهالي حلب خبرات كبيرة في الطبخ برفاهيَّة، مع إِضافة الحسِّ الحلبي كي يُرضي كافَّة الأَذواق من أَهالي حلب والمسافرين من شتّى بقاع العالم القديم.
وكثيراً ما نلتمس في المطبخ الحلبي والمائدة الحلبيَّة التميُّز والتنوُّع بعدَّة جوانب متزاوجة من عدَّة حضارات مثل التركيَّة، والفارسيَّة، والأوروبيَّة، والصينيَّة، والهنديَّة، والأَرمنيَّة. كلُّ هذا التمازج شكَّل أَساسات ومعايير للوصفات التي انتقلَت عبر الأَجيال ومن بيت إِلى بيت مع قليل من الفوارق والاجتهادات الخاصة لدى كل عائلة حلبيَّة.
طعامنا التقليدي والعولمة
إِنَّ التغيُّرات والتأْثيرات السريعة التي أَحدثتها ثورة الاتصالات طالت كلَّ مكان وجعلت العالم قرية كونيَّة صغيرة. وبما أَنَّ العَوْلمة ليست فقط تجارة مواد ورؤوس أَموال، وإِنَّما أَيضا تجارة أَفكار وأَذواق، فإِنَّها تشكّلُ التهديد الأَساسي للثقافات المحليَّة، لأَنَّها تعمل على خلق «ثقافة كونيَّة موحَّدة». إِضافة إِلى تهديد العَوْلمة للثقافات المحليَّة لا يمكن التغاضي عن الدور السلبي غالباً الذي يلعبه أَصحاب الثقافة المحليَّة من تجاهل وعدم حفظ تراثهم الخاص، والتبنّي السريع غير المدروس لكلِّ ما هو جديد وحديث.
كذلك أَيضاً الفهم الخاطئ لما يعنيه التراث ومواده، لأنَّ ما يُعتَنى به غالبًا هو المغرق بالقِدم وشديد الأَهميَّة التاريخيَّة (مثلاً المباني الأَثريَّة) أَو يُؤَوَّل فقط ليكون قديماً وغير هام ولا يتناسب مع ما وصلنا إِليه من «حداثة».
قد لا يكون تأْثير العولمة مباشراً على المطبخ التقليدي، ولكن نتيجة الانفتاح والتحوُّل نرى أنَّ المواد الأَساسية (الزراعيَّة والاستهلاكيَّة) في مطبخنا التقليدي قد تغيَّرت وتبعها بالتالي تحوُّل أَصناف الطعام أَيضاً. ففي المنزل حيث ما زالت تُحفظ بقايا أَطباق محليَّة من وقت لآخر بدأَت الأَطباق المستورَدة تحلُّ محلَّها. أَمّا في المطاعم فنادراً ما توجد قائمة طعام أَطباقها محليَّة صرف. ولا بدَّ هنا من ذكر مثال «البيتزا» التي تُعتبر من المطبخ الإيطالي التقليدي بامتياز ولها عدة أَنواع. أَمّا الطبق التقليدي الأَساسي منها وهو «بيتزا نابولي» فله قانون خاص لحماية «أَصل المنشأ» لهذا الطبق، ومع العولمة وشركات الطعام الأَمريكيَّة وإِعلاناتها أَصبحت البيتزا من أَطعمة العولمة بامتياز، التي يتهافت عليها الشباب في كلِّ الأَماكن كنوع من «طعام موضة» الذي يجعل متناوله يواكب كلّ «الحداثة»!! فباتت تُحضّر في كلِّ بيت إِضافة إِلى الكثير من الوجبات السريعة الأُخرى ولا ننسى المشروبات أَيضاً مثل الكولا. كذلك اندثرت تقريباً المؤونة المنزليَّة، والقرويَّة خاصةً، وباتت تعتمد على السوق بشكل رئيسي حيث يتمُّ شراءُ الخضار والحبوب والبرغل الجاهز وما إِليه، إِضافة إِلى المنتجات الاستهلاكيَّة الجديدة المتوفرة غالباً في أَيِّ وقت. وهكذا فقد بات مطبخنا يعجُّ بالمأكولات السريعة والمستوردة التي لا تتلاءَم مع مناخنا وطبيعتنا وثقافتنا...الخ. والأَهم أَنَّنا لا ندرك أَصلها أَو أَي معلومات عن مصدرها. ولا ننسى التشابه الكبير الذي حصل في مطابخنا رغم اختلاف الأَماكن والثقافات فالمواد واحدة أَو متشابهة وكذلك الأَطباق ويبقى الفرق بقايا أَطباق تقليديَّة محليَّة إِن وُجدت تُضفي نكهة خاصة للمكان.
بكلِّ تأكيد هذا لا يعني أَبداً أَن نكون مُنغلقين على أَنفسنا كي لا نتأَثر بما يحدث ونُحافظ على تقاليدنا، ولكن من الضروري أَن نعي ما نتأَثر به ونحن ثابتون على أَساسنا المحلّي الصلب الذي يحفظ لنا «هويتنا» لا أَن نتبنّى أَيَّ شيءٍ فقط لمواكبة «الحداثة». للأَسف ومع كلِّ ما تقدم فإِنَّه لا يوجد حسّ مسؤول عمّا يضيع من تراثنا المحلّي مع سرعة التغيُّرات مهما كان بسيطاً ومنه أَطباقنا التقليديَّة، لأَنَّ مجمل ما يضيع وما يُهمل هو ما يُشكِّل قسطًا هاما من صورتنا وهويتنا.
دائماً عندما نريد أَن نكتشف الشعوب ننظر إِلى ما يأْكلون، وبما أَنَّ الأَطعمة كالبشر دائمة الهجرة، ولطالما سافرنا إِلى بلاد كثيرة من خلالها، فعلينا اليوم أَن نحافظ على هُويَّة ثقافة الطعام، كما يفعل الفرنسيون كلَّ صباح عندما يبحثون عن الرغيف الفرنسي bugutte ليأكلوه مع الزّبدة، وكيف حال الهنود يبحثون عن أَكلهم أَينما كانوا ولا يستغنون عنه. جاءَ الوقت لنحافظ على هُويَّة الطعام العربي والسَّعي لنشره بين الدول والمجتمعات مع الاهتمام الدائم بالبعد السوسيولوجي والأَنثربولوجي للحفاظ عليه دائما وأَبداً، ولو تغيرت الأَزمنة والأَماكن.
ثقافة الطعام الفلسطيني وتعميق الروابط الاجتماعية
ارتبطت ثقافة الطعام في بلادنا وديارنا المقدسة مهد الحضارات القديمة والديانات السماويَّة بعقيدة الإِنسان وروح الشَّعب، فالطعام ليس مجرَّد مواد عضويَّة وغير عضويَّة يتناولها الناس للبقاءِ على قيد الحياة، بل هو أَبعد غوراً وأَعظم وأَجلّ شأناً. إِنَّه مفردة من مفردات حياتنا الاقتصادية والأَمن الغذائي. ومن دلائِل استقراره وسعادته، وقوَّته، وغناه، وهو مفردة من مفردات الحياة السياسيَّة والاجتماعيَّة والتربويَّة أَيضاً.
فالطعام من معالم حضارة الشعوب وملمح مهم من ملامح الهُويَّة، والسبب أَنَّ الطعام يُشكِّل نموذجاً حيّاً لأُسلوب ونمط الحَياة الشائعة في مجتمعنا العربي الفلسطيني، فهو ترجمة لمجموعة القيم والأَفكار والعادات والتقاليد المتوارثة والمُتأَثِّرة ومنها ما ارتبط بالشرائع والأَحكام الدينيَّة. هذه القيم أَظهرت احتراماً وتقديراً للكرم والإِنسان الكريم، وحثَّت على تقديم الطعام بسبل متعدِّدة تضمن دوام تداوُلِه بين النّاس والعمل على تنمية مصادره وحفظها من الزَّوال.
ارتبط تاريخ شعبنا بعادة الكرم العربي وقُدِّر الكرماءُ عبر التاريخ أَمثال حاتم الطائي. واعتُبرت البشاشة والترحاب بالضيف أَمراً سياسيّاً مهمّاً أَكثر من الطعام ذاته. وامتلأَت صفحات أَدبنا العربي في مدح الكرماءِ وذمِّ البخلاءِ، مثل كتاب البخلاء للجاحظ الذي يتندَّر في رواية قصصهم ومواقفهم.
وفي كلِّ الديانات السماويَّة نجد فرض الصيام وإِن اختلفت اشكاله ما بين ديانة وأخرى، إِلّا أَنَّ شهر رمضان هو شهر الصيام والامتناع عن تناول الطعام طول النهار، وفي نفس الوقت هو شهر تقديم الطعام ووهبه للفقراءِ والمساكين والمحتاجين له (الصدقات ولو بالقليل القليل "تَصَدَّقوا وَلَو بِشقِّ تَمْرَة")، وهو تكريم واجتماع على فعل الخير والضيافة وصلة الرَّحم ونشر المودَّة والرَّحمة بكثافة وقصد وهدف نبيل.
كما ونجد أَنَّ الطعام وسيلة من وسائل التكفير عن الذنوب المختلفة (كفّارات) بإِطعام مسكين، وهذا عزّز قيمة الطعام في الحَياة، وفتح سُبلَ تعميمِه وتوزيعِه، وعدمِ احتكاره.
تظهر قيمة الطعام في مناسبات الفرح والسرور كالأَعراس، ويحمل المدعوّون أَيضاً ما يسمى (بالقود) مساهمةً وهديَّةً وتعاونًا على توفير مواد الطعام الأَساسيَّة كالذبائح.
وفي الصُلحات والجاهات يجب أَن يكون الطعام حاضراً للتكريم وتقديم الواجب لأَصحاب الحق والقضاة والوجوه المشارِكة والقائمة على إِنهاء الخلافات.
وهذا يعزز فكرة العلاقات الاجتماعية الحسنة بين الناس ومقولة "بيننا خبز وملح"، بمعنى أَن تداول الطعام بين بعضهم البعض يحول دون تصعيد الحزازات والعداوة والبغضاء، ويوفر أَجواءَ الرِّضا والقبول والتسامح والاحترام المتبادل بواسطة آليَّة تقديم الطعام والاجتماع على تناوله بروح من الوئام والمحبَّة والأُلفة.
ومن العادات والتقاليد في ميدان ثقافة الطعام في بلادنا ما يلي:
إِعداد الطعام ونحر الذبائح عند وضع أَساسات البيوت ويوم عقدها، وكذلك المباني العامة كالساحات، والمضافات، والمساجد، والمدارس.
إِعداد الطعام لأَهل الميِّت بسبب انشغالهم في الحادث المُؤْسِف وبسبب عدم التمكُّن من إِعداد الطعام بأَنفسهم؛ حيث يجتمع الأَهالي للقيام بمراسيم الدَّفن والجنازة فلا تتوفر لديهم الرغبة أَو الوقت لإِعداد طعامهم بأَنفسهم، فتقوم جماعة أُخرى من الأَصدقاء والجيران والمعارف بالعمل على توفير هذا الطعام، ودعوة المنقوصين واحترامهم ومواساتهم وتكريمهم بعد إِنجاز الدفن، ويوفِّرون لهم أَجواءً من التقارب والتضامن والعزاءِ والاحترام ويستضيفونهم في مضافاتهم ويقدِّمون لهم الطعام.
ومن العادة أَن هذا الطعام الجماعي له نظام وهو متبادل بين الناس وهو قرض ودين، حيث يبقى الناس مستعدين للقيام بواجب من قام بواجبهم، وهذا دليل آخر على أَهمية تقديم الطعام وعلى دوره الاجتماعي والإِنساني وتوثيق الصلات بين العوائل والمجتمع. فثقافة الطعام تدخل في كل بندٍ من حياتنا المجتمعيَّة في السرّاءِ والضرّاءِ، عند الفرح والحزن أَيضاً، كما ويتبرع الناس بمواد غذائيَّة وطعام وشراب للقرى والمناطق المنكوبة او المحاصرة من الأَعداء، والتي تُعزل لفترة يحتاج الناس فيها إِلى المؤَن والغذاء.
ومن العادات والتقاليد ان هناك مناسبات تراثيَّة شعبيَّة يجد الناس فيها فرصاً لتقديم الطعام مثل عادة خميس البيض في الربيع، وهي عادة قديمة جداً منذ عهد حمورابي، والاحتفاء بالربيع عند الشعوب يصحبه إِعداد الولائِم والحلوى والمهلبيَّة والكعك والزلابية والفطائر عن أَرواح الموتى، وخميس الأَموات عادةٌ شعبيَّة عند المسلمين والمسيحيّين، وعيد الفصح المسيحي هو عيد انبعاث الحياة، ويأتي بعد صيامهم عن الغذاء الحيواني.
ومن العادة أيضاً أن توزَّع صدقة من الحلوى أَو أي طعام عند فتح قبر العائلة، فيقوم ذَو الميِّت السابق بتقديم هذه الصدقة عن روح ميِّتهم الأَول بعد دفن الميِّت الجديد.
إِنَّ طرق الطهو وإِنضاج الطعام الفلسطينيَّة هي عامَّة وعالميَّة حيث يتمُّ إِنضاج الطعام بنفس الطرق من سلق، وشيّ، وقلي، وكذلك استعمال طرق الحفظ والتخزين كالتمليح، والتجفيف، والتعليب، ... الخ، هي عالميَّة أَيضا ولكن الخصوصيَّة هي في التعامل مع ما تنتجه الأَرض والبيئَة والمناخ الفلسطيني المتعدِّد المناطق ما بين الغور والجبل والسَّهل السَّاحلي من إِنتاج متنوِّع في مواسم منوَّعة، ما يثري ويغني سُبل الإِبداع في الإِنتاج الغذائي على مدار العام، ويزيد فرص الاستمتاع بالنِّعم والخيرات وازدهار الخبرات، وتميِّز الثقافة الطعاميَّة والغذائيَّة والصحيَّة والبيئيَّة المتكاملة والشاملة.
لذا نجد أَطباقاً تحمل اسم وشهرة مكان إِنتاجها بقوَّة وكثرة، كالعنب الخليلي، الباذنجان البتيري، والفقوس الساحوري، والجوافة القلقيلية، والبرتقال اليافوي، والموز الريحاوي، والمشمش البيت جالي والجفناوي، والخس الأَرطاسي، والبطيخ الجنيني أَو البَطوف، والقمح السيلاوي، والبصل المنداوي (وقبل الإحتلال كانت سموعية مشهورة بالبصل)، وملوخيَّة صندلة، وزيتون الرامة، وبامية مجد الكروم... الخ.
الفلسطيني، وقيمة المنتج البلدي عنده مُقدّرة، حيث إِنَّ لديه حسٌّ ووعي بالغزو الثقافي وسرقات العدو لتراثه ما يحصنه من التغريب الحضاري، عن هذا يقول المُفكر التنموي الفلسطيني حسن مصطفى: - (... والحياة الثقافيَّة تماماً كالحياة الطبيعيَّة، فمثلما نأْكل من نبت بلدنا وفاكهة بلدنا ونشرب من عيننا لنكوّن حياتنا الطبيعيَّة، كذلك نردِّد أَغانينا وندبك دبكاتنا وننهل من موردٍ أَقوى لنا لنكوِّن شخصيَّتنا الطبيعيَّة. إِنَّ الذي لا يُغذّي حضارته الشعبيَّة ولا يتغذّى بها يفقدُ شخصيَّته وطابعه ويخسر بالتالي قيمته في الحَياة).
هذه هي الخصوصيَّة والطابع أَي (الهُوِيَّة) والميزة الثقافية بالمتعة والسرور والاستدامة والحفاظ على النِّعم في بيئة معطاءَة يعيش عليها ويتفاعل معها بجدٍّ واجتهادٍ وليستخلص منها رزقه، ومعاشه، وهو يتغزَّل ويغنّي ويرقص ويروي الحكايات ويصيغ تراثه وثقافته وهُوِيَّته.
خـــاتمــة ورؤى
إِنَّ حفظ التراث المحلّي هو حفظ لثراء وتنوع يعطي الثقافة هويّتها ومقوِّماتها. ومع التغيُّرات السريعة هناك حاجة ماسَّة لرفع الوعي وإِبراز أَهميَّة التراث المحلّي بكلِّ عناصره مهما كانت بسيطة وكذلك ضرورة حفظه بطريقة مناسبة للاستفادة من الفوائد الكامنة من حفظ هذا التراث.
إِنَّ الهجوم على العولمة لا يعني أَبداً صمَّ الآذان ومنعَ التغيير وإِنَّما التمسُّكَ بالهوِّية والتميُّز مع الاطلاع والاستفادة من التجارب العالميَّة وتطبيقها بما يتناسب والذوق المحلّي، وكذلك الاستفادة من التقنيّات الحديثة للاتصالات لإيصال إِنتاجنا وتراثنا وتجاربنا أَيضًا. إِنَّ تراثنا بكلِّ غناه ليس فقط «ماضيًا» نتذكره ونفخر به فقط وإنما يجب أن يكون منجمَ فوائدَ معنويةٍ وماديَّة معاً في وقتٍ واحد.
يقول الناشطون بيئيًّا «فكّر عالميًّا وتصرَّف محليًّا» ويقول الناشطون ثقافيًّا «فكّر محليًّا وتصرف عالميًّا» وبالتالي لا بدَّ من الإسراع بخلق مبادرات محلية وتنميتها لتنتشر وتنشُر ثقافتنا. قد يكون مطبخنا عنصرا أساسيا للبدء. يمكن القول إن أول ما يجب القيام به كخطوة عاجلة هو التوثيق الكامل لكل أطباقنا المحلية ومناسباتها وما يترافق معها من عادات اجتماعية. وهذه مَهَمَّةٌ تقع على عاتق كل مهتم ومثقف. إذا ما ملكنا أرشيفا لمطبخنا التقليدي في كل مكان فإن أي خطوة تالية يمكن القيام بها بسهولة نوعاً ما، لأن المرجع سيكون موجودا. وهنا يمكن اقتراح أن يتمَّ تشجيع برامج تُعنى بالأَطباق المحليَّة أو تنشيط دور المعاهد الفندقيَّة والشباب فيها، وذلك بغيةَ إنتاج أَطباق جديدة أَساسها الأَطباق المحليَّة، أَو المبادرة بمهرجانات طعام تقليدي منوَّع ومتجدِّد في أَمكنة متنوِّعة من بلدنا، تبيِّن التميُّزَ والتفرُّدَ لكلِّ منطقة، أَو إيجاد مسابقات لطبخ الأَطباق المحليَّة وتسويقها، أَو إِنتاج مطبوعات ومنشورات بشكل علمي وبعدة لغات تُعنى بمطبخنا التقليدي وتصل لأَكثر من عدد «محدود» من القرّاء...الخ. مهما تكن هذه المبادرة - لا بدَّ أَنَّ لدى الكثيرين أَفكارًا أخرى يجب أَن تُعطى الفرصة لتجد هدفاً، على الأَقل بلفت الانتباه لأَهميَّة هذا العنصر الرئيسي من تراثنا والتأْكيد على غناه وضرورة حفظه. وبالتّالي يمكن التفاؤُل والقول إِنَّنا نملك كلَّ المقوِّمات اللازمة لإِطلاق مبادرة محليَّة ترقى إلى العالميَّة، فلدينا الموارد الغنية في تراثنا ولدينا العقول المبدعة والسواعد العاملة. فلِمَ لا نستفيد من أَطباقنا التقليديَّة باختراع أَطباق جديدة ومتجدّدة تنتمي لنا وتكون رسالتنا حفاظاً على هُوِيَّة وتميُّز مطبخنا في وجه العَوْلمة أَو «الثقافة الموحدة».
د. يوسف حنا
طبيب أَمراض داخليّة وعائلة، شاعر ومترجم. من مواليد قرية الرامة في الجليل الأعلى. يسكن منذ 34 عام في الناصرة. طبيب اختصاصي أمراض داخلية (باطنيّة)، يكتب الشعر منذ أكثر من 40 عام ، ويترجم الشعر من وإلى الإنجليزية والرومانيّة ، وقد صدر له ديوان ترجمة للشاعرة البولندية الكبيرة ڤيسواڤا شيمبورسكا والحائزة على جائزة نوبل للأدب عام 1996.
وما زالت 8 دواوين من الشعر المترجم لشعراء عالميين تنتظر النشر. من المؤسسين لجمعية "أورفيوس" لنشر الثقافة الموسيقية متعدّدة الحضارات ورئيسها متطوّعاً منذ تأسيسها سنة 2003.
عضو هيئة إدارية لجمعية "مسار - مؤسسة تربوية" منذ 23 سنة التي أنشأت المدرسة المميزة "مسار" في الناصرة. كما درس لمدة 12 سنة الموسيقى النظرية والعزف على الأورغان الكنسي والبيانو.