الشيخوخة والنسيان عند المجتمع العربيّ في إسرائيل: أهمية تعزيز الاحتياط المعرفي والوقاية
أظهرت الأبحاث أن الأفراد الذين يمتلكون مستويات أعلى من الاحتياط المعرفي يمكنهم تحمل أعراض المرض بشكل أفضل وقد يتأخرون في ظهور أعراض التدهور الذهني ومرض الزهايمر وقد تكون لديهم قدرة أفضل على الحفاظ على وظائف الدماغ الصحية مقارنة بأولئك الذين لديهم احتياط معرفي أقل.
ويشير مفهوم الاحتياط المعرفي (Cognitive Reserve) إلى قدرة الدماغ على التكيف والتعافي من تدهور الوظائف المعرفية نتيجة للشيخوخة أو الإصابة بأمراض مثل مرض الزهايمر وغيرها من أمراض النسيان (Dementia) عند كبار السن، كما في دراسات علوم النفس والطبّ. ومع ذلك، لا يزال البحث مستمرًا لفهم آليات الاحتياط المعرفي بشكل أكبر وكيفية تحسينه وتعزيزه. قد يكون الاهتمام بالنشاط العقلي والاجتماعي والحفاظ على الصحة العامة عوامل مهمة في بناء الاحتياط المعرفي وتأثيره الإيجابي على صحة الدماغ لدى كبار السن.
الاحتياط المعرفي هو مفهوم معقّد يعتمد على عدة عوامل تؤثر عليه، مثل نمط الحياة، والبيئة الاجتماعية، والجينات والصحة العامة، إذا ما هي العوامل الأكثر تأثيرًا؟
التأثير الثقافي: اللغة هي أداة رئيسية في نقل المعرفة والمفاهيم الثقافية. أشارت الأبحاث إلى أن تعدد اللغات (multilingualism) يزيد بشكل كبير من الاحتياط المعرفي. وذلك لأنه تختلف اللغات والثقافات في طريقة التعبير والتفكير، وهذا يؤثر على كيفية تحليل المعلومات وتخزينها واسترجاعها في الذاكرة. تشكل المفاهيم الاجتماعية جزءًا من الثقافة وتحدد كيفية التفاعل والتواصل مع الآخرين. بالإضافة تؤثر القيم والمعتقدات الثقافية على نمط التفكير واتخاذ القرارات. كما وتعزز القراءة والكتابة من القدرة على تعلم والاستيعاب وتعزز الاحتياط المعرفي. كما أن الأمية تؤثر بشكل سلبي وكبير على الاحتياط المعرفي وتؤدي الى تدهور ذهني عند كبار السن والى تسريع الإصابة وضهور علامات مرض النسيان والزهايمر.
التأثير التعليمي: المستوى التعليمي يلعب دورًا حاسمًا في تعزيز الاحتياط المعرفي. كلّما ازداد مستوى التعليم والتحصيل العلمي، ازدادت القدرة على استيعاب المعلومات وحلّ المشكلات المعقدة. التعليم يوفر فرصًا للوصول إلى المعرفة والتعلم من مصادر متنوعة، مما يساهم في توسيع الاحتياط المعرفي وتحسين القدرات العقلية. كما وان بيئة التعلم والمحفزات العقلية الموجودة في المدارس والجامعات تسهم في تحفيز الذهن وتعزيز الاحتياط المعرفي. أي حينما تجتمع الثقافة والتعليم معًا تساهم في بناء خلفية واحتياط معرفي عند الأفراد. إن الثقافة تحدد كيفية تعامل الفرد مع المعلومات والمفاهيم، بينما التعليم يزود الفرد بالأدوات والمعارف اللازمة لتطوير الاحتياط المعرفي واستثماره بشكل أكثر فاعلية. بالتالي، دمج الثقافة والتعليم يساهم في بناء مؤسسة قوية للفهم والتعلم وتطوير القدرات العقلية للفرد على مدار حياته، وتقلل من خطر الإصابة بالأمراض الجسمانية والذهنية.
النشاط العقلي والتحفيز الذهني: المشاركة في أنشطة تحفز العقل وتمارس الذهن مثل حل الألغاز، ممارسة الأنشطة الفنية قد تساهم في بناء الاحتياط المعرفي أيضًا.
العمل ومستوى التشغيل: أشارت الأبحاث أيضًا إلى أن الاستمرار في العمل حتى جيل متقدم قد يزيد من الاحتياط الذهني. زيادة على ذلك، فان العمل في مهن عالية المستوى التي تشمل القراءة وتحليل المعلومات والتواصل الاجتماعي في العمل من الممكن يعزز بشكل كبير من الاحتياط الذهني عند الفرد.
النشاط الاجتماعي والعاطفي: الاحتفاظ بشبكة اجتماعية نشطة ومتنوعة والتفاعل مع الأصدقاء والعائلة يعتبر أيضًا عاملا هامًا في دعم الاحتياط المعرفي.
الصحة العامة والنمط الحياتي: الحفاظ على الصحة الجسدية من خلال ممارسة التمارين الرياضية بانتظام وتناول غذاء صحي والامتناع عن التدخين يمكن أن يؤثر أيضًا بشكل إيجابي على الاحتياط المعرفي.
الجينات والعوامل الوراثية: هناك دراسات تشير إلى أن الوراثة قد تلعب دورًا في تحديد مدى قدرة الفرد على بناء الاحتياط المعرفي.
الحماية من التوتر، الشعور بالوحدة والاكتئاب: تُظهر بعض الأبحاث أن الحفاظ على مستويات منخفضة من التوتر، الوحدة والاكتئاب يمكن أن يدعم صحة الدماغ ويحمي من التدهور المعرفي.
النشاط البدني والتمرين الرياضي: قد يؤدي النشاط البدني المنتظم إلى تحسين التدفق الدموي إلى الدماغ وتحفيز نمو الخلايا العصبية، مما يؤثر بشكل إيجابي على الاحتياط المعرفي.
تجمع هذه العوامل معًا لتشكل شبكة معقدة من العوامل التي تؤثر على الاحتياط المعرفي للفرد، وهذا يشمل الجوانب العقلية والاجتماعية والجسدية. يجب أن يكون الحفاظ على نمط حياة صحي ونشاط عقلي واجتماعي متوازن لدعم صحة الدماغ وتعزيز الاحتياط المعرفي على مر العمر.
الاحتياط المعرفي عند كبار السن داخل المجتمع العربي في اسرائيل
يعتمد الاحتياط المعرفي عند الأقلية العربية في اسرائيل على العوامل ذاتها التي ذكرناها أعلاه. بالمقابل أشارت بعض الدراسات العلمية على التحديات التي تواجه الأقلية العربية في إسرائيل في مجال التعليم والفرص المعرفية تشير إلى أن الأغلبية العظمى من كبار السن العرب لا يعرفون القراءة والكتابة وتعلموا حتى المدرسة الابتدائية. كما وأن غالبيتهم عملوا بالزراعة او أعمال جسمانية شاقّة وأخرى لا تحتاج إلى شهادة مدرسية في حينه. المعطيات تشير أيضًا إلى ما يزيد عن 60% من المسنين العرب دون خط الفقر وغالبيتهم ليس لديهم معاشات تقاعد والدخل الوحيد هو مستحقات الشيخوخة التي بالكاد تكفي لتغطيه الحاجات الأساسية للحياة بكرامة. كما وتشير المعطيات إن هذه الشريحة العمرية تعاني من أمراض مزمنة كثيرة ومن تدهور في الحالة الوظيفية والذهنية. كل هذه العوامل تؤثر على تقليص الاحتياط المعرفي بشكل كبير عند هذه الشريحة العمرية من كبار السن داخل المجتمع العربي.
في ظلّ هذهِ الظروف ما العمل على تعزيز الاحتياط المعرفي عند كبار السن العرب في اسرائيل، علمًا أن زيادة الاحتياط المعرفي عند كبار السن يمكن أن تساعد في تعزيز وظائف الدماغ والحفاظ على صحة الذاكرة والتفكير العقلي. بالتالي أقدم بعض النصائح لزيادة الاحتياط المعرفي لدى كبار السن:
ممارسة التحديات العقلية مثل حل الألغاز، لعب الألعاب الذكية، ممارسة الأنشطة الفنية، وحتى التعلم بشكل دوري لتحفيز الدماغ وتمرينه.
الاستمرار في اكتساب المعرفة والمعلومات الجديدة. يمكن أن تساعد دورات التعلم المستمر والتعلم عبر الإنترنت في تحسين الاحتياط المعرفي.
المحافظة على شبكة اجتماعية نشطة وتفاعل مع الأصدقاء والعائلة.
ممارسة التمارين الرياضية بانتظام يمكن أن تحسن تدفق الدم إلى الدماغ وتعزز الاحتياط المعرفي.
تناول نظام غذائي صحي ومتوازن، والامتناع عن التدخين، والحفاظ على وزن صحي هي جميعها أمور مهمة لدعم الصحة العامة والاحتياط المعرفي.
ممارسة الأنشطة الذهنية التحفيزية مثل الكتابة والرسم والموسيقى أن تحفز الذاكرة والإبداع وتدعم الاحتياط المعرفي.
التحكم في التوتّر والقلق عن طريق تطبيق تقنيات مثل الممارسة الاسترخائية والتأمل.
النوم الجيد يساعد في إعادة تجديد العملية العقلية وتقوية الذاكرة.
ممارسة الفنون والمهارات اليدوية مثل الرسم، الحياكة، الخياطة أو أي نوع آخر من المهارات اليدوية.
الابتعاد عن الروتين اليومي وتحديث النشاط وتجربة أشياء جديدة بانتظام لتحفيز عقلك.
مع مرور الوقت، قد يصبح الاحتياط المعرفي تحديًا بالنسبة لكبار السن، ولكن من خلال ممارسة الأنشطة المحفزة عقلياً والاهتمام بالصحة العامة، يمكن تحسين صحة الدماغ ودعم الاحتياط المعرفي.