الشباب الفلسطيني تحت وطأة القانون الإسرائيلي

في ذكرى يوم الشباب العالمي علينا أن نقف لحظة لنستذكر شباننا الفلسطينيين، من على جانبي الخط الأخضر، المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وأولئك الذين يواجهون لوائح اتهام قاسية في أروقة المحاكم الاسرائيلية والمهددين بالأسر المجحف لسنوات عدة.  

وفقًا لتعريف الأمم المتحدة، الشباب هم الفئة العمرية التي تتراوح ما بين سن الرابعة عشرة إلى سن الخامسة والعشرين. بينما التعريفات الإسرائيلية، كما دول أخرى عديدة في العالم، لا تخصص فئة الشباب قانونياً، وإنما تعتمد التقسيم العمري وفقاً لخانة القاصرين، أي من هم دون سن الثامنة عشرة من العمر، وفئة البالغين، أي من أتموا الثامنة عشرة. بالتالي، ليس من السهل تقصّي معطيات حول ما يعرّف بفئة الشباب تحديدًا، إذ أن مجمل الإحصائيات الرسمية، وخاصة منها المتعلقة بالشأن القانوني، تعتمد فصل القاصرين عن البالغين لا غير.  

وفقاً للمعطيات الصادرة عن المؤسسات الفلسطينية، يقبع نحو 160 أسيراً فلسطينياً قاصراً في السجون الإسرائيلية، من ضمنهم معتقَلون إداريون، أي دون توجيه أية تهمة جنائية لهم.[1]

في المقابل، تَعتبر إسرائيل نفسها من الدول المتقدمة في كل ما يخص حماية حقوق القاصرين وذلك من خلال إقرار تشريعات وقوانين، تماهيًا مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية المختلفة، تعنى بحماية القاصرين، رعايتهم وتوفير الحصانة لهم. تسري هذه التشريعات في المجال الجنائي أيضاً، حيث يخصّ القانون الإسرائيلي الجنائي القاصر بإجراءات مغايرة بعض الشيء عن البالغ، وذلك من منطلق الإقرار بخصوصيته نتيجةً لعمره ولقدراته الذهنية والعقلية التي ما زالت في طور التكوين، ومن منطلق تطبيق مبدأ إعادة التأهيل الذي يرى ضرورة استغلال العقاب لإعادة دمج القاصر في المجتمع، عوضاً عن إقصائه أو معاقبته.   

ولكن، حين يكون المتهم قاصراً فلسطينياً يتم تحييد هذه التشريعات كليّاً أو بشكل جزئي، سواء بتوجيه تهم أمنيه أو بنود من "قانون مكافحة الإرهاب" للقاصر ما يعني، بالتالي، تجريده من جميع الحصانات الممنوحة له وفقاً للقانون. أو، يتم التحييد من جانب أجهزة إنفاذ القانون، التي تتغاضى عن قوانين القاصرين. وكَما قال أحد مدعي الشرطة في محكمة الصلح في الناصرة عند تقديمه طلباً لتمديد اعتقال قاصر على خلفية أحداث هبة الكرامة: "نحن في حالة طوارئ، لا يوجد الآن قانون قاصرين". 

في السياق ذاته وإضافة إليه، تجدر الإشارة إلى تلك التشريعات الإسرائيلية التي تستهدف على وجه الخصوص القاصر الفلسطيني بشكل متعمّد ومُمنهج وتسعى إلى حرمانه من حقوقه الأساسية، تحت غطاء القانون. من ضمن هذه التشريعات القانون الذي أقرته الكنيست عام 2015 ويقضي بسحب مخصصات "التأمين الوطني" من ذوي القاصرين المدانين بمخالفات أمنية. وقد أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية بعدم دستورية هذا القانون، في التماس قدمه م مركز عدالة.[2] كما يُذكر أيضاً اقتراح القانون الذي طُرح في الكنيست مؤخراً من قِبل أحد أعضاء الكنيست من حزب "عوتمساه يهوديت" اليميني المتطرف وتمت المصادقة عليه في اللجنة الوزارية لشؤون التشريعات وأقرّ بالقراءة التمهيدية، والذي سيتم بموجبه تشديد العقوبات على القاصرين المدانين بتهم أمنية، كما سيتم إتاحة فرض عقوبة السجن الفعلي على من هم دون سن الرابعة عشرة في حال إدانتهم بمخالفات أمنية.[3]

هذا الاقتراح، وبالرغم من كونه يُعتبر تصعيدًا في سجلّ التشريعات ومناقضاً للأسس التي تُصوّب معالجة المحاكم الجزائية لقضايا القاصرين، الّا أنه يعكس بشكل واضح الواقع الحالي للقاصر الفلسطيني في المحاكم الإسرائيلية. 

أحد الأمثلة على ذلك قضية الطفل أحمد مناصرة، الذي دخل السجن الإسرائيلي في سن الرابعة عشرة، حين فرضت عليه المحكمة المركزية في القدس، بهيئة مكوّنه من ثلاثة قضاة، عقوبة السجن الفعلي لمدة اثنتي عشر عاماً، تم تقليصها إلى تسعة أعوام ونصف في المحكمة العليا. تأتي هذه العقوبة المشددة بعد إدانة الطفل مناصرة بمحاولة القتل، حيث ادّعت لائحة الاتهام التي قُدّمت بحقه أنه، حين كان في الثالثة عشر من عمره، قرر وابن عمه الذي يكبره بعامين أن "يكونا شهيدين" ويقوما "بطعن اليهود بهدف قتلهم". يُذكر أن الطفل مناصرة لم يقم في هذه الحادثة بطعن أيّ أحد وأن ابن عمه هو الذي قام بطعن شخصين في الشارع متسبباً بإصابتهما بجروح، ومن ثم تم قتله على الفور جرّاء إطلاق النار عليه من قبل قوّات الشرطة، كما تعرّض الطفل مناصرة نفسه للدهس في مكان الحادث وتم الاعتداء عليه من قبل المارّة وهو ملقى على الأرض.

الإجراءات الجنائية التي تعرض لها الطفل مناصرة منذ بداية التحقيق معه، والمستمرة حتى هذا اليوم أمام مصلحة السجون الإسرائيلية، تنافي بشكل قاطع جميع الأسس المنصوص عليها في القانون الجنائي والتي تعنى بحقوق القاصرين. بداية من التحقيق معه، والذي تم تسريب جزء من تسجيلاته للإعلام، والذي يُظهر التعذيب النفسي الذي تعرّض له الطفل خلال التحقيق. استمراراً بمحاكمته في محكمة غير مختصة بشؤن القاصرين، ثم انتظار بلوغه الرابعة عشرة من عمره لطلب فرض أشد العقوبات عليه من قبل النيابة العامة الإسرائيلية، علماً أن القانون يمنع فرض عقوبة السجن الفعلي على من هم دون هذه السنّ. 

كما أن عقوبة السجن الفعلي التي فرضت عليه من قبل هيئة القضاة تغاضت بشكل كلي عن تقرير ضابط مراقبة سلوك الأحداث الذي تم تقديمه للمحكمة بشأن الطفل مناصرة، والذي أوصى بإبقائه في مؤسسة داخلية حتى بلوغه سن الثامنة عشرة، عوضاً عن الزج به في السجن، وذلك لفرص تأهيله العالية، بينما لا يوفر له السجن أي إطار علاجي مناسب. وبالفعل، ظروف السجن القاسية أدت إلى تراجع حالة الطفل مناصرة الجسدية والنفسية، حتى أقرت مصلحة السجون الإسرائيلية وضعه في العزل الانفرادي لمدة تزيد الآن عن السنة ونصف السنة، لعدم جهوزيتها، عدم مقدرتها، وعدم رغبتها في التعامل مع حالته المعقدة بسبب ظروف أسره.

في المقابل، قوبل طلب الشاب مناصرة بالإفراج المبكر من السجن بالرفض، استنادًا إلى "قانون مكافحة الإرهاب" الذي سنته الكنيست الإسرائيلية عام 2016، ثم أدخلت اليه تعديلاً عام 2019 نصّ، بأثر تراجعي، على الحد من إمكانية مثول أسير أدين "بتهم إرهابية" أمام لجنة الإفراج المبكر، بمن في ذلك الأسرى القاصرون. بهذا، قررت لجنة خاصة في مصلحة السجون أن لا حق للأسير مناصرة في الإفراج المبكر، كما صادقت المحكمة العليا على هذا القرار المجحف بردّها لطلب الاستئناف عليه. بالتالي، الطفل الذي دخل الأسر وهو في سن الرابعة عشرة وأمضى سنين طفولته ومراهقته وشبابه بين زنازين السجون وأقسامه، أصبح بسبب التدهور في حالته النفسية غير قادر على التكيًف مع ظروف اعتقاله وغير قادر على الإفلات منه بعد أن حرمه "قانون مكافحة الإرهاب" أي منفذ للإفراج المبكر. 

في الخلاصة، التشريعات الإسرائيلية ليست محايدة وتتسم بالعنصرية المبطنة، بل والمباشرة أحيانًا، اتجاه القاصر الفلسطيني. بالمقابل، حتى لو كانت القوانين محايدة ولا تميّز بين القاصرين بسبب انتمائهم القومي، إلا أن تطبيقها من جانب أجهزة إنفاذ القانون يشوبه، في أحيان كثيرة، عدم المساواة والإجحاف بحق القاصرين الفلسطينيين، دون أي رقيب أو حسيب. 


[1] مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الانسان، انظر: https://www.addameer.org/ar/statistics

[2] انظر: https://www.adalah.org/ar/content/view/10381

[3] انظر: https://www.gov.il/he/departments/policies/dec772-2023،
https://main.knesset.gov.il/Activity/Legislation/Laws/Pages/LawBill.aspx?t=lawsuggestionssearch&lawitemid=2202644

المحامية ناريمان شحادة زعبي

محامية بوحدة الحقوق السياسية المدنية في مركز "عدالة"

شاركونا رأيكن.م