الخِطاب العامّ، التّحريض مُقابِل الحَقيقَة
تبنّت إسرائيل استراتيجية إعلامية تحريضيّة من أجل شيطَنة وتشويه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وليس فقط فصائل المقاومة، وتحديدًا حركة المقاومة الإسلامية "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وغيرهما من الفَصائل، كَردّ على أحداث "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر عام 2023.
شُبّهت السلطة في غزة في العام 2023 بألمانيا عشيّة الحرب العالميّة الثانية، وأن "حماس" نسخة عن النازية، وأن قادتها من إسماعيل هنيّة ويحيى السنوار وغيرهم، ليسوا إلّا نسخة عن أدولف هتلر، وذلك لتبرير عملية الإبادة لاحقًا برأيي، وهذا كان له تأثير كبير جدًّا على المجتمع اليهودي الذي خرج منه مئات الآلاف من جنود الاحتياط وصلوا قطاع غزة بنيّة لم يخجل بعضهم من الإفصاح عنها علنًا للقَتل والإبادة ضد الشّعب الفلسطيني، كنتيجة حملة التّحريض والتّسميم، إذ تمّ وصف الطفل الفلسطيني في غزة بأنه سيكون أحد منفذي "طوفان الأقصى (2)" مستقبلًا، وأن المرأة الفلسطينية هي زوجة ووالدة وأخت منفّذي العملية، وأن الشيخ والعجوز كذلك الأمر، بمعنى شرعنة قتل وإبادة كلّ من هو في قطاع غزة، وعدم استثناء أي شيء من البشر والشّجر والحجر، وأن استراتيجية وصف "حماس" بالنازية الألمانية وغزة وشعبها بالشعب الألماني عشية الحرب العالمية الثانية كان يراد منه تحويل كلّ المجتمع الفلسطيني إلى قاتل ومجرم برأيي، كما إشراك الغرب في مشروع الإبادة على قاعدة أن النازية لم تشكّل خطرًا فقط على اليهود في الحرب العالمية الثانية، بقدر ما شكّلت خطرًا على أطراف وقوى عالمية كثيرة.
تبنّت إسرائيل خطاب الدّعشنة، وذلك في مضمار الشيطنة والتّشويه نفسه، سواء للشعوب العربية أو الغربيّة، وذلك لإعطاء غطاء وشرعيّة لإسرائيل في أعمالها العسكرية، ولمنع أي انتقاد لها أو دعم لفلسطين، ورفضٍ لما يتعرّض له الشعب الفلسطيني.
إضافة لخطاب النازيّة الألمانية والدّعشنة الذي تبنّته إسرائيل في وصف حركة "حماس" وكلّ الفصائل الوطنية الفلسطينية، كما كلّ الشّعب الفلسطيني في قطاع غزة، فقد تبنت إسرائيل خطابًا آخر، تم بموجبه وصف حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الشعبية" على أنهم أدوات للمشروع الإيراني (الفارسي الشيعي) في المنطقة، وأن هذه الفصائل تريد تخريب فلسطين، كما خرّبت دولًا عربية أخرى (وفق روايتهم)، وذلك خدمة للمشروع الإيراني وليس خدمة للقضية الفلسطينية على حدّ زعمهم، حيث تريد إسرائيل من ذلك تحقيق هدفين: الأول، إعطاء شرعيّة لجرائمها وإبادتها بحقّ الفلسطينيين، ثم تحميل هذا الفلسطيني الضحيّة مسؤولية عملية إبادته عبر تبرير عمل المُجرم. أمّا الهدف الثاني فيتمثّل في تحريض بعض الأنظمة والشعوب العربية الموجودة على خلاف مع إيران، خاصة تلك المسمّاة بالمحور العربي السنيّ المعتدل والجماعات القريبة منها، على اعتبار أن الحَرب على غزة وحركة "حماس" إنما هي حرب على إيران ومشروعها في المنطقة، وأن غزة باتت أَحَد أذرع إيران في المنطقة، وبالتالي إضعاف إيّ تحرّك عربي شعبي أو رسمي مساند ومناصر لغزة وفلسطين.
لا شكّ أنه لوحِظ ضعفٌ في حركة الشارع العربي اتجاه دعم غزة مقارنة بما حَدَث في مدن غربية، كما كانت واضحةً المواقف الضعيفة للنظام العربي الرسميّ، وهذا من الأسباب التي أدت إلى إطالة أمد هذه الحرب وتحوُّلها إلى مشروع إبادة، والأخطر من ذلك كلّه هو تكيّف وتأقلُم المنطقة مع هذه الإبادة مما انعكس أيضًا على مواقف الشعوب والدول الغربية التي أصبحت أكثر تراخيًا تجاه ما يحدث بعد أن شاهدَت هذا الصمت العربيّ المُريب.
الصورة: لداني كوشمارو مقدم النشرة الاخبارية المركزية في القناة 12 الاسرائيلية (تصوير شاشة).
عادل شديد
الباحث في الشأن الإسرائيلي