"إن سكان غزة، الذين رأوا أنه من المناسب تحويل المستشفيات إلى أوكار للإرهابيين في محاولة للاستفادة من الأخلاق الانسانية الغربية، هم الذين جلبوا الدمار على أنفسهم – يجب القضاء على الإرهاب في كل مكان وبأي شكل من الأشكال. إن مهاجمة مقر الإرهابيين الموجود داخل المستشفى هو حق، بل وواجب للجيش الإسرائيلي".

بيان الأطباء الإسرائيليين الذين دعو الجيش بقصف المستشفيات في غزة

للوهلة الاولى، قد يعتقد المرء أن هذه الجمل صادرة عن أناس متطرفين جدًا، حيث تعطي الإذن للجيش وتدعو لقصف المستشفيات. ولكن الحقيقة الصادمة هي بأن هذا البيان تم توقيعه علنًا من قبل عشرات الأطباء الإسرائيليين وتمت مشاركته على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة. وبدلاً من الغضب والإدانة الفوريين، أدى البيان إلى ما وصفه البعض بنقاش "مشروع" داخل المجتمع الطبي الإسرائيلي، حول قصف المستشفيات الفلسطينية أو عدم قصفها.

أنا كطبيبة أشعر بالاشمئزاز حتى النخاع من التصريحات التي أدلى بها بعض زملائي، الأطباء الإسرائيليين الذين أعمل معهم، والتي تدعو الجيش الإسرائيلي إلى قصف المستشفيات في قطاع غزة.

هذا النداء الفاشي يشرع قتل المدنيين الأبرياء وحتى الأطفال منهم مما يعتبر انتهاكًا صارخًا لكل المعاهدات الدولية التي تدعو لحماية المدنيين والمستشفيات والطواقم الطبية. وأن يصدر هذا النداء عن أطباء أقسموا أن ينقذوا حياة البشر والتزموا بقيم إنسانية كالعدل وعدم إلحاق الأذى بمرضاهم فإن ذلك ما هو إلا تجاوزًا لكل الخطوط الحمراء للضمير المهني والأخلاقي. وكانت لجنة الاخلاقيات في نقابة الأطباء الاسرائيليين قد أصدرت بيانًا عاما توضح فيه ان الأطباء الإسرائيليين لا يؤيدون إلحاق الأذى بالمدنيين الأبرياء دون استنكار واضح للبيان المذكور ودون اتخاذ أي إجراءات تأديبية تجاه هؤلاء الاطباء. أحد الأطباء الموقعين على هذا البيان هو زميل لي أعمل معه يوميا وعندما أرسلت عريضة الاستنكار لهذا البيان التي عممتها جمعية أطباء لحقوق الإنسان على مجموعة العمل قام هذا الزميل بمهاجمتي والتفاخر بهذا البيان والدفاع عنه بادعاء أنه أخلاقي! بينما التزم الزملاء الآخرون بالمجموعة الصمت الكامل.

لسوء الحظ، لا يمكنني أن أقول إنني فوجئت من ردود الفعل التي كانت لهذا النداء في المنظومة الصحية في إسرائيل، فأنا كطبيبة عربية اعمل في هذه المنظومة أدرك تمامًا العنصرية المتأصلة فيها حيث أشعر بأن قصتي وتاريخي مغيبة بالكامل عن المشهد العام في هذا الجهاز ولا مكان للتعبير عن ألمي ومشاعري. أشهد النفاق حيث تطغى صورة زائفة لقطاع طبي يعمل فيه العرب واليهود معًا في "وئام واحترام وتعايش".

إن الرسالة الأخيرة التي أرسلها زملائنا الإسرائيليون، والتي صدرت في وقت تسقط فيه الضحايا من الأطفال يوميا في غزة، هي مثال واضح على الشكل الحقيقي للنظام الصحي الإسرائيلي. وهو نظام يتخذ فيه بعض الأطباء، علنا ودون خجل، دور مستشاري الجيش. أطباء يستخدمون مناصبهم ومهنتهم، ليس لإنقاذ الأرواح، وليس للتحذير من الآثار المدمرة للحرب على المدنيين من كلا الجانبين وضرورة إيجاد حل سياسي سلمي، بل لتبرير الهجمات على المرافق الطبية، وهم يعلمون جيدًا أن هذا يعني قتل زملائهم الأطباء والمرضى.

وفي الوقت نفسه، تبني هذا النظام الصحي نهجًا واضحًا لمطاردة الطواقم الطبية الفلسطينية داخله. ونتيجة لذلك، تمنع هذه الطواقم من الدخول في أي حوار فكري أو أخلاقي حول الحرب. وبالرغم من أننا جميعا استنكرنا الجرائم التي قامت بها حماس من قتل واختطاف المدنيين في السابع من تشرين الاول، فنحن ممنوعين من التعبير عن أي تعاطف مع الأطفال الأبرياء الذين يقتلون في غزة ومع المدنيين النازحين الذين يعانون الدمار والجوع والعطش جرّاء الحصار ونقص الإمدادات الإنسانية، فقد يعتبر كل تعبير مشابه دعمًا للإرهاب ويعرض من يعممه للفصل الفوري من العمل والفضح دون مساءلة كما رأينا في حالات عدة. لقد أصبحت المستشفيات والعيادات التي نعمل فيها ساحات تأديبية لنا، بينما نشاهد بصمت زملاءنا اليهود وهم يهتفون لقتل المدنيين الفلسطينيين الأبرياء ويؤيدون تشديد الحصار. هل يمكنكم أن تتخيلوا ماذا سيكون مصير أطباء عرب يمجدون علنا القتل والدمار؟!

تتمتع مهنة الطب بتاريخ طويل وغني في معارضة الحرب وآثارها المدمرة على الصحة. لقد وقفت ضد العنصرية والاستعمار والتوسع الإمبراطوري، التي أدت إلى حروب قاتلة.

يمكننا أن نتذكر بوضوح التنظيم الضخم للأطباء ضد حروب الولايات المتحدة في فيتنام والعراق وأفغانستان. لقد رأينا كيف نظم الأطباء في الولايات المتحدة، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، صفوفهم لمعارضة غزو العراق وأفغانستان والضغط عليه، مدركين أن ذلك سيؤدي إلى المزيد من الوفيات/ القتل وليس إلى الأمن.

أدرك تمامًا أن الوضع أكثر تعقيدًا بكثير من الانحياز إلى أحد الجانبين، حيث إن كل روح بريئة تُزهق هي مأساة، سواء كانت إسرائيلية أو فلسطينية. لقد اضطررنا للعيش في بيئة قسرية حيث أصبح الموت للأسف أمراً طبيعياً، ولكن ان أردنا كأطباء التمسك بقيم مهنتنا الانسانية علينا ألا ننسى أن قيمة الحياة هي مقدسة ومتساوية لأي كان من الشعبين. 


تصوير: عبد الرحمن زقوت.

د. لينه قاسم - حسّان

طبيبة عائلة ورئيسة الهيئة الادارية لجمعية "أطباء لحقوق الانسان"

محمد سروات حجازي
موقف د .لينا يعبر عن موقف كل طبيب مخلص لمهنته وملتزم بقسم ابقراط ،وهو يعبر عن مواقف منظمة أطباء لحقوق الانسان.
الخميس 7 كانون الأول 2023
رأيك يهمنا