الخَليل أصبحت أوروبا!

أَعلَم أن العنوان سيثير تساؤل الكثيرين منكُم، لكنّك أيها السائل ستجِد الجواب الشافي إن واصَلت القراءة حتى النهاية!

مَرحبًا بكم مِنَ البُقعة السوداء.. من نهاية سنة 2023 إلى بداية سنة 2024 وحتى وصولنا نهايتها.. كم أصبحت الحياة ساذجة في أعيننا في هذه السنة التي مرّت علينا كأنها قَرن!

بدأ بِي الحال هُنا. حيث إنني أُلزمت على مغادرة مدينتي إلى رام الله للبحث عن وظيفة لي، كان اليوم الأول الذي أحمل فيه بعضًا من ثيابي وأغادر مكاني، وكنت أظنّ ذلك أسهل مما كان عليه، وكَم كانت المسافة قريبة قَبل بداية السابع من أكتوبر، لكنها أصبحت اليوم أبعد مما تتوقعت.

وصلنا إلى حاجز مُغلق، يتطلب العبور منه الكشف عن هويتك الشخصيّة وتنقيب هاتفك المحمول بحثًا عن أي معلومة تمنح الجنود ذريعة لمصادرة حياتك إلى الأبد. وقفَت السيارة، جاء دوري لفحص هويتي وتصويرها والبحث عن ملامح وجهي عَبرها.. أتدرون كم استغرق الوقت حينها؟ ساعة ونصف ساعة بالتمام ونحن ننتظر دورنا، بالطبع ما لا تعرفونه أننا على هذا الحاجز أمامنا خياران، إما الحياة بمذلة الانتظار أو الموت.

كُلّ شيء أصبح اليوم بعيدًا، وكُلّ شيء اختلف ديموغرافيًا، هُنا أصبحت الفصول واحدة، والأيام متشابهة مع زيادة الأخبار الدامية التي نسمعها كلّ يوم، مع نقصان أعمارنا وخذلان أصواتنا.

يا لمسافة الطريق التي اجتازها اليوم كي أشم رائحة الخليل الذي اعتدتها دائمًا منذ سنوات طويلة!

يا لصعوبة كُل شيء مَرّ بِنا من اكتوبر الماضي للآن، فقد كان أضعافَ عذاب سنة واحدة!

ويا لكثرة الحواجز الذي وُضِعَت، والطرق التي أُغلقت ولا نستطيع أن نَخطو عليها ولا أن نراها مرة أخرى!

كانت آخر مرّة أذهب فيها إلى الخليل صعبة لأنني لم أعد أعرف الطُرق، ورغم أن روحي تحفَظ المكان عن ظهر قلْب فإنني كدتُ لا أعرفها جيدًا، فملامحها كادت تختفي، وكان كُل شيء مختلفًا تمامًا عمًا كأنه قبل أشهر..

 أذكر كم كانت الطريق صعبة ومرهقة وطويلة ومُختلفة لدرجة أنني لم أعرفها.

خلال سنة واحدة، أصبح السفر من رام الله إلى الخليل وكأنه سَفَر كامل من فلسطين إلى أوروبا بطائرة من الأردن إلى تركيا مع ساعة استراحة لنفسك في فندق، ثم البدء برحلتك والاستمتاع بها..

إن نظرنا بدقّة وتعمّقنا في السؤال: على ماذا يذهب يومُنا؟ نرى أننا نعيش على خط الحواجز وتسكير الطرقات، وبأن وجوهنا يعلوها الانتظار الطويل للوصول إلى الوجهة التي نريدها هذا اليوم. آه كم نتألم كوننا أبناء ضفة، إذ إننا نَكبر عُمرًا ونحن ننتظر فتح المعبر! وكم يتألم الآن أبناء القطاع من التهجير والمجازر التي تحدث على مدار الساعة هُناك..

نعم، أنا من الجنوب وتحديدًا جنوب فلسطين العظيمة، أتمزق كثيرًا داخلي حيث يعتَصِرني الألم شوقًا لأهلي، لمدينتي.. ولكن كُل شيء أجبرني أن أكون في مكاني الآن، نظرًا لقلة الفرص وضيق العيش في المدن كلّها.

الأمر مُرهق والبلاد مُظلمة، وبِتُّ لا أرى السماء من سوء الطرق التي فُتحت بديلة عن الأصلية التي قد تصبح بيوتًا للمستوطنين في ما بعد. وها نحن على مشارف اختفائنا بالكامل. كُنا نملك جزءًا منها ومن أرضها، ولكن هل ستبقى معنا كواقع؟ أم ستظل باقية في أرواحنا للأبد.؟ هل سنعود كي نراها؟ أم أننا لن نبصرها بعد فترة من الزمن!

إننا نتقلص كَفلسطين ونذوب كشمعة في ليل ينتظره انتهاء الحرب والعودة بنا إلى ما قبل السابع من أكتوبر،

إننا نَختفي وكل يوم نفقد جزءًا منا؛

نفقد أحلامنا،

نفقد أرواحنا،

نفقد عَملنا الذي نحب،

نفقد حياتنا،

نفقد وطننا.

أسيل الزغير

خريجة برمجة حاسوب وناشطة مجتمعية، مقيمة في رام الله.

Ahmed Wafi
ما شاء الله ما شاء الله كل حرف اله معنى وكل كلمة كأنها واقع, نتمنى ان نكون يوما كـ أوروبا وأفضل ولكن حتمية الوصول صعبة في وجود المحتل الاسرائييلي نتمنى زواله قريباً
الاثنين 2 كانون الأول 2024
مهنا النجار
مقالة تذهب بنا نحو الواقع، لنحمل راية الصمود والثبات إلى الأمام يا أسيل دام نبضك
الثلاثاء 3 كانون الأول 2024
رأيك يهمنا