الإعلام الكنديّ: شَريك “صامت” في تَبرير الرّواية الإسرائيلية وتَشويه صورَة الفلسطينيين
مُقدمة
في خضم الحرب الإسرائيلية على غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023، برز الإعلام الكندي كأداة لتعزيز الرواية الإسرائيلية وتقويض الرواية الفلسطينية. تَحت سِتار الحياديّة، يمارس الإعلام الكندي تمييزًا ممنهجًا، يتجلّى في اختيار الكلمات، وتقديم الضيوف، وإغفال الحقائق الإنسانية، مما يرسّخ انحيازه إلى الجانب الإسرائيلي.لا تعَكس هذه السياسات فقط تواطؤًا إعلاميًا، بل تُسهم أيضًا في تشكيل وَعي جمعي مشوّه يعزّز الهيمنة الإسرائيلية.
أولًا: السياسة التحريريّة المضلّلة في الإعلام الكَنَدي
انتقاء المصطلحات بعناية لتعزيز الرواية الإسرائيلية
وفقًا لمقال الصحافية عرفة رنا المنشور في (Mondoweiss)، يتمثّل أحد أبرز أشكال التحيّز في دليل اللغة التحريري المستخدم في هيئة الإذاعة الكندية (CBC). يَمنَع هذا الدليل استخدام مصطلحات تَعكس طبيعة الصّراع الحقيقيّة، مثل “الاستعمار“و“الفصل العنصري“، مع الإصرار على وصف الهجمات الإسرائيلية بـ “الإجراءات الدفاعيّة“. في المقابل، يتمّ تصوير أيّ ردّ فلسطيني على الاحتلال كـ“إرهاب“، مما يكرّس صورة الفلسطينيين كطرف مُعْتَدٍ.
تَجاهل الأَبعاد الإنسانيّة للصّراع
تركّز التّغطية الإعلامية الكندية على الجوانب السياسيّة المجرّدة، متجاهلة الأبعاد الإنسانية الكارثية للصراع. تُشكّك في الأرقام المَوثوقة عن عدد الشهداء الفلسطينيين، وتَعرضها باعتبارها “صادرة عن وزارة الصحة التابعة لحماس“، بينما يتمّ التعامل مع الأرقام الإسرائيلية كمصدر موثوق دون تحقيق.
ثانيًا: استضافة الفلسطينيين غير المتحدثين بالإنجليزية بطلاقة
تشويه متعمَّد للرواية الفلسطينية
يتعمّد الإعلام الكندّي اختيار فلسطينيين لا يجيدون اللغة الإنجليزية بطلاقة عند الحديث عن القضية الفلسطينية. يُظهر هذا الاختيار الفلسطينيين كأفراد غير قادرين على التعبير عن قضيّتهم بوضوح، مما يُضعِف رسالتهم أمام الجُمهور الكنديّ. في المقابل، يتم اختيار إسرائيليين ناطقين بالإنجليزية بطلاقة، مما يَمْنحهم ميزَة الظهور كأطراف مقنعة ومهنيّة.
تعزيز صورة الفلسطينيين كأفراد غير مندمِجين
يُرسّخ هذا التوجّه الإعلامي صورة نمطية للفلسطينيين في كندا كأفراد غير مندمِجين، مما يُبعدهم عن التّعاطف الشعبي، ويصوّرهم كأطراف لا تفهم القِيَم الكندية ولا تلتزم بها.
ثالثًا: غياب التّغطية الميدانيّة مِن غزة
استراتيجية تغييب الحَقيقَة
رغم حجم الكارثة الإنسانية في غزة، لم تقم أي وسيلة إعلام كنديّة بإرسال مراسلين ميدانيين لتوثيق الأحداث. بدلًا من ذلك، اعتمد الإعلام الكندي على المصادر الإسرائيلية أو الدولية المنحازة، مما ضمن استمرار الرواية الإسرائيلية كحقيقة مطْلقة.
تَجاهل صور الشهداء والمُعاناة الإنسانية
لم تُعرض صور الأشلاء الفلسطينية، أو الأطفال الذين قَضَوا نتيجة القَصف، أو قِصص العائلات الفلسطينية التي دُمرت حيّاتها. يَهدف هذا الإغفال المُتعمّد إلى نَزع الإنسانية عن الضحايا الفلسطينيين، وتصويرهم كأرقام مجرّدة في صراع سياسيّ معقّد.
رابعًا: ازدواجيّة المعايير في التّعامل مع الضُيوف
منح الإسرائيليين مَساحَة غير مَحدودة
في حين يتمّ تقديم الضيوف الإسرائيليين كخبراء ناطقين بالإنجليزية بطلاقة، يُمنحون الوقت الكافي لسرد رواياتهم دون أيّ مقاطعة، يتمّ التّركيز على "مُعاناة" الجنود والمحتجزين الإسرائيليين، مما يَخلق صورة أحاديّة تعزّز التّعاطف مع الجانب الإسرائيلي.
إضعاف الرّواية الفلسطينيّة بالمُقاطَعات والتّشكيك
في مقابل ذلك، تتم استضافة الفلسطينيين مع مُقاطَعات متكرّرة وتشكيك في رواياتهم، كما حَدَث مع إِسراء السّعافين، التي تحدّثت عن مَقتل شقيقها في غزة. لم يُسمح لها باستخدام مصطلحات تعكس حجم المأساة، وتم توجيه الحوار بعيدًا عن المعاناة الإنسانية نحو قضايا سياسيّة مجرّدة.
خامسًا: تأثير الإعلام الكندي على الرأي العام
خَلق وعي مضلّل
من خلال تغييب الحقائق وتشويه الرواية الفلسطينية، يُسهم الإعلام الكندي في تشكيل وعي جمعيّ يرى الفلسطينيين كأطراف غَير جديرة بالتّعاطف. يتم تصويرهم كأفراد يركضون وراء المعونات الإنسانية، بينما يتم تهميش نضالهم المَشروع ضد الاحتلال.
تطبيع الجرائم الإسرائيلية
يجعل الإعلام الكندي الجرائم الإسرائيلية تبدو كأحداث طبيعية أو كدفاع عن النفس. يَطمس هذا النهج معاناة الفلسطينيين، ويُبعد المُشاهد الكنديّ عن إدراك حجم الفظائع المرتَكَبة.
الإعلام الكندي ليس مجرّد ناقل أخبار، بل هو لاعب رئيسٌ في تشكيل الرأي العام. من خلال سياساته التحريرية المُنحازة، واختياره المتعمّد للضيوف، وغياب تغطيته الميدانيّة من غزة، يصبح الإعلام شريكًا في تبرير الجرائم الإسرائيلية وتشويه صورة الفلسطينيين. لا تخدم هذه السياسات سوى تعزيز الهيمنة الإسرائيلية وتقويض أيّ جهود لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. يبدأ التغيير بمطالبة الإعلام بتحمُّل مسؤوليته الأخلاقية، ونقل الحقيقة بشكل عادل، بعيدًا عن التحيّز والتضليل. الفلسطينيون ليسوا مجرّد ضحايا، بل هم أصحاب قضيّة إنسانية تستحق أن تُسمع بوضوح وقوّة.