احذروا التوربينات! صرخة الجولانيّ ضد استعمار "الطاقة الخضراء"

يعيش في الجولان السوري المحتل اليوم ما تبقى من سكانه السوريين البالغ عددهم 28 ألف نسمة في القرى الخمس المتبقية في شمال المنطقة في 5% من إجمالي مساحة أراضي الجولان، في حين يعيش عدد متساوٍ من المستوطنين الإسرائيليين غير الشرعيين في 95% من المنطقة ويسيطرون عليها.

في أواخر يناير عام 2020 دعت حركة شباب الجولان إلى تظاهرة واسعة احتجاجًا على مشروع توربينات الرياح المخطط له في قلب الأراضي الزراعية المتبقية للجولانيين. بعد أيام قليلة من هذا الحدث وافقت اللجنة الوطنية الإسرائيلية للتخطيط والبنية التحتية على المشروع، مما أعطى شركة Energix Renewable Energies، وهي شركة إسرائيلية عامة، الضوء الأخضر لبدء العمل. منذ ذلك الوقت يحتشد الجولانيون بلا هوادة ضد تدمير إسرائيل لعالمهم الاجتماعي والبيئي، ويحاربون حاليًا الاستعمار الاستيطاني تحت ستار تطوير الطاقة الخضراء. يعكس مشروع توربينات الرياح اتجاهاً منهجياً من قبل إسرائيل للاستيلاء على الموارد الطبيعية السورية في الأراضي المحتلة.

يكشف هذا المقال عن الطبيعة الاستعمارية للمشروع ومكانته في إرث إسرائيل الطويل في إنكار سيادة الجولانيين وحقهم في الحصول على الموارد الطبيعية. ويؤكد على مركزية الحراك كجزء لا يتجزأ من عقود طويلة من مناهضة شعبية جولانية لسياسات الاستعمار الاستيطاني على أساس الحفاظ على الهوية والانتماء إلى الأرض. هذا الحراك يقوده جيل جديد من نشطاء الجولانيين، الذين يحافظون فيه على تقليد المقاومة هذه.

تشكل السيطرة على الأرض والموارد الطبيعية منطلق الدول الاستعمارية الاستيطانية كأساس لاستخراج الموارد الطبيعية الأخرى مثل المياه والغاز والرياح. بالإضافة إلى ذلك، يفرض الاستعمار هيمنته من خلال حرمان السكان الأصليين من حقهم في تقرير المصير والانتماء. وقد كان استغلال الموارد المائية في صلب السياسة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية وأدى بشكل منهجي إلى تغيير المشهد المائي هناك، بينما استثمرت إسرائيل بكثافة في بناء بحيرات اصطناعية وسدود وخزانات في المستوطنات غير الشرعية. وقد فرضت أيضًا قيودًا شديدة على أبناء الجولان منعتهم من الوصول إلى مصادر المياه المحلية والاستفادة منها. بعد عقود من جهود الجولانيين الجماعية لتأسيس تعاونيات مائية للمطالبة بحقوقهم، يدفع الجولانيون اليوم أسعارًا أعلى من تلك التي يدفعها المستوطنون الإسرائيليون للحصول على المياه، ناهيك عن أنهم يحصلون على ثلث ما يحصل عليه المستوطنون من حصص المياه. 

باعتبارها قوة محتلة، يتعارض استكشاف إسرائيل للموارد مع البنود ذات الصلة من القانون الدولي التي تنص على حماية الموارد وتنميتها لصالح المجتمعات المحتلة. قيود تقسيم الأراضي والتخطيط، وسياحة الاستيطان غير القانونية، والتبعية الاقتصادية العالية واحتكار الشركات الزراعية، كلها قضايا يواجهها سكان الجولان بشكل يومي.

في مواجهة تهديد وشيك لوجودهم على الأرض وسوء فهم متعمد لهويتهم، طور الجولانيون ممارسات زراعية مميزة وقاتلوا من أجل حقوق المياه والأراضي الجماعية لعقود. أصبحت حماية الأراضي والموارد الطبيعية عملاً من أعمال استعادة الهوية، حيث يمارسون حقهم في الحصول على الموارد. وبالتالي، يُفهَم حراك الجولانيين ضد المشروع بشكل أفضل ليس على أنه مجرد رفض لمشاريع الطاقة الخضراء، أو نظرة رومانسية لعلاقة مجتمعات السكان الأصليين بأراضيهم، وإنما بكونه فعلًا محسوبًا واعيًا لتأكيد سيادة المجموعة في ظل ظروف محفوفة بالمخاطر جراء سعي الاستعمار الاستيطاني لنزع الملكية.     

منذ عام 2009، تعمل شركة Energix على الترويج لإنشاء مشروع توربينات رياح واسعة النطاق في شمال مرتفعات الجولان، بتنسيق ودعم وثيقين مع الحكومة الإسرائيلية ومنها. توقف المشروع بسبب عدد من التحديات، من بينها اعتراضات جيش الاحتلال. وبموافقة الجيش على المشروع في عام 2019، تم الإعلان عن بدء المشروع بتركيب ما يصل إلى اثنين وثلاثين توربينًا كبيرًا، يبلغ ارتفاع كل منها مائتي متر. تقع مزارع التوربينات على بعد كيلومتر واحد فقط من قرى مجدل شمس ومسعده وبقعاثا ومن المقرر أن يتم إنشاء هذه المزارع في قلب الأراضي الزراعية لقرية سحيتا المدمرة، الأمر الذي سيضع قيوداً كبيرة على خطط النمو المستقبلي في هذه القرى. 

استفادت شركة Energix من الانخفاض في ربحية الإنتاج الزراعي لدى سكان الجولان، فعملت على استئجار أراضيهم عبر وسطاء محليين. وبسبب سنوات طويلة من الحرمان الاقتصادي وشح المردود المالي للزراعة المحلية، وقّع عدد قليل من مالكي الأراضي عقودًا مع الشركة.  

يمثل المشروع محاولة محسوبة من قبل الدولة الإسرائيلية لتعزيز صورتها كملاذ للتكنولوجيا والابتكار الأخضر. سيزيد المشروع من مصادر الطاقة المتجددة في إسرائيل لتصل إلى 17% بحلول عام 2030، وهو التزام تعهدت به للوفاء بخفض الانبعاثات العالمية المنصوص عليه في اتفاقية باريس لعام 2015. على عكس حملة الغسل الأخضر التي استمرت عقودًا لتصنف نفسها على أنها أمة "ناشئة" صديقة للبيئة، تتمتع إسرائيل بواحدة من أكبر البصمات البيئية العالمية للفرد الواحد، مع اعتمادها الشديد على الوقود الأحفوري، وخاصة الفحم. وقد تم تشويه ذلك أكثر من خلال سجلها الموثق في انتهاكات الحقوق البيئية والتدمير في الأراضي الفلسطينية (والسورية) المحتلة، والتلوث الناجم عن الحرب في المنطقة. يتجاهل الاستعمار الأخضر الإسرائيلي بشكل صارخ احتياجات ومصالح أبناء الجولان ويحرمهم من حقهم في الحصول على الموارد باسم تنمية الطاقة الخضراء.

كشفت منظمة المرصد، وهي منظمة لحقوق الإنسان في الجولان ومدافع قانوني عن سكانها، كيف يشكل المشروع جزءًا من سياسة إسرائيل الاستيطانية وينتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان الأساسية لمجتمع يخضع للحكم العسكري. بعد نشر تقرير قانوني واستقصائي واسع النطاق حول المشروع، وكذلك تقديم المرصد للاعتراضات ضد Energix في عام 2019، رفعت Energix دعوى قضائية ضد المرصد تتهمها فيها بالتشهير، بل وبانتهاك قانون تحريم المقاطعة المثير للجدل.

في ضوء ذلك، تواصل مؤسسة المرصد جهودها لفضح الخطر الوجودي على أسلوب حياة الجولاني الذي ينطوي عليه هذا المشروع. مفتاح نشاطها هو بناء تحالف مع المنظمات الحقوقية العربية والدولية للضغط على إسرائيل للالتزام بالقانون الدولي وحماية سكان الجولان ونظامهم البيئي الهش. لا تزال وسائل التواصل الاجتماعي تشكل على أرض الواقع منصة رئيسية للشباب الناشط لإعلام الجمهور بالمشروع وللحفاظ على زخم التصدي لمحاولة Energix بدء العمل.

الصراع ضد المشروع لم ينته بعد بالنسبة للجولانين ومن المرجح أن يستمر في ضوء عدم الاستقرار السياسي في المنطقة وخطط إسرائيل التوسعية المستمرة لبناء المستوطنات واستغلال الموارد الطبيعية. بالنسبة لأهل الجولان، يعتبر نضال اليوم استمرارًا لكفاح مستمر ضد الحكم الاستعماري الاستيطاني، وهو حرب ستستمر من جيل إلى آخر حتى يحقق الجولان العدالة البيئية والحق في الحصول على الموارد وتقرير المصير. 

د. منى دجاني

حاصلة على شهادة الدكتوراة في الجغرافيا والبيئة من جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية . لها مساهمات في دراسات رائدة عن إدارة الاحواض المشتركة منها دراسة نهر الأردن العلوي ودراسة حوض نهر اليرموك. قادت منى وبالتعاون ما بين جامعة لندن وجامعة بيرزيت والمرصد (المركز العربي لحقوق الانسان في الجولان) مشروع توثيق للرواية غير المحكية لاحتلال الجولان السوري من خلال تطوير منصة تعليمية تحتوي على مصادر ومراجع محلية تلقي الضوء على التجارب الشخصية والمخيلة الجمعية لسكان الجولان السوريين للأحداث التاريخية والحراك المجتمعي الذي قادوه ليومنا هذا. تهتم بمواضيع بحثية تعنى بمضامين العدالة البيئية والمناخية والتاريخ المائي المجتمعي والإدارة المحلية للمياه

ابن الجولان
سنصد المشروع حتى لو كلفنا الوقوف ظد هذا المشروع المدمر دمائنا وارواحنا لم يتعود الجولانيون للتنازل عن ارضهم
الاثنين 10 نيسان 2023
شاركونا رأيكن.م