عن دور النساء في النزاعات
عبر التاريخ، وعلى مر العصور لعبت المرأة دورا هاما في النزاعات العالمية، حيث قدمت إسهامات مميزة وتأثيرات إيجابية وقيمة في مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية. هذا طبعا بالإضافة إلى مساهمتها ودورها الفعال والأساسي في مجال النزاعات العائلية.
على الرغم من المحاولات الدائمة للتقليل من شأن المرأة والتشديد على نقاط ضعفها، بالذات في المجتمعات الذكورية، الا أن صفات شخصية معينة لدى المرأة وقدراتها المميزة جعلتها تحتل مكانة مهمة بالذات وقت الأزمات والنزاعات.
سوف أبدأ بالحديث عن دورها بالعائلة المصغرة. دائما ما أشدد بأن الله لم يختر المرأة عبثا لتقوم بدور الأمومة. لقد قام بإعطائها القدرة على خلق الحياة وخصها بقدرات نفسية هائلة لتقوم بالاعتناء بمولودها الجديد، المتعلق تعلقًا تامًا بها كي يبقى على قيد الحياة. لذا نرى أن أولى الصفات التي تميز النساء هي العطف، الحنان، التسامح والرحمة. عندما نتحدث عن أي نزاع، وبالذات النزاعات العائلية، فهذه الصفات مطلوبة لتصفية القلوب والتغلب على التحديات والنزاعات بين أفراد العائلة. بالإضافة لذلك، لدى معـظم النساء قدرات هائلة للتعاطف والاحتواء التي تجعلها قادرة على مساندة وتفهم الطرف الآخر وإعطاءه المساحة الكافية ليعبر عن مشاعره. زد على ذلك، أن المرأة تتمتع بحكمة بالغة والتي تجعلها أحيانا مرجعا لزوجها وأبنائها وحتى أقاربها عند اتخاذ قرارات مصيرية للعائلة.
أمّا على الصعيد الاجتماعي والسياسي، للأسف، نرى أن هناك تغييبًا للمرأة وقد تم إقصاؤها من القضايا العالمية الهامة ووضعها على الهامش. بالرغم من ذلك، حدث تغيير هائل بالدور الذي اتخذته المرأة بعد الحرب العالمية الثانية. عندها بدأت النساء بالخروج للعمل واكتشفت قدرات نفسية وقيادية، وبدأت بإدارة عملها، بيتها وعائلتها. تنص بعض الدراسات على أن النساء يتفوقن على الرجال في مهارات الذكاء العاطفي مثل الوعي الذاتي، التعاطف، إدارة الصراع، القدرة على التكيف، والعمل الجماعي. أي أنها لديها جميع المهارات الأساسية للقيادة الفعالة لأي حدث، مما يجعل دورها هاما جدا في النزاعات العالمية.
لذلك، على الرغم من تغييب دورها، الا أن العديد من النزاعات العالمية شهدت تدخلًا لنساء بارزات لتحقيق السلام والتسوية، مثل ليما بواو، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 2011 لدورها في نهاية الحرب الأهلية في ليبيريا. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت النساء في العديد من الحركات التحررية والنضالات للحفاظ على الهوية الوطنية ومكافحة الظلم، مثل روزا باركس في الحركة الأمريكية من أجل حقوق المدنيين. أما بالنسبة لمناطق النزاعات والكوارث، شهدنا وجود العديد من النساء اللواتي نظمن العمليات الإنسانية وقدمن المساعدات. في الأزمة السورية الأخيرة، كان هناك العديد من الشابات العربيات، الطبيبات، الممرضات، المعلمات، وغيرهن الكثيرات أيضا من عرب الداخل اللاتي انضممن لجمعيات إنسانية وسافرن إلى البلاد الأوروبية لمساعدة اللاجئين السوريين. خلالَ القرن الأخير أيضا بدأنا نرى أن النساء تواجدن في الخطوط الأمامية للدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة الظلم والاضطهاد في العديد من النزاعات. اذ كثيرًا ما قدمت النساء دعمًا للحوار والتفاهم بين الطرفين المتنازعين لتحقيق السلام والاستقرار.
يظهر من الأمثلة السابقة أن السمات والقوى النفسية الهائلة التي تتمتع بها المرأة، تساعدها بأخذ دور بارز وفعال في تعزيز السلام والتسوية خلال النزاعات العالمية، ونرى أنها قدّمت إسهامات فعالة في بناء عالم أكثر استقرارا وترابطا.
كلي أمل، أن يتم دمج النساء أكثر في حل النزاعات العالمية والمحلية، وإعطاؤُها الفرص لاستخدام حكمتها وذكائها العاطفي بإيجاد حلول سلمية للنزاعات. ولنتذكر، أنها بالرغم من "أوصاف النعومة وضعف الجسد" مقارنة بالرجال، الا أنها أثبتت على مر الأزمات والصراعات أنها قادرة على التحكم بزمام الأمور والدفع بعائلتها ومجتمعها قدما.