شهادة ناجية شابة من رفح: نحنُ أحياء

اسمي صفية معين الخياط عمري 24 سنة فلسطينية أعيش في غزة.

بدأت قصتي في 7/10/2023.  كما بدأت للكثير من الغَزّيين، كانت بداية النِّهاية لِي وللجميع؛ بدأت أفقد أحلامي، طموحاتي، عملي وأصبحت ضحيةً للمعاناة.

كُنت في بداية وصولي إلى الحُلم، بدايةَ عملي الَّذي أحببته وكان سبباً من أسباب سعادَتي. 

 في يوم الأحد 22 أكتوبر/تشرين الأول عندما كُنت جالسة مع عائلتي، وعِندَ انتِصافِ اللَّيل بينما البعضُ نِيام، الآخر أشغلهم التفكير بِالأحداثِ القائمة، تم قصف منزل الجيران المقابل لنا، والأسوأ هو أن منزلنا قد طاوَلَهُ الدَّمار أيضاً مُتأثِّراً من الصاروخ الذي لم يرحم أحداً.

 مرت علينا لحظات من الرعب والتوتر عندما سقط كل شيء على الأرض، وتناثر الزجاج وابتلَعت النَّارُ المَكان؛ كنا 16 شخصاً في المنزل. بدأنا بالصراخ لمعرفة هل هناك شهداء أم أننا جميعاً على قيد الحياة، "فَليصرخ كُلٌ بِـاسمه ارجوكم، هل أنتم بخير؟ هل الجميع على قيد الحياة؟" هذا ما كان يصرخ به جميعُ من بالمَنزِل، دقائق من الخوف، الاختِناق من البارود، صدمةٌ من هذا الكابوس الَّذي أتانا بِلا إنذارٍ مُسبق،

خرجنا من المنزل بِأعجوبة؛ قفزنا عبر النافذة إلى الخارج، كُنا سَليمينَ من الخارج، بعضُ الإصاباتِ الطَفيفة، خرجنا بأنفُسِنا، أجسادِنا، وأرواحٍ مُمزقة وندوبٍ لا تُشفى.

 لقد كانت معجزة؛ كان المنزل مليئا بالدخان. وكانت الرائحة خانقة للغاية. ولم يكن هناك مكان لمغادرة المنزل. لقد خرجنا بصعوبة ذاكَ اليوم.

 وبدأت رِحلةُ النُّزوح لأننا لم نتمكن من العيش في منزلنا، بعدَما كانَ منزِلاً مُعِجَّاً بِالحياة، أصبحت الرُّوح لا تألفه وبسبب تعرضه لأضرار بالغة جراء الانفجار القوي، كان المنزل يحتاج إلى الكثير من التنظيف لنتمكن من العودة والعيش فيه؛ نَعم وبعد النزوح لخمسة أشهر قررنا تنظيف المنزل والعودة إليه؛ وأثناء نزوحي بدأت العمل في مجال دراستي وهو الصحافة، رغم الصعوبات والخوف وعدم توفر بيئة آمنة بدأت العمل وحصلت على بطاقة من نقابة الصحفيين.

وبعد خمسة أشهر من النزوح عدنا إلى منزلنا بعد أن تم تنظيفه وإزالة الأنقاض من المنزل وتجهيزه للعيش. عُدنا لِمنزِلنا وبعضِ الذِكريات؛ جلسنا هُناك لِشهرٍ ونصف شهر، ولم تخل هذه المدة من الرعب والخوف حيث كانت هناك انفجارات كثيرة في كل مكان؛ نستيقظُ مفزوعين من الأصوات الثقيلة والعالية.

  وبعد فترة قصيرة تم الاتصال بِبعضٍ من سكُان رفح وإرسال منشورات للمواطنين لإخلاء المناطق الشرقية من مدينة رفح، ولم يتم منحهم مهلة زمنية، إذ بدأ القصف على المناطق الشرقية بالأحزمة النارية في كل مكان.  لم يكن منزلنا من بين المباني التي طلب الجيش الإسرائيلي إخلاءها، فبقينا في المنزل، وفي تلك الليلة كانت أشد من كُل اللَّيالي، حيثُ كانت الانفجارات مجنونة وكثيرة بشكلٍ لا يُصدق، وقذائف المدفعية لم تتوقف لثانية واحدة، والأصوات قوية جداً وكأن المنزِل سَيهوى على رؤوسِنا في أي لحظة.

 وبعد تفكير وصعوبة الأمر اتخذنا قرار النزوح من المنزل للمرة الثانية، نترُك ذِكرياتنا المُبعثرة التي وجدناها أول مرة، نترُكها على أملِ الرجعةِ لها واحتضانها في ذاكرتنا لمدة أطول.  وفي الصباح؛ وبعد ليلة قاسية انتقلنا إلى 'تل السلطان' المنطقة الّتي زعم الجيشُ مُغتصب الأرض والحياة، أنها آمنة لمواطني رفح؛ للهروب من فظاعة الليلة لمكان ليس آمنًا، وتم تجهيز الخيام. للعيش هناك في حال طلب الجيش الإسرائيلي إخلاء المناطق الغربية لمدينة رفح كما طلب من شرقِها، وهنا أقول إننا حتى الآن نبقي أنفسنا على قيد الحياة، نَنتَظِر، ندعو، ونتمنى من الله عز وجل أن تنتهي هذه الحرب في أقرب وقت.

ونحنُ أحياء؛ ولِلحُلمِ بقية.

صفية معين الخياط

خريجة صحافة وعلاقات عامة، كلية الدراسات المتوسطة - جامعة الأزهر. من سكان رفح - حي الجنينة.

رأيك يهمنا