على عتبة انتخابات السلطات المحلية العربية

نحن على عتبة انتخابات السلطات المحلية العربية التي تعتبر الأخطر منذ 50 عام. حكومات إسرائيل على مدار السنين حاولت إضعاف القيادة العربية وإقصاء الجماهير العربية من التأثير السياسي الحقيقي على القرارات السياسية والحياة العامة في البلد. عملت المؤسسة الإسرائيلية مرارًا على إخراج لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية خارج القانون، لمحاولة المسّ في مكانة السلطات المحلية واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية.

انتخابات السلطات المحلية العربية تعتبر هامشًا حيويا من هوامش "الديمقراطية" والتأثير السياسي في البلاد، وتمنح الجماهير العربية فرصة للتأثير على واقعها المباشر والمساهمة في بلورة ملامح مستقبل المدن والقرى العربية. دور رئيس السلطة المحلية العربية لطالما جمع بين المحلي والقطري، وبين المطلبي المدني وبين السياسي الوطني.

منذ إنشاء اللجنة القطرية سنة 1974، يعمل رؤساء السلطات المحلية العربية ضمن نضالات جماعية وحدوية ضد سياسات التمييز والاضطهاد ومن أجل حقوق المواطنين العربية في البلاد، وقادت الرؤساء نضالات جماهيرية وسياسية وقانونية وإعلامية ومهنية بقيادة اللجنة القطرية كهيئة تمثيلية وحدوية. 

أخطر المخططات لحكومات إسرائيل متعاقبة هي إضعاف رؤساء السلطات المحلية العربية واللجنة القطرية ضمن استراتيجية الهاء القيادة العربية في تقديم خدمات والنضال من أجل الحصول على الميزانيات المستحقة وكأنها إنجازات كبيرة على المستوى السياسي والمدني. ولكن حتى هذه المخططات والاستراتيجية فشلت أمام القيادات العربية المتمثلة في اللجنة القطرية ولجنة المتابعة ورؤساء السلطات المحلية العربية، وبدورها قامت الحكومة في تطوير آلياتها وإغراق المجتمع العربي في آفة الجريمة المستشرية في قرانا ومدننا في السنوات الأخيرة. لذلك، علينا الآن مواجهة جرائم العنف وسياسات الحكومة الممنهجة ضد المجتمع العربي ضمن معركة الحقوق والمساواة المستمرة منذ النكبة وحتى يومنا هذا وليس كمعركة منعزلة عن الحقوق المستحقة والمساواة.

علينا أن ننظر إلى انتخابات السلطات المحلية القريبة محطة فارقة والأهم في تاريخ المجتمع العربي، والتي بإمكانها أن تنتج منافسة عائلية وحمائلية وطائفية بعيدة كل البعد عن الرؤية الوطنية التقدمية ولا تشمل مشاركة النساء والشباب في المنافسة السياسية ومواقع صنع القرارات على المستوى المحلي والقطري.

رغم أنف الواقع والظروف، أنا أعول على ضمان حرية التنافس والتعددية في انتخابات السلطات المحلية في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر وذلك من ايماني بالوعي السياسي الاجتماعي لأبناء مجتمعنا بعيدًا عن التعصب والتقوقع، مع العلم أن جهاز الشرطة والحكومة سوف تتيح أي محاولات كهذه بغية تحقيق الأهداف الاستراتيجية والمخططات والمحاولات لإضعاف رؤساء السلطات المحلية.

ليس بالتدخل في يوم الانتخابات فقط وإنما تعمل الحكومة الإسرائيلية على اضعاف السلطات المحلية العربية ورؤسائهم عن طريق احتجاز الميزانيات المستحقة، وبالتالي المس في الخدمات للمواطنين في أشهر الانتخابات أي ايضًا التأثير على رأي الناخب لشح الميزانيات للرؤساء الحاليين.

هذه الخطوة واقتطاع العديد من الميزانيات في القرارات الحكومية، والتي تعتبر الحدّ الأدنى من الحقوق للمواطنين العربي، هي بمثابة تدخل مباشر من قبل الحكومة في العملية "الديمقراطية" على المستوى المحلي، وبالتالي على المجتمع أن يعي بشكل كامل لمحاولات المؤسسة الإسرائيلية بزيادة تبعية السلطات المحلية لها، والمسّ بمكانة السلطات المحلية العربية.  

يجب قراءة سيناريو الانتخابات ضمن معركة الحقوق وتقييم استفحال الجريمة والعنف تحت إطار المخططات الحكومية لإضعاف المجتمع العربي وعزله عن أي تأثير سياسي ومدني وحقوقي، وبموجب أدوات الانفرادية المستعملة لعزل أبناء شعبنا عن النضالات الوحدوية.

أعداد الجرائم الرهيب وبالمقابل نسبة تقديم لوائح الاتهام المنخفضة حتى المعدومة، تشير إلى سياسة حكومة ممنهجة تتيح لمنظمات الاجرام الاستمرار في عمليات القتل والتصفيات دون أي رادع وقانون يحمي المواطنين العرب. عدم الإعلان عن التصدي لجرائم القتل في المجتمع العربي كمهمة على مستوى الحكومة كلها وإيداع ملف الأمن الداخلي في يد وزير عنصري تم اتهامه مسبقًا في الضلوع في عمليات إرهاب وعمليات جنائية وصلت إلى أكثر من 50 لائحة اتهام، تؤكد على وجود سلم أولويات عنصري واضطهادي من الأساس.

لذلك، يتوجّب على المجتمع العربي الانتفاض ضدّ استفحال الجريمة وإجبار الحكومة على القيام بدورها، كما استطاعت بمحاربة الجريمة في البلدات الإسرائيلية، بنفس الشرطة وأما منظمات اجرام إسرائيلية تعمل بنفس الأسلوب. لن يحدث هذا إذا ما كان تعبئة للجماهير العربية وزيادة الثقة والعزة على قدرتنا بتغيير المعادلة واحداث التغيير. لن يحدث هذا دون تشويش وتعطيل حركة كل إسرائيلي والمرافق الاقتصادية في البلاد، وتصويب الرأي العام الإسرائيلي وتسخير الإعلام الإسرائيلي لمطالبة حكومتهم بشكلٍ فوري برصد الموارد والملكات والأدوات للجم منظمات الإجرام.

رسالة المجتمع العربي واضحة - احنا بدنا نعيش: بأمان، بكرامة، ومساواة وسلام. بدنا نعيش بأمان في الحيز العام وفي ساحة المنزل وفي الشارع. بدنا نعيش بكرامة أمام غلاء المعيشة، بوجود أكثر من 40% من الأطفال العرب تحت خط الفقر ونسبة بطالة عالية. بدنا نعيش بمساواة في الأرض والمسكن ومساحات ومرافق عامة، بدنا نعيش بمساواة في الميزانيات في التعليم، والثقافة، والرياضة، والتشغيل. بدنا نعيش بسلام - سلام لأبناء شعبنا الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال ويعاني من انتهاكات يومية لأرضه ووطنهِ ومقدساته. سلام داخلي بيننا، بعيد عن التعصب والتقوقع وعن الأبوية واضطهاد النساء.

ونحن نتهم: المؤسسة الإسرائيلي المسؤولة الأولى والوحيدة عن استفحال الجريمة في المجتمع العربي، عن القمع والاضطهاد وانتهاك الحقوق الأساسية، عن المسّ في مقدساتنا وأرضنا ووطننا، وعن محاولات تفريقنا وتفكيكنا واضعاف القيادات.

أريد أن أنهي مقالتي في قول أمير الشعراء أحمد شوقي: وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي، وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا وَما اِستَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا

أوجه ندائي الى أبناء شعبنا: توحّدوا وراء القيادات العربية، اخرجوا إلى الشوارع، تظاهروا، اضربوا، تمالكوا الاحتياجات الحياتية والرفاهية من أجل قضية شعب ينتفض من أجل الحياة.

المحامي أمير بشارات

محام ومدير عام اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية. من مهجري قرية معلول المهجرة، ولد وترعرع في يافة الناصرة ويسكن في يافا

رأيك يهمنا