حكومة نتنياهو، سياسة الفصل والإختراق في المنطقة العربية!

ما انفك نتنياهو وحكومته اليمينية في تعميق سياسات اقصائية عنصرية تجاه الفلسطينيين، وترافقت خطوات نتنياهو وحكومته هذه في محاولة "مدّ جسور" مع العالم العربي (أو مع بعض أنظمته)، وتعميق الدور الإقليمي لإسرائيل في المنطقة.  

يركّز هذا المقال على ثلاثة معالم أساسية لسياسة نتنياهو في المنطقة العربية ويعرّج على سمات هذه السياسات وما يميزها، كما يتناول السياق العربي وما الذي جعل بعض الدول تقبل بالتطبيع مع إسرائيل. قبل الخوض في هذه السياسات من المهم ذكر سياق سياسات نتنياهو في المنطقة العربية، فهناك ثلاثة أمور تشكّل خلفية لسياسة نتنياهو في العالم العربي، أولها، السعي الإسرائيلي الدائم للحصول على اعتراف من العالم العربي بإسرائيل والتطبيع معها، وذلك يشكّل هاجساً إسرائيلياً تاريخياً، وتطبيع العلاقات مع أنظمة العالم العربي يمكن أن يخفف من "مخاوف" إسرائيل الأمنية، ويشكّل مكسباً دولياً في مواجهة كل من ينتقد احتلالها وإحلالها وسياسات الفصل التي تنتهجها في الأراضي الفلسطينية، ولا يوجد أفضل من أن يقوم صاحب الحق بالاعتراف والتنازل لمحتّله، وهذا يشكّل مسعى إسرائيلي دائم لتحقيق هدف استراتيجي بقبولها في المنطقة. السياق الثاني لخطوات نتنياهو مرتبط بحالة عدم الاستقرار الداخلي الإسرائيلي وحرصه للقفز عن مشاكله الداخلية من خلال إنجاز إقليمي يُحسب له. وأخيراً، يستغل نتنياهو حالة  الضعف الفلسطيني والعربي لاختراقه، فحالة التشرذم الفلسطيني والانقسام، وعدم وجود رؤية وبرنامج فلسطيني جمعي وواعد لمقاومة احتلال وسياساتها يمكن دعمه، ناهيك حالة "محللة" القضية الفلسطينية لتصبح شأناً فلسطينياً محلياً بحتاً وذلك بخطوات قامت بها الحركة الوطنية الفلسطينية بشكل مقصود أو من دونه، ليتراجع الدعم والدور العربي والإسلامي تجاه القضية الفلسطينية مع احتكار القيادة الفلسطينية القرار في مستقبل هذه القضية مع ما لذلك من إيجابيات وسلبيات. 

في ظل هذه السياقات، عمل نتنياهو على عدة سياسات قادها بنفسه، وأؤكد على شخص نتنياهو وليس الحكومة الإسرائيلية، للارتباط الوثيق بين نتنياهو وهذه السياسات فهو بالأساس صاحب التصور والنهج، وهو من قام بجر باقي الحكومة ومجمل الحلبة السياسية الإسرائيلية لهذا المربع بناءً على تصوره ونهجه وأجندته لعلاقة إسرائيل الخارجية. وهنا سأشير لثلاثة سياسات اتبعها نتنياهو:

السياسة الأولى، تحييد القضية الفلسطينية أو تهميش قضاياها الأساسية: عمل نتنياهو على تحييد القضية الفلسطينية أو بأبعد تقدير ذكرها بشكل هامشي ومن دون حل لقضاياها الأساسية، ويترافق ذلك مع تجزئة وتقليص الصراع من صراع بين الأمة العربية والاسلامية كاملة وإسرائيل ليصبح لكل دولة نهجها في هذا الصراع، ونجح لحد ما في "ضرب" التكتل العربي الذي جعل أي تعامل مع الدول العربية يجب أن يكون تعامل مع كتلة واحدة في صراعها مع إسرائيل (مع الأخذ بالاعتبار اتفاقيات السلام بين بين مصر والاردن واسرائيل)، وأي تقدم في أي علاقة مع إسرائيل مرتبط بالقرار الجمعي العربي وبشكل أساس بحل القضية الفلسطينية.

هذا الأمر ينسحب مع خطوات واعتداءات اسرائيل في سوريا ولبنان وغيرها ونجاحه في أن تكون خطواته هذه من دون تكتل عربي ضدها (مع إدراك لتعقيد الملف السوري) لتصبح مشاكل وقضايا ثنائية بين دول مختلفة. كما أن نهج نتنياهو في تحييد القضية الفلسطينية، كان يتبع ثلاثة أدوات أساسية، 1)جعل القضية الفلسطينية شأناً اسرائيلياً داخليا يتم حسمه من خلال سياسات إسرائيل الواضحة وتعاملها مع السلطة الفلسطينية كمسّير للعمل الإداري في الضفة الغربية وصلب مشكلتها مرتبطة باستمرار وضعها المالي وسلطتها، 2)مد جسور مع العالم العربي وإظهار "الفرص" المرتبطة بتعاونهم مع إسرائيل وتخليهم عن الفلسطينيين، 3)تحجيم القضية الفلسطينية في السياسة الدولية، خصوصاً مع تطورات وظروف دولية وإقليمية ساعدت نتنياهو على ذلك من الربيع العربي والحروب المختلفة في العالم.

السياسة الثانية، التركيز على الأخطار الإقليمية: حاول نتنياهو التركيز على المخاطر الإقليمية وتعزيز فكرة التنافس الإقليمي في المنطقة وضرورة وجود تحالفات تقع إسرائيل في صلبها في خضم هذا التنافس، مع التشديد الإسرائيلي على خطورة إيران والمنظمات المختلفة. وبالتالي التركيز على الأمن الإٌقليمي كافية لتبرير مد الأنظمة العربية لجسور التعاون مع إسرائيل، بتجاهل لكون إسرائيل تشكل بذاتها تهديداً للأمن العربي الإقليمي بخطواتها وسياساتها. هذا النهج تقاطع مع حالة عدم الاستقرار في المنطقة وتعمّق الاصطفاف الطائفيّ والتنافس الإقليمي بين الدول الكبرى في المنطقة، وتصوير إسرائيل على أنها ضحية لسياسات إيران هي والدول العربية الأخرى، وبالتالي يجب التعاون في مواجهة هذا "العدو". 

السياسة الثالثة، بين القوة و "القوة الناعمة"، فيما كانت لسنوات تتعامل إسرائيل بقفازات أمنية مركّزة على قوتها وقدرة ردعها، وتترجم ذلك من خلال سياساتها في المنطقة وتمثل ذلك في اعتدائها وقصفها في عدة دول مثل سوريا، ولبنان، والعراق وغيرها. باتت تتوجه للعالم العربي أو لجزء منه، بسياسة أكثر "نعومة" من خلال تركيزها على جوانب اقتصادية وصناعية، مثل أنها تستطيع توفير تكنولوجيا متقدمة في عدة جوانب، وعلى إمكانية التعاون والتكامل الاقتصادي، كافية لجذب بعض الأنظمة لتطبّع معها، وهذا ما حدث في سياق التطبيع مع عدة دول واختراقها. 

في ذات السياق كان هناك واقع عربي مركّب تمركز فيه ما أسميه "الأنانية الوطنية" بحيث باتت الدول والأنظمة تركّز على ما تراه مصالحاً وطنية لها من دون الأخذ بالاعتبار الجوانب القيمية والأخلاقية والقضايا العادلة العابرة للقضايا الوطنية (وبالمناسبة حتى في سياق "المصالح الوطنية المحلية" لم يجلب التطبيع تحقيقاً لمصالح وفوائد وطنية كما ظنت هذه الأنظمة). هذا ترافق مع التركيز من قبل الأنظمة ومن قبل بعض المواطنين على جوانب الانتعاش والتقدم الاقتصادي والسعي له بكل أسلوب، حتى لو كان ذلك على حساب مد جسور من يعتبر عدواً لشعوب، وبنظر شعوب، المنطقة (مع التأكيد عن أن الأغلبية الساحقة من مواطني العالم العربي ضد التطبيع كما تشير استطلاعات مثل البارومتر العربي والمؤشر العربي وغيرها). ناهيك عن حالة الشعور، عند بعض الأنظمة، بأن إسرائيل هي منصة مناسبة للحصول على اعتراف ودعم أمريكي لأنظمة تبحث عن دعم ومساندة وتثبيت لها في ظل واقع عربي متقلب وحالة من الثورات وعدم الاستقرار.

كل هذه العوامل، السياسات والسياقات جعلت من إسرائيل قادرة على تعميق اختراقها للمنطقة العربية وحرص البعض للتطبيع معها، مع تصور مبالغ فيها لدورها وإمكانياتها، وتحييد للقضايا الأخلاقية والقيمية والوطنية والدينية في نسج علاقات مع اسرائيل والتي تحتل وتقوم بسياسات احلالية واحتلالية في المنطقة العربية. في المقابل وفي ظل هكذا واقع يبدو أن مهمة الفلسطينيين والعرب والمسلمين إعادة موضعة الصراع مع إسرائيل ببعديه القيمي والأخلاقي والتحرري المنبثق من عدالة القضية، والسعي لتعزيز الالتفاف العالمي الشعبي حولها كآلية للضغط على السياسيين وتغيير السياسات.

د. ابراهيم خطيب

أستاذ جامعي في إدارة النزاعات في معهد الدوحة، أكمل د. خطيب درجة الدكتوراة في العلوم السياسية عام 2018 من جامعة هومبولت في برلين.وواصل أبحاثه لما بعد الدكتوراة في جامعتي أكسفورد وهارفارد. متخصص في دراسات النزاع، سياسات الشرق الأوسط، الدين، الديموقراطية، والهويات

شاركونا رأيكن.م