2022 عام الخروج من نفق كورونا: تنذكر وما تنعاد

مع انتهاء سنة الألفين واثنين وعشرين يمكن أن نطلق عليها سنة الخلاص والخروج من النفق المظلم الذي أدخلتنا فيه جائحة كورونا، بما في ذلك من تقييد الحركة وبتر العلاقات العائلية والاجتماعية وتحديات حياتية وإغلاق مدارس ومرافق عامة، اضافة الى الحالات المرضية والوفيات غير المسبوقة.

لقد تعرضت الإنسانية لأوبئة عدة في الأربعين سنة الأخيرة، بدءًا بوباء الإيدز في العام 1981 مروراً بإنفلونزا الطيور في العام 2009، إنفلونزا الخنازير 2009، إيبولا 2018، ووباء كورونا الذي اجتاح العالم وتطور خلال أشهر قليلة ليصبح جائحة تجتاح العالم بأجمعه ويعيدنا مئة سنة إلى الوراء، إلى العام 1919 حين انتشر وباء الانفلونزا الإسبانية وحصد عشرات الملايين من الضحايا.

لقد أثبتت التجربة أن تطوير البحث العلمي وتوظيف الأموال لاختراعات جديدة، وإن كانت تبدو كأنها غير مفيدة حاضراً، ألا أن هذه الاختراعات والأبحاث قد أتت أكلها في الماضي بتطوير الأدوية، وخاصة اللقاحات لأكثرية هذه الأوبئة ووصلت قمتها بتوظيف تقنيات مبتكرة للتعامل مع جائحة مثل الكورونا التي كادت أن تكون كارثية كسابقاتها، لولا توظيف إنجازات البحث العلمي في تطوير لقاحات مبتكرة بسرعة غير مسبوقة ونجاعة قاربت المئة بالمئة. هذه اللقاحات على اختلاف التقنيات المستعملة في تطويرها استطاعت ان تنقذ أرواح الملايين وأن توصلنا في سنة 2022 إلى شاطئ الأمان والعودة إلى حياتنا الطبيعية تقريباً بسرعة لم تكن تخطر على بال أحد.

إذا عدنا الى هذه المرحلة، منذ انتشار الجائحة في نهاية 2019 وحتى الآن، يمكننا أن نصل إلى بعض المشاهدات المهمة:

عالمياً، تعلم العالم درساً مهماً مفاده أن التواصل السريع وترابط القارات والدول والشعوب يعني بالضرورة أن الإنسانية هي جسم متكامل وأنه لن يكون أحدٌ بخير إن لم يكن الجميع بخير. هذا الدرس لم نصل إليه إلا بعد صراع مع النظرة الفوقية، التي لامست العنصرية، بأن اللقاحات آلتي تنتج ستستعمل أولاً في الدول الغنية، أي في أوروبا وشمال أمريكا. وبالفعل، أكثر من ثمانين بالمائة من الإنتاج العالمي كان مدفوع الثمن وموجهاً لهذه الدول. كذلك، ونتيجة للصراعات السياسية الكونية، طُرح بعض هذه اللقاحات وكأنه درجة ثانية وثالثة مقارنة بالصنف الممتاز المنتج في الولايات المتحدة وأوروبا. أدى هذا في النهاية إلى نشوء توترات وصراعات كان نتيجتها التردد من قبل الجمهور العريض لأخذ هذه اللقاحات وهو ما أدى، بالضرورة، إلى موت الكثيرين وتعثر عملية التوزيع وعملية التطعيم. في هذه الأوضاع الصعبة برز دور المؤسسات العالمية، وخاصة منظمة الصحة العالمية، التي أثبتت قدرتها على التعامل مع هذه المهمة بتطوير آليات وصول اللقاحات المطلوبة إلى اكثرية الدول الفقيرة، وإنْ بنجاعة أقل مما كان مأمولاً.

عربياً؛ ظهر إفلاس الحكومات العربية على طول العالم العربي وعرضه في التعامل مع هذه الجائحة ولم تكن لديها القدرات اللازمة للوصول إلى الجماهير التي فقدت ثقتها بهذه الأنظمة وحكوماتها مما خلق صعوبة هائلة في تطبيق الخطوات الاحتياطية لمنع انتشار الوباء من ناحية أولى. ومن ناحية أخرى، كانت الجماهير العربية الواسعة عرضة وفريسة لنظريات المؤامرة المتفشية عالمياً، وأخرى مع نكهة محلية. إذا استثنينا بعض دول الخليج الغنية فإن الدول العربية كاملة كانت تقف في الدور للحصول على بضعة آلاف من الحقن بينما هي بحاجة إلى ملايين الحقن. لقد تجسد إفلاس النظام الصحي العربي وبرز بأنه حتى القليل الذي وصل إلى بعض الدول العربية فشلت في توزيعه واستعماله، الأمر الذي أدى الى تلف هذه الأدوية. كذلك، أدى فقر البحث العلمي وعدم وجود بنية تحتية في هذه الدول ـ نتيجة لأولوياتها العرجاء ـ إلى عدم الجهوزية للتعامل مع تقنيات جديدة مبتكرة ونقل هذه التقنيات وتبنيها محلياً.

على المقلب الآخر، كان أداء الاختصاصيين والأطباء العرب على الأرض وفي الشتات مشرّفاً في لعب دورهم الريادي الفعال لنشر الوعي والتدريب والإرشاد. كذلك، التناغم بين المختصين ووسائل الإعلام العربية من المحيط للخليج كان صورة مشرفة لقدرة هذه الأمة على أن تتفاعل وتتعامل بنجاعة مع أمور مصيرية كهذه الجائحة.
أعتقد، ومن تجربتي الشخصية مع الكثير من هذه الشريحة الواسعة خلال السنتين الاخيرتين أن لدينا كادراً إعلامياً مثقفاً ومتابعًا استطاع خلال هذه المحنة أن يوصل المعلومة والنصح للجمهور العريض وكذلك متابعة ومواكبة مراحل تطوير الأدوية والتطعيمات المختلفة وطرح الاسئلة الذكية التي تجيب على تساؤلات الإنسان البسيط في الشارع العربي. وبرأيي أنهم لعبوا دوراً مركزياً في ما حققناه اليوم من عودة إلى حياة طبيعية

في الختام، يمكن أن نقول إنه برغم الهفوات والمطبات والعقبات، إلا أن العالم اليوم ومع نهاية هذا العام يعود إلى حياة أكثر طبيعية نتيجة لتظافر الجهود العالمية، وخاصة منظمة الصحة العالمية، لجعل هذا الفيروس حالة مرضية يمكن التعامل والتعايش معها، كما الأمراض والفيروسات الأخرى. رأيي أننا لن نقضي على هذا الفيروس نهائياً كما قضينا على مرض الجدري من قبل، لكن الخروج من نفق الجائحة بهذه السرعة الهائلة هو حدثٌ مثير جداً.

د. علي فطوم

باحث في علوم المناعة والتطعيمات واستاذ مشارك (زائر)، جامعة ميشيغان - آن آربر

شاركونا رأيكن.م