وعاشوا بثبات ونبات.. قصص الزواج في الحكايات الشعبية

كانت مؤسسة الزواج امراً بديهيا لا بد منه لاجيال واجيال من البشر من مختلف الثقافات حول العالم خاصة بعد ما اتت الديانات الموحدة واسبغت القداسة على هذه المؤسسة ،ومن صديق شاب مسيجي فهمت ان ان الزواج واحد من اسرار الكنيسة المهمة ، ومن صديقة مسلمة فهمت ان الذي لا يتزوج تقل اماكنيات دخوله الجنة.

في العالم الغربي بدا النقاش حول مؤسسة الزواج منذ اكثر من 200 عام ، وفي السنوات الاخيرة بدأت مجتمعاتنا العربية هذا النقاش والتداول حوله واعادة النظر في حتمية هذه المؤسسة الاجتماعية /الدينية /الاقتصادية.

الحقيقة اني من جيل اعتبر الزواج امر غير قابل للنقاش هذه المقالة جعلتني اذهب للبحث عن تاريخ مؤسسة ""الزواج"" في سراديب الانترنت ،وكنت على وشك الغرق في الكم الرهيب من المعلومات حول الموضوع واصوله عبر التاريخ والثقافات فتوقفت عن التنقيب.

كان أهم ما توصلت اليه انه تم اكتشاف اول وثيقة لعقد زواج بين رجل وأمرأة منذ 4370 عام في بلاد الرافدين (العراق) وكان يتم الزواج حسب المصالح العملية الحياتية والقبلية والاقتصادية والمادية والعائلية والسياسية الخ .

اما الزواج بمفهومه الحالي والمرتبط بالحب والرومانسية والشراكة العاطفية ما هو الا امر حديث نسبيا ويعود لمائتي عام فقط.

في هذه المقالة الأولية جدا المختزلة ساوافيكم ببعض النماذج من حكاياتنا الشعبية المعدة للاطفال في زمننا الحالي ، والتي ما زالت تعكس الزواج بفهومه السائد ما قبل مئتي عام والذي لا يمت للرومانيسة بشيئ.

من اهم مواصفات الحكاية الشعبية اكاديماً موضوع ضرورة وجود النهاية السعيدة ، والزواج من اكثر النهايات السعيده رواجا عربيا وعالميا في الحكايات التي غالبا ما كانت تنتهي بهذه الجملة المصرية الاصل "" عاشوا بثبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات توته توته خلصت الحدوثة "" حكايات كبرت اجيال واجيال على سماعها وتذويت مضامينها التي تكرس واقع موجود ،بداية بسندريلا وبيضاء الثلج مرورا بجبينة والشاطر حسن . وقد كرست الحكايات الشعبية فيما كرست من قيم ايجابية واخرى سلبية موضوع ارتباط السعادة بالزواج من امير غني وجميل ومن ضرورة توفر صفات الجمال المميز في العروسة المختارة.

كتاب ""قول يا طير""* للأطفال:

اخترت هذا الكتاب لانه يضم حكايات شعبية تم إعدادها للأطفال والفتيان عن كتاب بحثي قيم جدا يحمل العنوان ذاته ""قول يا طير"" للباحثين القديرين جدا د.شريف كناعنه ود. إبراهيم مهوي. ونقدي الاكاديمي لا يمس مهنيه الباحثين وسعيهم في تجميع حكاياتنا الشعبية وتحليلها ، عرض موضوع الزواج وانعكاسه في حكايات الكتاب نابع من اهتمامي بموضوع الحكاية الشعبية واعادة مركزيتها في حياة اطفالنا ، على ان يتم اختيارها وتحريرها بوعي كامل للقيم التي لا تناسب عصرنا الحالي.

يحتوي الكتاب على12 حكاية ،6 منها تتعامل مع موضوع الزواج او العلاقة بين الزوج والزوجة ، الجدير بالذكر انه في جميع هذه الحكايات لا وجود لأي عاطفة حب او شوق او حنين او فرح او غضب بين الزوج والزوجه او بين من يرغب بالزواج وبين من يسعى للزواج منها.

أهمية امتلاك العريس للذهب وصفات العروس/ العريس المفضلهحكاية ""الخنفسة"" هي من الحكايات النادرة التي تبدو لاول وهله نسوية جدا خاصا انه لا وجود للأب او العائلة الموسعة كما وتُعطي للبطلة فيها امكانية شكلية لاختيار زوجها المستقبلي ، ولكن بوصاية امها التي ترشدها للاختيار الاكثر ملائمة حسب ما تراه مناسبا من ناحية صفات العريس الخارجية وكأنه لا توجد حاجة لمعرفة صفاته الاخلاقية ،كما ان هناك طلب ارفاق الذهب مع العروس ""الخنفسه"" التي صارت بعمر ملائم للزواج وتبعثها اماه لتجلس على قارعة الطريق ليراها العرسان ، وتطلب الام من خنفسه ان تعود اليها قبل الموافقة وبعد ان تكررعلى مسامع العرسان جملة ""حط الذهب بكمي لاروح اشاور أمي"" تعكس هذا الحال . وهذا ما تفعله ""خنفسه"" ويتم رفض كل من الجمل والثور من قبل الام بسبب حجمهما الضخم مقارنة بالخنفسه ، ويقع الاختيار على الفار لان الام وجدت في وصف خنفسه له بأنه الاكثر ملائماً ليكون العريس.

الجدير بالذكر ان موضوع اختيار العريس كان المقدمة لاحداث الحكاية المثيرة والتي يقوم من خلالها الفار بانقاذ خنفسة من الغرق.

الجمال والاهم ""البياض"" ( الامر ما زال قائما تابعوا دعايات تبيض البشرة وعمليات التجميل) كأحد الشروط لاختيار العروسة الملائمة. حكاية ""جبينة"" وهي حكاية صبية بيضاء مثل الجبنة وحلوة تبقى لوحدها في الليل ويجدها الامير ويقوم بحملها الى قصره ولكن هي تقوم بصبغ حالها بالفحم لكي لا يقترب منها احد(امر غير منطقي ابدا بعد ان وثقت به ورافقته لقصره، لكن هذا موضوع لمقال اخر) ولكن الامير يكتشف الامر ويعرف حكاياتها وتغتسل ليكتشف انها بيضا كالجبن فيتزوجها (قام الكاتبان بتحرير الحكاية الاصلية بهدف تجاوز موضوع الخادمة ذات البشرة السوداء التي كانت مرافقة لجبينة ولكنها قامت بخداعها وصبغت جبينة بالفحم وصبغت جسمها بالكلس فاختارها الأمير زوجة له وتحولت جبينة لخادمة في قصره حتى اكتشف الخدعة).

شرعية تعدد الزوجات وتفضيل بنت العم كزوجة. حكاية ""نص نصيص"" في احد صيغ هذه الحكاية يكون لرجل ما اربع زوجات لا يلدن . اما في الحكاية المعدة للاطفال في الكتاب للرجل زوجتين. ""كان يا ما كان في قديم الزمان كان هناك رجل له زوجتان واحدة منهما بنت عمه والاخرى غريبة.""

زوجتي الرجل لا تقدرن على الحبل ، يستشير الرجل شيخ موثوق الذي ينصحه باحضار كوزي رمان من غول الجبل.بعد رحلة شاقة وبطولات في مواجهة عدة غيلان يعود الرجل مع كوزي الرمان ولكنه كان جائعا فقرر ان يأكل نصف رمانه زوجته بنت عمه لانها ستفهم الامر عكس زوجته ""الغريبة. ""

تاكل بنت العم نصف رمانة وتلد نصف طفل ""نص نصيص"".

قرار الرجل باكل نصف رمانة زوجته القريبة (بنت عمه) يعكس تعامله معها وقناعته بانه مهما فعل ستكون راضية عليه بعكس ""الغريبة"" التي لن ترضى عنه. وارى في ذلك تكريس موضوع زواج الاقارب خاصة اولاد العمومة.

الأبنة /العروس كجائزة للبطل

في الكثير من الحكايات العربية والعالمية تكون العروس من نصيب من ينقذ المملكة من عدو غاشم او يفلح في حل معضلة تواجه الملك والد الصبية الذي يضع ابنته بمثابة جائزة من نصيب الفائز.

حكاية "" الشاب الشجاع"" تبدأ الحكاية ""كان في احدى المدن ملك وكان للملك أبنة جميلة وكان في المملكة غول شرير ، في أحد الايام أعلن الملك انه سيزوج ابنته الى من يستطيع قتل الغول""

""وكان في المدينة شاب يرغب بالزواج بابنة الملك لكن فقره لم يسمح له بالزواج من بنت ملك...قرر الشاب الفقير ان يقتل الغول ليتزوج بنت الملك.""

استطاع الشاب الفقير التخلص من الغول وتزوج من الاميرة ابنة الملك ""وأقاموا الافراح والليالي الملاح.""الواضح جدا انه لا وجود لاي حب او اي عاطفة وهناك تشديد على فقر الشاب ورغبته بالزواج ببنت ملك واصراره على الامر جعل مهمته غير مستحيلة وتحقق حلمه.

حكايتين من مخزون حكاياتي

حرية الاختيار رغم وحشية العملية

حكاية ""السماك""* سمعتها لاول مرة من ام يوسف الحوراني رحمها الله عام 2012، وهي من الحكايات النادرة ذات التوجه النسوي جدا حيث ان بطلة اخر مشاهد الحكاية اميرة تقوم لوحدها باختيار من تريده عريسا لها وذلك من خلال لعبة ""الغميضة"" حيث تشترط الزواج بمن يتغلب عليها والموت لمن تغلبه .لكن في هذه الحكاية ايضا هناك غياب للمشاعر في عملية الاختيار العشوائية جدا ،الجدير بالذكر انه لا وجود للملك او الملكة الا عندما يقوم ابن السماك بعد ان نجح في التغلب على الاميرة بلعبة الغميضة بالمجيء للملك والملكة بصبحة والديه لكي يطلب الزواج بابنتهم. قمت بتحرير الحكاية واستبدلت قتل المغلوبين بلعبة الغميضة من الشبان بنفيهم خارج المملكة ، لكن اراها ما زالت تكرس القيم البالية من ناحية انعدام المشاعر في عملية اختيار شريك الحياه واللجوء الى شرط عشوائي جدا ""لعبة الغميضة"" لتقرير من سيكون عريس الاميرة.وارى ان تسرد هذه الحكاية للفتيان والفتيات شرط ان يليها نقاش حول موضوع إختيار شريك الحياة.

العروس كسلعة للمقايضة

حكاية ""الديك الهادر"" من الحكايات الفلسطينية الشعبية التي لم اسمع او اقرأ شبيه لها في الثقافات الاخرى ، سمعت هذه الحكاية في صيغتها الاصلية بداية من ابي ميخائيل جبران رحمه الله ، وصيغة اخرى صدرت مكتوبة من اعداد زين العابدين الحسيني عام 1985. هي حكاية ديك جائع يجد قمحة ويقايضها بحفنة طحين وبرغيف خبز وبصل وعسل وغنمة حتى يحصل على جاموسة ويقايضها بعروسة هكذا كان ابي يسردها لي ،وايضا الكاتب زين العابدين ينهي صيغته للحكايه قائلا :ً"" واخذ الديك عروسه التي لم يكن مهرها سوى حبة القمح التي عثر عليها بالبيادر"".

*كانت هذه الحكاية من اول حكايات قمت بتحريرها واعادة سردها وبالطبع لم اتقبل الصيغة الاصلية للحكاية وبدلت النهاية بحصول الديك على ""تاج العروسه "" بدل ""العروسة"" وبما اني دربت مئات الحكواتين في البلاد وفي انحاء العالم العربي فأن الصيغة المعدة هي اليوم الصيغة المعتمدة لجميع من يحكي حكاية ""الديك الهادر""

في النهاية اود ان اقول بأن الموضوع شائك وبحاجة لدراسة عميقة على عدة مستويات ، نفسية اجتماعية تربوية وعلينا ان نكون واعيين جدا للامر كحكواتين وكمربين وكمحررين لنصوص تراثية للاطفال من حكايات واهزيج وامثال شعبية لتماشي اطفالنا الذي يكبرون لمستقبل مختلف عما عشناه نحن جيل الاهل والاجداد.

من اهم وظائف الحكواتي الحقيقي على مر التاريخ ملائمة حكاياته لواقع مجتمعه المتغير في كل مكان وزمان مع التزامه بروح الحكاية الاصلية ، للأسف الشديد اغلب من يمارسوا فن الحكي او تحرير النصوص الشعبية خاصة للأطفال غير واعيين لدورهم في تكريس القيم البالية خاصة في كل ما يتعلق بدونية المرأة وعدم تقبل الاخر..وبالتالي بمؤسسة الزواج.

الاحالات:

برونو باتلهايم (1985) ""التحليل النفسي للحكايات الشعبية""، دارالمروج - بيروت.

دنيس أسعد، ""الذكاء العاطفي وفن الحكي"" (أيلول 2008) مجلة مشاركة - الناصرة.

إعداد: زين العابدين الحسيني. ""الديك الهادر""، دار الفتى العربي - بيروت لبنان (1985).

شريف كناعنة، إبراهيم مهوي. ""قول يا طير""، مؤسسة الدراسات الفلسطينية - بيروت لبنان (2010).

شريف كناعنة، إعدادإ براهيم مهوي،""قول يا طير""(حكايات للأطفال من التراث الفلسطيني)، مؤسسة الدراسات الفلسطينية - بيروت لبنان (2010).

حكاية الديك الهادر

حكاية السماك

عن تاريخ مؤسسه الزواج

دينيس أسعد

حكواتية وباحثة في ادب الأطفال

رأيك يهمنا