من وحي المونديال: قطر وفلسطين وجهان لعملة واحدة

بعد حفل افتتاح مونديال ٢٠٢٢ الذي استقبلته قطر كأول دولة عربية تحظى بهذا الشرف الكبير سال مناخ من الكبرياء والشعور بالرضا في الشارع العربي حيث يعتقد الملايين من العرب في أرجاء الوطن العربي الكبير أن قطر قادرة على إخراج لوحة مونديالية بأزهى الألوان مستندين على ما قدمته من إعدادات هائلة على صعيد البنية التحتية وبناء الملاعب الحديثة بتصاميم مذهلة نالت استحسان المنظومة الدولية العالمية وعلى رأسها الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي أبدى اقتناعه بأن مونديال الخليج العربي في قطر سيكون الأكثر نجاحا مقارنة مع البطولات العالمية السابقة …

ومن بين أبرز الدول العربية التي تؤشر ببوصلتها نحو قطر افتخارا بهذا المنجز الكبير وتعبر عن سعادتها البالغة لا شك أنها فلسطين التي ستحاول من خلال هذا المونديال رد الجميل إلى قطر الدولة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي وقفت على الدوام مع الشعب الفلسطيني منذ سنوات طويلة وقدمت له كل أشكال الدعم وخصوصا دعم قطاع غزة الذي ظل لسنوات طويلة يعاني من الحصار الإسرائيلي الخانق، كما أن قطر هي واحدة من أكثر الدول العربية والخليجية التي فتحت آفاقا كبيرة أمام الفلسطينيين وفي مجالات عديدة …

ردا على المبادرات القطرية تم في قطاع غزة يوم الثلاثاء الخامس عشر من تشرين الثاني وهو يوم الاحتفال بذكرى الاستقلال الفلسطيني تنظيم مباراة ودية على أحد ملاعب خان يونس بإشراف مؤسسة وفاء المحسنين الخيرية (غير حكومية) تحاكي افتتاح المونديال ، حيث بدأت بالسلامين الوطنيين القطري والفلسطيني. ورفع المشجّعون في الملعب الأعلام القطرية، كما علّق المنظّمون لافتة كبيرة كُتب عليها “أنا فلسطيني وأدعم قطر.

تأتي هذه المباراة الرمزية الخيرية في سياق مبادرات عديدة تنطلق من عمق الوجدان الفلسطيني نحو قطر بتنظيم من المجلس الأعلى للشباب والرياضة وهيئات رياضية أخرى إيمانا بدور قطر المحوري في الصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي ووعي قطر لتقديم كافة أشكال الدعم وخصوصا لقطاع غزة الذي أنهكته الحروب وآلات الدمار على مدى سنوات طويلة …

وفاء للعلاقة الحميمة بين قطر وفلسطين وتحديدا قطاع غزة فإن وفدا رياضيا وإعلاميا كبيرا من قطاع غزة وصل إلى الدوحة ويشارك بفعاليات المونديال بدعوة قطرية وجهت للمجلس الأعلى للشباب والرياضة حيث ينقل الفلسطينيون وقائع المونديال ويغطون فعالياته من قلب الحدث وسط اهتمام وترحيب قطري وعربي كبير إضافة للوفد الرسمي الفلسطيني الذي مثله الرئيس محمود عباس والفريق جبريل الرجوب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم وعدد من المسؤولين الذين حضروا مباراة الافتتاح بين قطر والإكوادور في الثامن عشر من تشرين الثاني .

ويرتبط قطاع غزة بقطر بعلاقات قوية حيث افتتحت قطر ممثلية دبلوماسية لها في غزة منذ العام ٢٠١٢ وتهدف لإعادة إعمار القطاع وتقديم المنحة القطرية الشهرية لعائلات القطاع المتعففة ..

ولا تقتصر العلاقة على القطاع وإنما تشمل الضفة الغربية حيث كانت قطر قد احتضنت إعلان الدوحة للمصالحة الفلسطينية في العام ٢٠١٢ ايضا كما أن فلسطين تمتلك سفارة دائمة في قطر تساهم بتعزيز أوجه العلاقة الفلسطينية القطرية إضافة لإقامة عدد كبير من المغتربين الفلسطينيين وجلهم من رجال الأعمال في قطر …

أمام هذه العلاقة المتينة والراسخة لم يكن مفاجئا على الاطلاق مشاهدة العلم الفلسطيني بأيدي المشجعين العرب خلال المباريات التي جرت بالمونديال حتى اللحظة والذي تشارك فيه السعودية والمغرب وتونس إضافة لقطر تأكيدًا على المكانة الراسخة التي تحظى بها فلسطين في قلوب الملايين من أبناء الوطن العربي الكبير …

وتصدر وسم (فلسطين تنور قطر) منصات تويتر وذلك بعد اتفاق برعاية الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا يسمح بمغادرة المشجعين الفلسطينيين إلى قطر ومشاهدتهم المونديال.

ورحبت قطر بإعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم تنظيم رحلات مباشرة من مطار اللد إلى الدوحة لنقل مشجعين فلسطينيين لمتابعة المونديال قائلة إن إسرائيل انصاعت للأوامر القطرية بعدم اقتصار نقل المشجعين الإسرائيليين فقط …

وقالت وسائل إعلام قطرية إنه بعد أن رفضت قطر التعاون مع شركات الاتصالات الإسرائيلية، فإن إسرائيل انصاعت لأوامر قطر ووافقت على السماح للفلسطينيين بالسفر لحضور كأس العالم قطر 2022 ومن مطار اللد تحديدا الذي يسافرون منه لأول مرة، إذا ما أرادت لجمهورها الوصول إلى قطر”.

تظاهرة رياضية دولية هي الأكبر في تاريخ الوطن العربي جوهرها وعمقها فلسطينيا بحضور متميز للمرة الاولى في تاريخ المونديال برداء قطري يستند إلى كافة التفاصيل التاريخية والتراثية في حكاية لا تقف عن حدود كرة القدم ففيها كثير من الفواصل الاستراتيجية المهمة التي ربما تنعكس على مجمل تطورات القضية الفلسطينية التي تبقى حاضرة في كل مناسبة وتفرض فيها بصمة فلسطينية مهمة … 

كاتب المقال: منير الغول وهو المحرر الرياضي لصحيفة القدس منذ عام 1986.

استعمال الصورة بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected].