محور الفرز الأساسي في الانتخابات البرلمانية: من نحن ومن هم؟!
في بداية العام ٢٠١٢ وتحديدا في الشهر الأول منه، وكنت آنذاك رئيسا للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ونائبا عنها في الكنيست، وعلى غير عادة، تلقيت اتصالا هاتفيا مفاجئا من رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك بنيامين نتنياهو الذي قال لي إنه بصدد فرض ما أسماه بتقاسم العبء، وبمعنى آخر أنه ينوي فرض خدمة إلزامية معينة على المواطنين العرب كبديل للخدمة العسكرية.
خلفية الموضوع أن نتنياهو أراد استمالة ليبرمان وكسب رضاه بعد أن هدد الأخير بفك الائتلاف الحاكم لأنه أراد فرض خدمة عسكرية أو "مدنية" على العرب والحريديم. ليبرمان هذا هو صاحب مقولة " بدون ولاء (لطابع الدولة الصهيوني) لا توجد مواطنة" وضغط على نتنياهو في حينه لتنفيذ هذه المقولة.
هذه المقولة تعني أن على العربي أن يتنازل عن هويته وثوابته والولاء لطابع الدولة العنصري (أو قبولها بحالتها وتعريفها العنصريين) مقابل حقوق "يومية مدنية".
يومها قلت لنتنياهو إن هذا الأمر غير وارد ونحن لا نقبل، حقوقا مشروطة أو مواطنة مشروطة.
من نافل القول التأكيد أن نتنياهو باتصاله ذاك أراد تسجيل موقف لليبرمان وللإعلام، ولذلك قلت له باختصار قبل إنهاء المكالمة: صحيح أنك تتحدث معي، ولكنك لا تتحدث إليّ.
كان واضحا أنه أراد إرضاء ليبرمان فقد علمت لاحقا أنه تحدث مع الإخوة، النواب أحمد طيبي وجمال زحالقة ومسعود غنايم حول الموضوع نفسه وتلقى منهم، ودون تنسيق مسبق بيننا، جوابا بنفس المعنى.
حلم الصهيونية وحلفائها القاضي بإلغاء الوجود الإنساني الفلسطيني في هذا الوطن و انتزاع الهوية الوطنية والحقوق القومية من كينونة كل فلسطيني، لم يغب عنها يوما.
هذا ثابت عندهم، من أدبيات الصهاينة الأوائل مرورا بالنص الصريح في وعد بلفور إلى النكبة وإلى اختراع عكاكيز عميلة وصولا إلى مقولة رابين بعد يوم الأرض بأنه لا يعترف بحقوقنا القومية وإنما بحقوق دينية وثقافية وصولا إلى ليبرمان وحتى ذروة التسفُّل العنصري الذي تمثل بسن قانون القومية ومن ثمّ إلى مشاركة عربية صورية في ائتلاف حكومي.
لماذا أسوق هذا الكلام الآن؟
أقول، مجددا، إن تفكيك المجتمع وتفتيت الهوية وتغريب الإنسان الفلسطيني (بمختلف الطرق ومنها إسقاط سياسي وتجهيل واستهداف اللغة العربية وعدم الاعتراف بنا كمجموعة قومية وإشاعة الجريمة والتعامل الأمني معنا) ليسوا مجرد أخطاء سقطت "سهوا" في المشروع الصهيوني إنما هي سياسة استراتيجية تشكل جوهر هذا المشروع البغيض.
العنصرية الموجهة ضدنا هي لأننا فلسطينيون فهل يمكن مجابهة العنصرية دون مجابهة جوهرها؟؟!
الفلسطيني في الداخل لا يمكنه أن يكون جزءًا من منظومة الحكم في إسرائيل لأنها قائمة على أساس هذا المشروع، ولكنه يستطيع، لا بل عليه أن يكون مناضلا من أجل هويته الوطنية ومن أجل تحصيل حقوقه القومية والمدنية ومن أجل مُثُله الإنسانية من داخل الكنيست ومن خارجها ومن داخل البلاد ومن خارجها.
إن خلع معطف الهوية الجامعة والتخلي عن رداء الانتماء إلى القضية الوطنية من أجل أوهام تلقّي فتاتٍ في قفص دواجن، سيقود إلى تحقيق حلم الصهيونية من ناحية وإلى تعرٍّ مهين من ناحية أخرى:
لا فتات يقوتنا ولا رداء يلمّنا.
نحن لا نخافهم ونحن واثقون من علاقتنا مع هذه الأرض (إمّا عليها وإمّا فيها) لكننا لسنا عبثيين لنقول إن تنامي الفاشية لا يهمّنا ولا يقلقنا.
علينا مجددا ومجددا التمسك بمقولة مؤتمر الجماهير العربية المحظور بأمر عسكري في العام ١٩٨١ :
"لم ننكر، ولا يمكن أن ننكر حتى لو جوبهنا بالموت نفسه، أصلنا العريق: إننا جزء حي وواع ونشيط من الشعب العربي الفلسطيني".