لماذا تفشل مخططات تشغيل الشباب العرب؟
لا بد ان احدى اهم ركائز بناء المجتمعات هو وجود اقتصاد يضمن العيش بكرامة لأفرادها، ومتبع قياس نجاعة الاقتصاد من خلال بيانات اساسيه عامه ومن أهمها، حجم الإنتاج الكلي، معدل الإنتاج للفرد، نسبة البطالة، نسبة النمو الاقتصادي، حجم الدين الكلي، حجم العجز التجاري، قوة العملة المحلية، وغيرها وسأسميها جميعا ""شروط قوة الاقتصاد العام "".
هذه المقاييس جميعا هامه جدا لكنها لا تكفي لضمان اقتصاد امن وثابت لدوله او لمجتمع , لان وجود معطيات ايجابيه بكافة المقاييس دون ضمان شروط أخرى هامه لإدارة الاقتصاد لا تعني ان الاقتصاد جيد ثابت وقوي، ومن اهم هذه المقاييس، توزيع المدخولات، الفجوات الاقتصادية بين افراد المجتمع، نسبة الفقر، معدلات البطالة بين طبقات مجتمعيه مختلفة، نوعية الوظائف لأطياف مختلفة، توزيع الاستثمارات الخاصة والحكومية في قطاعات مختلفة، الفجوة بحجم رؤوس الأموال بين طبقات مختلفة، وكل هذه يمكن تلخيصها بكلمه واحده "" العدالة الاقتصادية"" وسأسميها: ""شروط العدالة الاقتصادية"".
ان تحقيق معدلات جيده من شروط قوة الاقتصاد العام دون تحقيق معطيات ايجابيه على صعيد شروط العدالة الاقتصادية، لا تعني حسب رايي ان الاقتصاد قوي، فما الفائدة من وجود انتاج عام ضخم حين يكون جزء منه تابع لفئه صغيره من الناس، وما الفائدة من وجود نسب بطاله منخفضه حين يكون جزء كبير من العاملين تحت خط الفقر، وما الفائدة من وجود راس مال عام كبير في الدولة حينما يكون التقسيم بين الافراد يحمل فوارق ضخمه بين من لا يجد مأوى وبين من يملك عشرات العقارات الضخمة.
الاقتصاد الإسرائيلي يحمل بطياته غالبية المعطيات الإيجابية لشروط قوة الاقتصاد العام، لكنه يحمل أيضا الكثير من المعايير السلبية في اتجاه العدالة الاقتصادية، حيث نتحدث عن نسبة فقر مرتفعة، فجوات كبيره بين الأغنياء والفقراء، معدلات دخل غير منسجمة، تقسيم وظائفي ومهني غير عادل، استثمارات تمييزية، وغيرها من الفوارق السلبية بين القطاعات المختلفة.
وحين نتحدث عن المجتمع العربي مقارنة مع المجتمع اليهودي العام، (بالذات دون مجموعة الحريديم التي ولأسباب اجتماعيه او دينيه خاصه بها لا تنخرط بكثافة في سوق العمل) فان الفوارق واضحه ونابعه من سياسات تهميش تراكميه لعشرات السنوات للمجتمع العربي ولأفراده، تأثير هذه الفوارق وهذا الضعف في اقتصاد المجتمع العربي واضح على كافة الصعد الاجتماعية وابرزها قضايا العنف والمخدرات والحوادث ومستوى البنى التحتية وازمات المسكن والأرض والتعليم وغيرها، ولن اطيل هنا حول ذلك في مقالتي القصيرة هذه.
في المجتمع العربي هناك نحو 255,600 شاب وشابه بين جيل ال 17-24 نحو 31% منهم حوالي 79,000 شخص لا يعمل ولا يتعلم، بالإضافة لذلك هناك حوالي 15,000 اكاديمي عربي لا يعمل وهناك عشرات الالف يعملون بوظائف لا تلائم تخصصاتهم، وهناك مجموعه كبيره من الرجال والنساء في المجتمع العربي تعمل بشكل جزئي او لا تجد مكان عمل ولا تسجل لطلب عمل (حيث لا يتم حسابها في معدلات البطالة العامة التي تنشر) بسبب عدم وجود أماكن عمل مناسبه لمهارتها او لموقعها الجغرافي او لوضعها الاجتماعي .
حسب أبحاث رسميه تم اجراؤها من بنك إسرائيل ومن مراكز أبحاث مختلفة، فان تحسين معدلات التشغيل وأنواع الوظائف والدرجات في المجتمع العربي ليتساوى مع المجتمع اليهودي العام، سيأتي ثماره بشكل كبير على اقتصاد الدولي العام بحوالي 40 مليار شيكل إضافي في السنة.
وحسب أبحاث أخرى تبين ان معدل النمو وزيادة النجاعة في استثمار بالمجتمع العربي سيجلب معدلات نجاح ونمو للاقتصاد العام بشكل أكبر وذلك بسبب حجم القدرات الكبيرة الغير مستغله في المجتمع العربي.
بالإضافة لذلك فان احدى شروط منظمة OECD للدولة هو تحسن الوضع الاقتصادي في المجتمع العربي والاستثمار فيه وهذا كان احدى أسباب توجه الدولة في السنوات الأخير لإطلاق خطط تنموية للمجتمع العربي لكن للأسف لم يتم تطبيقها كما يجب ولم يتم صرف جزء كبير من ميزانياتها .
في خطة الميزانية الأخيرة للدولة للسنوات 2021 و2022 تم رصد مبالغ كبيره لتطوير الاقتصاد في المجتمع العربي وكذلك لتشجيع مسارات ومبادرات تهدف لتطوير حداثه في التشغيل وفي التقدم المهني لأبناء المجتمع العربي ومؤخرا تم نشر مناقصه تدعو الجمهور من المبادرين والجمعيات والمنظمات التي تعمل في مجال التشغيل لتقديم خطط عمل للحصول على منح حكومية تصل الى نحو 3 مليون شيكل.
مع احترامي لكافة الخطط التي تقدم والنوايا الصالحة للمبادرين، لكن وحسب رأيي وجود خطط ورصد ميزانيات لا يكفي، فعلى مر السنوات العشرين الأخيرة صودق على الكثير من الخطط واحيانا تم سن قوانين مثل قوانين رفع نسبة تشغيل العرب في الشركات الحكومية، ورصدت الميزانيات، لكن للأسف ما بين الخطط والممارسة الفرق والفجوات كبيره والنتائج بالمثل.
من اجل ضمان تغيير اقتصادي في مجتمعنا العربي لضمان تطوير مسارات ومواقع التشغيل للمجتمع العربي نحتاج لتغيير في منظومات العمل، ونحتاج لبناء منظومه مجتمعيه مركزيه تتواصل مع كافة الأذرع والجهات المرتبطة من اجل التخطيط والتنفيذ ومنها جهات في الحكم المركزي، المحلي، جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، المبادرون، المستثمرون، معاهد التعليم، الشركات الكبيرة، مختصون في مجالات الصناعة والزراعة، مختصون في مجال التجارة والعلاقات الدولية، مختصون في مجال الأبحاث، مختصون في مجالات إدارة وتطوير القوى البشرية وغيرهم، والاهم التواصل مع اكبر عدد من فئة الشباب وبالذات تلك التي لا تعمل ولا تتعلم او تلك التي تعمل بمهنه لا تلائم طموحها او مهنتها .
المطلوب تكريس مبلغ 150 مليون شيكل لبناء منظومة العمل المقترحة وتفعيلها من اجل النهوض بالطاقات البشرية في المجتمع العربي والارتقاء من خلالهم بالمجتمع اقتصاديا واجتماعيا.
هذا الجسم المركزي الذي اقترح اقامته يستثمر كافة الجهود والطاقات في مجال التنمية الاقتصادية والتشغيل في المجتمع العربي مع وضع خطط عمل واضحة فيها اهداف رقميه ممكن قياسها دائما لتقييم النجاحات والتقدم وتعمل بشفافية ومكاشفة كامله ورقابه خارجيه مهنيه من خلال مسار تطبيق تصحيح وتطوير دائم.
هذا الجسم ممكن ان يكون شركه اقتصاديه تنشئها السلطات العربية مجتمعة تأخذ هذا الملف على عاتقها وتبني علاقة تعاون متبادلة مع كافة الأطراف المرتبطة بالتنمية.
مركزية العمل والعمل من خلال مرافقه مهنيه متكاملة ومقاييس نجاحات واضحة للتقييم يمكنها احداث التغيير.
اما اهم الخطوات المطلوب تنفيذها من خلال تشغيل طواقم مهنيه كبيره لإدارة المشروع فهي الالتقاء بشكل شخصي مع 50,000 شخص من جيل الشباب في المجتمع العربي مع التركيز على المجموعات الغير مندمجة بالعمل او التعليم او تلك المندمجة بصوره لا تلائم طموحها، تهدف اللقاءات الفردية للإصغاء لهذه المجموعة من الشباب من اجل بناء برنامج تطوير شخصي لكل شاب او شابه يعطيها الامل لمستقبل أفضل ويبعده عن المخاطر والسقوط في أخطاء تدميرية.
البرنامج يتبنى كل هؤلاء، يعمل على بناء مسارات عمل وتعليم تلائمهم ويعمل من خلال علاقاته المحلية والدولية لمعالجة وتطوير أفكار تنموية يملكها هؤلاء الشباب والشابات، كما ويعمل على التواصل الدائم مع الحكم المركزي والمحلي لتسهيل وتطوير البرامج والأفكار كذلك التشبيك مع كافة المنظمات التي تعمل على تطوير مسارات عمل او الاقتصاد.
لإنجاح الفكرة ومركزية العمل نحتاج لتعاون بين أطياف المجتمع عامة من كافة الأطراف السياسية، الاقتصادية والمجتمعية، وجود معطيات محتلنة حول خطط تنميه شخصيه لنحو 50,000 شاب وشابه كل سنه من خلال تخطيط واداره وتشبيك مركزي وباستغلال المعرفة والعلاقات لكافة المتعاونين في إدارة الفكرة يمكنها ضمان تحسين عام في مستوى التشغيل وضمان تطبيق على ارض الواقع لخطط حكومية سابقه او حديثه، ويمكنها ضمان تطوير مسارات عمل تضمن إمكانية التشغيل والتميز لمن يملك كفاءات بمجالات مختلفة كالصناعة الزراعة التجارة والبناء وليس فقط في مجالات الهايتك والتكنولوجيا فليس الجميع ملائم لذلك .
تم كتابة الكثير عن الحاجه بتحسن مناطق صناعيه، مواصلات، زيادة نسبة تشغيل العرب في شركات حكومية، اعطاء امتيازات خاصه لمن يستقبل عمال عرب جدد، إعطاء تسهيلات ضرائبية لمصالح تشغيليه كبيره يتم افتتاحها في المجتمع العربي، اتاحة الحصول على مصادر تمويل وغيرها، وهذا كله جيد ومطلوب، لكن دون وجود مركزيه في العمل ووجود قياده تختص فقط في هذا الموضوع , فان التغيير لن يحدث.
هذه القيادة كما ذكرت مطلوب ان تتعاون مع كافة الأقسام الوزارية وأيضا مع سلطة تطوير الاقتصاد للمجتمع العربي، لكن مرجعيتها ليس المكاتب الحكومية ولا البيروقراطية التنظيمية، بل مرجعيتها لجان استشاره ومهنيين من مجتمعنا العربي قسم منهم ممكن ان يتطوع ولو بشكل متواضع لتقديم المرافقة والتوجيه من خلال خبرته تجربته وعلمه.