لجان حماية البيئة مغيّبة في السلطات المحلية العربية

تعتبر قضايا البيئة إحدى المواضيع الحاضرة دائمًا في المنصات الإعلامية والجماهيرية كونها تؤثر بشكل مباشر على حياتنا اليومية، وخاصةً في السنوات الأخيرة نتيجة الكوارث البيئية الآخذة في الازدياد وتغييرات المناخ في العالم.

جميعنا نطمح للعيش في بيئة نظيفة خالية من المكاره البيئية. لا شكّ أن البيئة النظيفة تؤدي إلى جودة حياة أفضل على جميع الأصعدة، حيث إنها تؤمن الهواء النقي، والغذاء الآمن والنظيف ومحيطًا نظيفًا خاليًا من النفايات والأضرار. من هنا، بالإمكان القول إن البيئة تعكس جودة حياة السكّان وحضارتهم.

للأسف، تعاني البلدات العربية من مكاره بيئية عديدة ومختلفة، على سبيل المثال لا الحصر، تعاني غالبية بلداتنا من شوارع متسخة، وتراكم القمامة، ونفايات عشوائية، ومصالح تجارية تعمل بدون ترخيص في أماكن غير مخصصة لنوع المصلحة، وتربية المواشي في الأحياء السكنية، وروائح كريهة، وترك سيارات الخردة على الأرصفة وفي الأحياء السكنية وغيرها.

من يتجوّل في شوارع وأحياء البلدات العربية سيدرك ويرى جميع أو غالبية المكاره البيئية المذكورة أعلاه، وتدور في الأذهان أسئلة عديدة: من المسؤول عن معالجة هذه المكاره والآفات؟ كيف يمكن تغيير الوضع القائم ومنع تكراره في المستقبل؟ لمن نتوجّه للمساعدة؟

تعتبر السلطة المحلية المسؤول الأول والأساسي عن حماية البيئة والحفاظ على الصحة العامة في منطقة نفوذها، لكن حال الكثير من البلدات العربية يشير إلى أن السلطات المحلية لا تقوم بدورها وواجبها كما يجب.

قبل أكثر من خمسة عشر عامًا، وتحديدًا في العام 2005، سُنّ البند القانوني الذي يلزم كل السلطات المحلية بتعيين لجنة لحماية البيئة، وظيفتها تخطيط برامج في مجالات الحفاظ على جودة البيئة وضمان التنمية والاستدامة البيئية. على اللّجنة أن تقدّم برامجها المخطّطة للمجلس البلدي للحصول على مصادقته، وتتابع تنفيذ البرامج المصادق عليها. لجنة حماية البيئة مكونة من أربعة أعضاء مجلس؛ موظف كبير مسؤول عن مجال حماية البيئة وممثليّ جمهور من سكّان البلدة يتم اختيارهم بالتعاون مع المنظمات البيئية. بموجب القانون، على هذه اللّجنة أن تعقد، على الأقل، أربع جلسات في السّنة، ويتوجب دعوة ممثل عن منظمة قطرية وممثل عن وزير حماية البيئة لجميع جلسات لجنة حماية البيئة. المنظمة القطرية التي تم تعيينها لهذا الغرض هي منظمة ""الحياة والبيئة"".

في النصف الثاني من العام 2021 انطلق مشروع مشترك بين جمعية ""محامون من أجل إدارة سليمة""، وجمعية ""مواطنون من أجل البيئة"" وجمعية ""الحياة والبيئة""، هدفه إقامة لجان حماية البيئة في جميع السلطات المحليّة العربية، وتفعيلها بالوتيرة المناسبة، وإشراك الجمهور (عن طريق انتخاب ممثلي جمهور) في عمل اللجان، وتعزيز مكانة هذه اللجان ودورها في إدارة قضايا البيئة في السلطات المحلية.

بموجب مسح أجريناه مؤخّرًا ضمن هذا المشروع المشترك، يظهر للأسف أن غالبية السلطات لم تُقم اللّجنة، أو أن اللّجنة لم تلتئم وفق القانون. تبيّن حتى الآن أنّه من أصل 84 سلطة محليّة عربية، اللّجنة لا تعمل بتاتًا في أربع وأربعين سلطة، وفي إحدى عشرة سلطة أخرى لم تعقد اللّجنة سوى جلسة واحدة أو جلستين، وفي الغالبية الساحقة من السلطات لم يُلحظ نشاطٌ جديٌّ لعمل اللّجنة. أظهر المسح أيضًا أنّ سلطات عديدة لم تعيّن ممثّلي جمهور من سكّان البلدة كأعضاء في اللّجنة، ممّا يجعل تركيبة اللّجنة مخالفة للقانون ويمسّ بنجاعة نشاطها.

إذن، السلطة المحليّة التي لم تقم لجنة لحماية البيئة، أو أقامت لجنة ""على الورق"" فقط ولم تلتئم أبدًا منذ إقامتها، تلغي بذلك إمكانية القيام بوظائف اللّجنة التي حدّدها القانون، وتلغي إمكانية وجود منظومة أخرى فاعلة في مجال البيئة في منطقة نفوذها، وتلغي إمكانية إشراك الجمهور في اللّجنة، وتلغي إمكانية التعاون مع منظّمات البيئة. هذا الوضع ما هو إلّا نتيجة تقاعس غالبية السلطات المحلية عن القيام بواجباتها، واستهتار بأهميّة موضوع البيئة وإدراجه في سلّم أولوياتها، رغم القضايا الحارقة التي تعاني منها بلداتنا العربية في هذا المجال.

مؤخّرًا وبعد توجهنا للسلطات المحلية لإصلاح القصور التي كشف عنها المسح، قامت سبع عشرة سلطة محلية بإقامة لجنة لحماية البيئة أو بعقد جلسة للّجنة لأول مرة، عشر سلطات قامت بتعيين ممثّلي جمهور في اللّجنة، وبعض السلطات قامت بتعديل تركيبة اللّجنة لتوافق التركيبة الّتي يقرها القانون. في الفترة القريبة سوف تقوم سلطات محلية أخرى بإقامة لجان لحماية البيئة وتفعيلها.

وجود لجنة لحماية البيئة في السلطة المحلية تقوم بوظيفتها المحدّدة في القانون، تعمل بالوتيرة المناسبة، تشارك الجمهور عن طريق انتخاب ممثلي جهور، وتدعو ممثلين عن وزير حماية البيئة والمنظمات البيئية إلى جلساتها، تستطيع أخذ دور مركزي ومهم في إدارة قضايا البيئة في السلطات المحلية.

برأيي، إن قيام اللّجنة بوظيفتها وواجباتها غير مشروط بميزانيات أو جهات خارجية، ولو كان الأمر كذلك لما ألزم المشرّع جميع السلطات بإقامة هذه اللجنة، حيث إن بإمكانها التأثير وإنجاز المهام بوساطة الموارد المتوفّرة.

مع الأسف، استهتار السلطات في تفعيل لجنة لحماية البيئة هو خلل إضافي في إدارة السلطات المحلية، يمسّ بأسس الإدارة السليمة ومبدأ احترام القانون.

تواجه السلطات المحليّة العربيّة قضايا بيئية جديّة وتعاني من تحدّيات مختلفة في هذا المجال. كما أسلفت أعلاه، من واجبات السلطة المحلية الاهتمام ومعالجة هذه القضايا، وذلك كجزء من مسؤوليتها في تقديم الخدمات للجمهور. وجود جسم كلجنة حماية البيئة يشخّص المشاكل، ويسلّط الضوء عليها، ويخطط لبرامج ويقترح الحلول، هو خطوة هامّة وضرورية نحو مكافحة المكاره البيئية في شوارعنا وبلداتنا العربية.

ريماز خطيب

محامية وعضو الطاقم القانوني لجمعية "محامون من أجل إدارة سليمة"

شاركونا رأيكن.م