سوبارو أرنب يسد الطريق: هكذا يساهم بدو ديرة بئر السبع في الاحتباس الحراري

تجري العادة في ديرة بئر السبع وهي ليست مقتصرة حصرا على منطقة الجنوب، أن يقوم الوالد أو الوالدة بالحرص على قدوم الجد أو الجدة بترييق الحفيد ونقل على طرف لسانها ريقها للحفيد الجديد، فيما جعل من هذا الطقس جزءًا أصيلا من مناخ استقبال المولود حتى قبل خروج الوالدة من قسم الوالدات إلى بيتها. عند إنجاز هذه المهمة تكون الأم التي وضعت صغيرها فقط للتو قد استراحت، واثقة بأنها تربي بين يدها المولود المثالي الذي لن يخيبها في قادم الأيام.

ينقل ريق الجدة في هذه الحالة كل التدبير المنزلي والمهارات المكتسبة على مدى السنوات التي تليق بالمولود الجديد من أجل مجابهة صعاب الحياة، بدءا بصغار الأمور وحتى عظامها. حال انتهاء محتوى علبة النوتيلا الزجاجية ستتحول إلى عدة استخدامات من المخللات على اختلافها بتبدل المواسم، وعندما تكبر العائلة فإنهم ينتقلون إلى استخدام علبة أكبر حجما، مع مواصلة علبة الشوكولاتة خدمة العائلة في المطبخ لينتقل استخدامها لحفظ البهارات أو الصنوبر غالي الثمن وفي حالات عدة من أجل الحفاظ على جودة عود البخور الفاخر الذي يأتي به الحجاج من الحجاز، ومؤخرا هدايا السياحة الصحراوية من دبي وأبو ظبي. أما بخصوص تدبير الملابس فإنهم يحتفظون بها ويلبسون المولود حديث الولادة الملابس نفسها التي لبسها والده من قبله، وعندما يصغر حجمه فإنه ينتقل من فرد إلى آخر حتى إذا كانت هناك حملة لتوزيع الملابس للعائلات المتعففة في أنحاء البلاد أو خارجها فإنه من المتحمل إيجاد قطعة القماش ذاتها التي تحافظ على رونقها بجودتها الأصلية على حالها وتنتقل للاستخدام كما لو أنها خرجت الآن من المصنع.

على الرغم من ذلك، وهي أمثلة سريعة ومؤكد أنه طَفَتْ معها ذكريات أكثر بكثير من علبة زجاجية وقطعة قماش، إلا أنه عندما يأتي الحديث عن مسائل المناخ والاحتباس الحراري وارتفاع معدل درجات حرارة كوكب الارض وزيادة منسوب المياه في المدن الساحلية، ترتسم على وجوهنا ابتسامة لا تخلو من اللؤم والسخرية مفادها أننا لا دخل لنا فيما يحصل، قم واسأل ذئاب المناخ عن الإرهاب البيئي المسؤول عنه حفنة قليلة تسبب كل هذا الدمار البيئي حول العالم وفي بلادنا طبعا.

انعدام الأمن الشخصي في المجتمع العربي خصوصا مع تواصل جرائم القتل والعنف والجريمة جعل من بيوتنا جنان الله على الأرض، ومجرد خروجك من البيت فإن أكوام القمامة تنتظرك بكل أكياسها. في حالة الأزمات نردد بأعلى أصواتنا أن الأرض والديرة لنا مع استمرار تكديس النفايات في شوارعنا. نحافظ على نفاياتنا في كيس صغير كل فترة تنقلنا داخل المدينة اليهودية، ونلقيها حال وصولنا مدخل قريتنا من شباك السيارة دون خجل.

الأرض لك، كن جديرا بها ولا تنتظر غيرك أن يحافظ على أرضك، الحفاظ على البيئة ليست مسألة ثقافية أو وطنية عابرة؛ لذلك دأبت هيئات البيئة على توزيع النفايات والمزابل وليس تكديسها في مكان واحد كما هو مصير قرية خيرية المهجرة في قضاء يافا التي تحولت بعدها من موقع مكب نفايات إلى متنزه أرئيل (أريك) شارون، بل تجد عند مدخل المدن العربية الأربع والأكبر في البلاد مزابل خاصة بها، لها وللمنطقة. وبذلك تحول مصير الناصرة (77 ألف نسمة)، ورهط (75 ألف نسمة)، وأم الفحم (57 ألف نسمة)، والطيبة (45 ألف نسمة) إلى نفس مصير قرية خيرية، وماذا عن التوربينات في هضبة الجولان؟

تسقط كل مسائل ترشيد الاستهلاك، وتدوير الاستخدام لنفس الغرض دفعة واحدة أمام هذه الابتسامة الساخرة التي لا تخلو من الحقيقة، لكن بما أن الإنسان ليس بالسخرية فقط يحيا، فإن مسألة رفع الوعي بالبيئة والمناخ هي ليست ترفا كما نأمل أن تكون، خصوصا وأن المسبب الرئيسي لاختلال التوازن البيئي هم حفنة قليلة من أصحاب المليارات. لكن عندما نريد إنشاء أي مشروع مهما عظم حجمه نحتاج إلى مساعدة كل الناس والأقلية صاحبة النفوذ عادة تمنح القليل بمعنى أن التغيير يبقى بأيدينا نحن عامة الشعب على فقرنا وقلة حيلتنا في الكثير من القضايا العالقة. ومع ذلك فإن العالم تنبه لأزمة المناخ منذ ستينيات القرن الماضي خصوصا بعد التأثير البيئي الواسع للاستخدام الألماني لغاز الكلور ضد القوات الفرنسية في الحرب العالمية الأولى، والقصة تستمر مع الحرب العالمية الثانية في القصف الأميركي الذري على هيروشيما وناجازاكي، حتى أن السيارة الكهربائية لم تبصر النور مع تسلا إيلون ماسك وإنما كانت في بلجيكا، وتحديدا في تاريخ 29 تيسان/أبريل 1899 وأطلق عليها لقب السيارة ""التي لا ترضى أبدا"" بسرعة تفوق 105 كم في الساعة، وحتى أن هذا الوعي وصل إلى الأديان التوحيدية مثل تدشين اللاهوت البيئي، والفقه البيئي الإسلامي، والفلسفة الإيكولوجية الإسلامية، والقوانين البيئية التي تستند للشريعة الإسلامية، والبعد البيئي للإسلام. ومع ذلك فان الحال لم يتغير والعالم يسير على هواه تحت شعار ""أنا ألوث، إذن أنا موجود"".

حالة التشكيك في قضايا المناخ تبقى جدلية بين من هو منكر لوجودها، وبين من هو مدافع شرس قام بتحويل أسماء السيارات إلى الحيوانات لجعلها ""أكثر بيئية"" مثل سوبارو أرنب، وفولكسفاغن خنفساء وبولدوغ، وبيجو جمل. من منا لا يحتفظ برقم واحد على الأقل لهاتف ""أبو الرزق"" الذي لا يسمح لنفسه بركوب سيارة ضيقة وصغيرة إنما واسعة، وفي حال انقلاب شاحنة خضار أو فواكه تجده أول الناس هناك، ويحرص أن يأتي لكل الأهل والأقارب والأصدقاء مما رزق الله، في حال علمنا أنه لم يخبرنا بهذا الرزق فإنه يتحول فورًا إلى ""أبو الروابش""، لأنه لم يأخذنا مرة واحدة في الحسبان، ولم نحصل على دلو بندورة أو كيس بطاطا مما استفاد به الجميع سوانا.

يتسم تخصص البيئة في مدارسنا الثانوية بالتخصص الذي يجلب العار للطلاب والأهل لأنهم لم يُقبِلوا على اختصاصات ذهبية أكثر ومضرة بالبيئة بكل تأكيد؛ لأن عجلة الإنتاج لا تتحرك بالخضار والفواكه، وإنما بالصناعات ويرجى أن تكون مضرة للبيئة، هكذا تكون مدرة أكثر للأموال. نريد جيلا يحمل سلم العلوم بالعرض من خلال التخصصات الذهبية. كم هي الفرحة لدى الأهل عند قبول أحد أبنائها في العلوم. وكم يُصَبُّ الغضب على علماء الأنثروبولوجيا والعلوم الانسانية والاجتماعية الذين لا يمنحوننا خارطة الطريق للخروج من الأزمات الاجتماعية، لا نريد هذه التخصصات ""الدنيا""، ولكن أصابع الاتهام توجه إليهم إذا لم يمنحونا التصورات المستقبلية التي تستشرف مستقبلنا.

بما أننا نعيش من موضة إلى أخرى خصوصا مع إدماننا الأزمات ومن المفضل أن تكون أزواجا وليست فرادى، هل تعودنا عليها، ولا يمكننا البقاء دون الاستغناء عن القلق المستمر، وهل أزمة المناخ هي آخر صيحات موضة قلق العالم إلى جانب الجائحة الصحية الكونية؟ بالطبع لا. لكن أسهمها اليوم مرتفعة إلى أن ننتقل لآخر صرعات القلق الوجودي التالي، وبالطبع قدم لنا ذلك ترامب مع انتهاء ولايته الرئاسية بتمويل إنشاء قوة الفضاء التي ستندرج ضمن القوات الجوية الأميركية، ما حاجة الكون لجيش من أجل الفضاء؟ وماذا عن الجيش الروسي والصيني وقواته الخاصة بالفضاء من أجل استمرار الاستقطاب الدولي؟

يوشك يم الصحراء - البحر الميت - على الموت المحقق في غضون 50 عاما. كلنا يدرك هذه الحقيقة، ومع ذلك لن يقدم عمال البحر الميت استقالاتهم بسبب هذه الحقيقة، فهذا مصدر دخلهم الوحيد خصوصا وأن غالبية الأيدي العاملة هم من العرب، لكن ماذا عن الأضرار التي تلحقها الشركة بالبحر الميت؟ طال انتظار الإجابة لكنها وصلت مؤخرا من خلال توزيع الأرباح من ضمنها البلدات العربية – كسيفة، عرعرة النقب، واحة الصحراء، القيصوم - وهم الأغلبية من بين العمال العرب الذين يخاطرون بحياتهم مع الإصابة شبه المؤكدة بمشاكل صحية متعلقة بالجهاز التنفسي التي تتضاعف مع الوقت إلى أن تصيب سرطان الرئة ومع علمهم بذلك فلا يملك معيل الأسرة ترف قرار التوقف عن العمل لإعالة اسرته. هل سيكون مصير توزيع الأرباح نفس مصير قرية الفرعة والزعرورة وعزة المهددة وسكانها بالإخلاء ومصادرة أراضيها، في أعقاب قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الذي جاء فيه أنه يجب الأخذ بعين الاعتبارات صحة الجمهور بالحسبان حين يتم تشغيل منجم ""سدي برير"" للتنقيب عن الفوسفات؟ وبذلك يشرع الباب على مصراعيه للموجة الثانية للترحيل والتشريد التي بدأت في خمسينيات القرن الماضي كما هو حال قبيلة الجهالين البدوية التي طردها الجيش الإسرائيلي من صحراء النقب في الخمسينيات من القرن الماضي، وتعيش اليوم بين قرارات واستئنافات وتمديدات المحكمة العليا بشأن ترحيلها من خان الأحمر؟ كان بودنا أن ننظر إلى مسألة الاحتباس الحراري والبيئة والمناخ على أنها لا تخصنا، إلا أننا لا نملك ترف رفض خوض شعابها ومسالكها الشائكة على جميع المستويات.

كايد أبو الطيف

مزارع ثقافة في حقل إنتاج المعرفة (باحث في مجال الدراسات الثقافية) ومبادر منصة هٌنا الجنوب

شاركونا رأيكن.م