أيهما أولى بالتطبيق لحماية البيئة في فلسطين، التوعية والتثقيف أم العقاب؟

هل نحن بحاجة إلى مزيد من برامج التوعية والتثقيف البيئي؟ أم أننا بحاجة إلى قانون وقوة رادعة تحمي هذا القانون؟ إن برامج التوعية والتثقيف البيئي والصحي باتت لا تجدي نفعا مع فئة كبيرة من المستهترين في وطننا الحبيب، ويبدو أنّ لا رادع لهم سوى العقاب!

لماذا لا يوجد لدينا في فلسطين شرطة بيئية؟ بزي خاص ومهام خاصة ومقرات وسيارات وموازنة وأرقام هواتف للطوارئ وخطط عمل وبرامج وقوانين؟ تماما كما شرطة الآداب، وشرطة مكافحة المخدرات، وشرطة الجمارك، وشرطة المرور، والشرطة العسكرية، والشرطة البحرية، وشرطة البلدية وغيرهم من أجهزة حفظ النظام، وتنفيذ القوانين، وحماية الوطن والمواطن؟ هل من المنطق أو المعقول أن يمر من يدمر البيئة التي نعيش في كنفها ويخرب حياة المجتمع بكامله دون عقاب؟ هل من العدالة ضمن حقوق الإنسان أن من يلوث الهواء الذي نتنفسه، ويستنزف المياه التي نشربها، ويسمم التربة التي نزرعها، ويصدر الضوضاء ويزعج الآخرين كما يشاء، ويشوه شكل المدينة أو الشارع أو الحديقة أو الشاطئ، لا يحاسب ولا يعاقب أو حتى يُلفَت انتباهه؟

هل من المقبول إلقاء القمامة بكل أشكالها في الشوارع وبين المساكن والسكان، ونشر الأمراض والأوبئة والمظاهر التي لا تُسِرُّ دون أي متابعة أو محاسبة أو تجريم؟ وصلنا إلى مرحلة جعلتنا نعيش في كومة قمامة عملاقة! ولو أن من يرمي القمامة والقاذورات في الشوارع طوال الوقت بكل استهتار يعلم أن غرامة مالية أو مخالفة نقدية قد تصل إلى 100 شيكل وعليه أن يدفعها أو سيُسجَن نظير أفعاله؛ لاحتفظ بالأوساخ في جيبه أو في حقيبته إلى أن يصل إلى أقرب حاوية حتى لو اضطر للتخلص منها في حاوية المنزل.

هل من المقبول أو اللائق شكل روث الحيوانات، المتناثر بشكل غير حضاري على صدور الشوارع والطرقات دون أي رادع أو مانع؟ ولو علم سائق تلك العربة أن مخالفة قد تصل إلى 200 شيكل سيدفعها لو ضبط بفعلته لأوقف عربته بجانب الطريق لدقيقتين، وتخلص من الأمر بشكل يليق بإنسانيته، واحترم حقوق الوطن والمواطن، وبالتالي ويحمي البيئة والصحة العامة من التلوث.

إنَّ عقاب المستهتر رادع وحافظ وضامن لحياة كريمة لكافة مكونات المجتمع، والتراخي والتهاون في حقوق الوطن من زاوية البيئة يعتبر جريمة كبيرة، أوصلتنا إلى عشرات آلاف المرضى يوميا بالأمراض المعدية وغير المعدية، التي تنتشر بين الناس وتجبرهم على زيارة العيادات الطبية يوميا. ولا شكَّ أنَّ الجهاز الصحي في غزة يعاني من طوابير المرضى بسبب البيئة الملوثة التي تسبِّب الأمراض المختلفة.

أنا أرى أننا نحتاج إلى النظامين، ففي الوقت الذي يلزم للمجتمع برامج وحملات للتوعية والتثقيف البيئي على كافة المستويات وفي كافة الاتجاهات ومن خلال كافة المنابر والمنصات، الرياض والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام ومنابر المساجد وفي الطرقات وعبر زيارات المنازل وفي الأسواق وغيرها، سنكون بحاجة ماسة ومضطرين دون جدال إلى عقاب رادع وحازم للمستهترين وغير الآبهين بواجباتهم تجاه الوطن.

أمَّا إذا بقينا على هذا الحال سيستمر حالنا على ما هو عليه، وسيبقى المستهترون في حق البيئة يدمرون ما تبقى لنا من أرض الوطن، مشتركين بأفعالهم مع الاحتلال، فكلاهما يتسبب بالأمراض والقتل دون رحمة. كما أن نظافة البيئة بكل مكوناتها حق ثابت وأصيل للجميع، هذا ما نص عليه القانون الأساسي والدستور الفلسطيني وكافة القوانين والتشريعات الدولية، وحماية البيئة من التدمير والتخريب واجب ديني شرعي نصت عليه وبشكل مباشر العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في الإسلام وفي كافة الأديان الأخرى.

حماية البيئة الفلسطينية التي ضحى ولا يزال من أجلها آلاف الشهداء والجرحى والأسرى واجب وطني وأخلاقي لا يمكن التهاون فيه.

معا وسويا من أجل بيئة فلسطينية خالية من التلوث.

 


كاتب المقال: د. أحمد هشام حلس وهو رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية – فلسطين.

د. أحمد هشام حلس

رئيس المعهد الوطني للتنمية والبيئة - نيد في غزة

شاركونا رأيكن.م