واقع المياه في غزة، تحديات، مشاريع، وأمل في التغيير

البداية ..

قبل الولوج في موضوع تلوث المياه في قطاع غزة لا بد من المرور على بعض النقاط المهمة المتعلقة بواقع المياه في غزة، آخر ورقة حقائق صدرت، وضحت الآتي:
تبلغ مساحة قطاع غزة 365 كم2، ويقطنه أكثر من 2 مليون نسمة، بمعدل كثافة سكانية 5,453 فردًا /كم2، وهي الأعلى عالميًا، ويعتمد سكان قطاع غزة بشكل كامل على خزان المياه الجوفي، إذ يتم شحنه من مياه الأمطار بمعدل 50- 60 مليون متر مكعب سنويًا، وتقدر نسبة العجز بنحو 140 مليون متر مكعب.
يُستخدم نحو 100 مليون متر مكعب، من أصل (160-190) من المياه المستهلكة سنويًا، لأغراض منزلية، 85% منها يتم ضخها من آبار داخل غزة، و10.1% يتم شراؤها من شركة "مكروت" الإسرائيلية، فيما يتم تحلية البقية في محطات تنقية خاصة.
بلغت كميات المياه المستخرجة من المياه الجوفية في غزة 160 مليون متر مكعب سنويًا، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف معدل التغذية السنوي تقريبًا، ويفضي إلى استخراج المياه المالحة من طبقات أعمق، وتسرب مياه البحر إلى الخزان الجوفي.

مشكلة المياه في قطاع غزة

تواجه المياه في قطاع غزة تدهورا واضحا في كمية ونوعية المياه ويتمثل هذا التدهور في السحب الزائد والجائر على المياه من الخزان الجوفي بحيث أصبح الخزان الجوفي غير قادر على تغطية الاحتياجات المائية المتزايدة في ظل النمو السكاني السريع، أدى ذلك إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية وزيادة نسبة ملوحة المياه الجوفية.
كان تلوث المياه وليدَ فترات تراكمية قبل 20 عاما ويرجع أساسًا إلى زيادة السكان والاحتياجات المائية التي ذكرت سابقا، وأنه يوجد محدودية لمصادر المياه غير المتجددة (الخزان الجوفي)، وعدم وجود اتزان في المسحوب والداخل من المياه أدى إلى وجود خلل وتلوث بشتى أنواعه المتعددة وهي تنقسم إلى ملوثات كيميائية، وفيزيائية، وبيولوجية، وكل واحد منهم تزيد نسبة العناصر فيها بالمياه عن المقاييس الدولية لمنظمة الصحة العالمية.

حسب منظمة الصحة العالمية فإن نسبة الكلوريد في المياه لا بد أن تصل إلى 250 مليغرام في اللتر ولكنها في وضع غزة تصل إلى حوالي "ألف" مليغرام، فيما تصل نسبة النترات في المياه في بعض المناطق إلى 400 - 500 مليغرام في اللتر الواحد، فيما أوصت منظمة الصحة العالمية بنسبة لا تتجاوز (50) مليغراما في اللتر".

مشاريع قيد التنفيذ ومشاريع تعمل حاليا فهل هناك تحسن؟

الحصار والحروب الإسرائيلية ساهما في زيادة معدلات تلوث مياه غزة، من خلال تدمير البنية التحتية، ومنع إدخال المعدات لصيانة شبكات المياه المتهالكة، ومحطات معالجة المياه العادمة، بالإضافة إلى عدم السماح بإنشاء محطات جديدة، وبالتالي فإنَّ محطات المعالجة لا تعمل بشكل كامل بسبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر، فضلًا عن أنَّ شبكات الصرف الصحي مهترئة، أي إن مياه الصرف الصحي غير المعالجة تصب مباشرة في مياه البحر.

ومنذ بداية أزمة تلوث المياه في غزة وقبل تفاقمها سعت المؤسسات الدولية ومنظمة الصحة العالمية بالشراكة مع مؤسسات محلية معنية بالمياه بالإضافة لسلطة الطاقة والمياه إلى وضع خطط لتنفيذ مشاريع محطات تحلية كبيرة وصغيرة ومشاريع أخرى لمعالجة مياه الصرف الصحي، وحتى تعمل هذه المشاريع تحتاج لموافقة إسرائيلية أولا لدخول المعدات والأدوات اللازمة لإتمام المشاريع، من جهة أخرى لن تعمل هذه المحطات بقدرتها الكاملة في وضع الكهرباء الحالي، وهي مهمة توصف بالأصعب.

ورغم تلك التحديات إلا أن قطاع غزة، تمكن من إنجاح الجهود المحلية والدولية بإقامة مشاريع استراتيجية في مجال معالجة مياه الصرف الصحي، وقد ساهمت في الدفع بهذا الاتجاه توصيات التقارير المحلية والدولية المؤكدة على خطورة الوضع الصحي والبيئي الناجم عن بقاء مياه الصرف دون معالجة.

حاليا هناك ثلاثة مشاريع استراتيجية لمعالجة مياه الصرف الصحي، إذ ستعالج حين الانتهاء من كافة مراحلها الكمية الأكبر من مياه الصرف قبل توجيهها للبحر أو للأغراض الزراعية.
أول هذه المحطات، محطة معالجة مياه الصرف الصحي في شمال شرق مدينة غزة، تقع على مساحة 100 دونم، ويستفيد منها إجمالي 350 ألف نسمة.
وتقدر التكلفة الإجمالية لهذا المشروع بـ 115 مليون دولار أميركي بتمويل من البنك الدولي ووكالة التنمية الفرنسية، والاتحاد الأوروبي والسويد وبلجيكا.

المحطة الثانية "محطة المعالجة المركزية" – شرق البريج وسط القطاع، والتكلفة الإجمالية للمشروع 86.6 مليون يورو بتمويل من بنك الائتمان الألماني لإعادة التنمية) (KFW).
المرحلة الأولى أُنجزت بإنشاء محطة المعالجة والتي ستكون قادرة على معالجة 60 ألف متر مكعب من المياه العادمة بقيمة إجمالية حوالي40 مليون يورو، بالإضافة إلى حوالي 20 مليون يورو لاستكمال المشاريع المكملة للمحطة من خطوط ضغط وخطوط بالميول الطبيعية ومحطة الضخ المركزية لتجميع المياه من المحافظة الوسطى ومدينة غزة على أن يتم خلال العام 2025 البدء بالمرحلة الثانية من المشروع بتوسعة المحطة لتصل إلى 120 ألف متر مكعب يوميا.

أما المحطة الثالثة فتوجد في خانيونس جنوب القطاع، بلغ تمويلها 58 مليون دولار بتمويل من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية من خلال البنك الإسلامي للتنمية والحكومة اليابانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتم البدء بتشغيل المحطة في نوفمبر 2019، بحيث تغطي خدمة المحطة 58% من مساحة مدينة خانيونس، ستخدم المحطة في المرحلة الأولى والتي أُنشئت بسعة 26.600 متر مكعب يوميا ما يزيد عن 217 ألف نسمة، وستصل سعة المحطة في المرحلة الثانية إلى 44,900 متر مكعب يوميا لخدمة معظم سكان المحافظة.

هل طرأ تحسن؟

يؤكد مختصون في البيئة، أن تحسنا طرأ على نسب التلوث في محطات الضخ ومعالجة الصرف الصحي نتيجة الزيادة الملحوظة في عدد ساعات وصل التيار الكهربائي وأن الزيادة في كميات الكهرباء، تركت أثرا إيجابيا على انتظام عمل المحطات.
ولكن منظومة عمل محطات الضخ والتحلية وإدارة المياه لم تصل بعد إلى نسب محددة تؤكد هذا التحسن لكن من البدهي أن استمرار انتظام التيار الكهربائي من شأنه أن يعطي مؤشرات إيجابية تدل على انخفاض حالة التلوث.


مصدر الصورة المرفقة للمقال.

شاركونا رأيكن.م