كيف تستقبل نساء القدس يوم المرأة العالمي؟
كما في كل البلدان تستقبل نساء فلسطين بشكل عام ونساء فلسطين بشكل خاص العام الجديد (2022) ... تستقبله كل نساء العالم بالأمل والأمنيات... ولكل بلد آماله وأمنياته... ولكل امرأة آمالها وأمنياتها أيضا بغض النظر عن الهوية الوطنية التي تحملها أو المكان الذي تعيش فيه... أما في القدس فكما في كل العالم لكل امرأة فيها آمال وأمنيات أيضا، ولكنها تلتقي بالكثير من النقاط وتجتمع على الكثير من الأمور ليتم الإعلان في النهاية عن واقع مختلف تعيشه هؤلاء النسوة... قد لا يكون هذا الواقع هو الأسوأ في العالم، ولكنه وحتما وبدون شك واقع غريب، وغرابته تنبع من كونه واقع تعيشه النساء في القرن الواحد والعشرين...أي بعد انتهاء كل الحروب العالمية... وانتظام الحياة السياسية في غالبية بلدان العالم... و"التغلب" الدولي على كافة أشكال التمييز العنصري... بل والإعلان عن الكثير من الوثائق الدولية التي تؤكد على المساواة وعلى احترام حقوق الإنسان ونبذ كافة أشكال التمييز العنصري...
وحتى لا أطيل الحديث، أو حتى لا يبدو أنني أقوم بالتحليل السياسي والاقتصادي النظري فقد قررت أن تكون مقالتي هذه من الواقع المعيش والذي قد يستوعبه الشعب الفلسطيني على أنه واقع حقيقي وتستغربه العديد من الشعوب التي "ظنّت" بأن عصر العنصرية والفاشية قد نفد..
في القدس سأنطلق معكن من حي البستان في سلوان، وحي الشيخ جراح، حيث تخلّت العديد من النساء عن عملها وتحصيل لقمة عيشها وعيش أسرتها لتكون هناك في بيتها الذي عليها أن تحميه من المستوطنين... أن تعيش كل معاني الخطر وتواجه أبشع أشكال الكراهية والعنصرية على أمل ألا تطرد هي وأسرتها من بيتها... وهنا أعتذر لنساء مقدسيات عديدات من أحياء أخرى مؤكدة لهن بأنهن في البال ولكن اخترت نساء سلوان والشيخ جراح لأنهن يواجهن الحرب الأبشع والأكثر ضراوة على الإطلاق... حيث هناك تعيش النساء ليلها كما نهارها في مواجهة أقبح آليات التمييز العنصري.... فهناك في الشيخ جراح تتجمع قوافل من العنصريين "اليهود" وأعتذر للمتدينين الحقيقيين منهم والذين لا يستخدمون الدين كما تستخدمه هذه الجماعات... يتجمعون رجالا وأطفالا ونساء حول البيوت وبحراسة قوات الاحتلال... يغنون ويرقصون ويعلنون بأنهم أصحاب الأرض وبأن على السكّان الرحيل... ما يقلقني حقا هو أنه حتى أطفالهم يتجمعون هناك ليلعنوا كل فلسطيني وليمارسوا أبشع أشكال العنصرية...
هناك في الشيخ جراح التقيتها إنها "فاطمة سالم"، والتي كانت تجلس في الشارع المقابل لبيتها مع ضيوفها اللذين واللواتي حضروا للتضامن معها، حيث يمكث أحد المستوطنين في حديقة بيتها وقد أقام له مكتبا بعد أن حصل على قرار من المحكمة بمصادرة بيتها بادعاء أن هذا البيت كان لجده قبل حرب عام 1948... علما بأن لجدي بيتا في حي "القطمون" في القدس هجّر منه عام 1948 وتسكنه الآن عائلة يهودية ولا يحق لنا الاعتراض أو التوجه إلى المحكمة للمطالبة به وهناك مئات بل آلاف العائلات الفلسطينية التي هجرّت من بيوتها في تلك الحرب وما زالت مهجّرة... التقيتها ويدها معصّبة وعندما سألتها عن السبب قالت لي بأن أحد المستوطنين ضربها وعندما حاول ابنها أن يدافع عنها تم اعتقال ابنها في حين ترك المستوطن الذي اعتدى عليها طليقا.
أمام البيت عشرات الجنود يمنعون أي زائر من الوصول إلى بيتها ولذلك فهي تستقبل ضيوفها في الشارع، بينما يدخل للتضامن مع المستوطن أي مستوطن آخر دون نقاش... رأيتها وهي تعيش لحظات الرعب... الرعب من فقدان بيتها... من الاعتداء عليها وعلى أولادها وبناتها وأحفادها... من المستقبل الغامض الذي ينتظرها في ظل عالم لم يبذل أي جهد ليدافع عنها...
وعلى الرغم من قساوة قصة فاطمة إلا أنها مجرد واحدة من نساء الشيخ جراح (حي الكبنية، وحي الوحدات)، وحي البستان في سلوان، اللواتي ينتظرن الإخلاء من بيوتهن إلى مصير مجهول، حيث سيتركن الذكريات والأمن والأمان ويذهبن وأسرهن إلى المستقبل المجهول لمجرد أنهن فلسطينيات، تماما كما عومل العنصريون "السود" قبل عشرات السنين، وسكان أمريكا الأصليين أو ما يطلق عليهم "الهنود الحمر" ...
في القدس النساء لسن فقط بانتظار المجهول، بل أيضاً بانتظار الفرصة السانحة ليعدن لممارسة حياتهن الطبيعية، ليتمكن من الذهاب إلى عملهن دون خوف، ليمشين بالشوارع دون الخوف من التعرض لهجمات المستوطنين المحميين من قبل جنود الاحتلال...أن تذهب الفتيات إلى مدارس مجهزة بدورات مياه كافية وبغرف دراسية تتسع لهن ويتمكن من السير فيها...وفيها تدفئة...
يذهلني حديث المنظمات الدولية عن الاحتفال هذا العام بيوم المرأة العالمي تحت شعار المرأة والتغير المناخي، فالتغير المناخي حالة طبيعية تستحق المواجهة ولكن ما يستحق المواجهة أكثر هو هذه الاعتداءات اليومية التي تواجهها المقدسيات في ظل صمت عالمي رهيب، فأيهما أخطر مواجهة التغير المناخي مع كل العالم، أو مواجهة الطرد من البيت والتعرض للاعتداءات اليومية من قبل المستوطنين؟!