"آلو، المسؤولة عن منع التحرش الجنسي بالسلطة المحلية؟" -"عنجد أنا؟ ما كنتش أعرف"
في شهر آذار، شهر المرأة، لا بد لنا من التطرق لواحدة من الظواهر الخطيرة التي تعاني منها النساء بشكل خاص، عالميًا ومحليًا، وهي قضية التحرشات الجنسية، ظاهرة تمس بكرامة وحرية النساء، وتترك بهن آثارا نفسية صعبة جدًا تؤثر سلبًا على حياتهن وعلاقاتهن، وتمنعهن في كثير من الأحيان من التقدم في أماكن عملهن كونها أماكن بارزة لحدوث التحرشات الجنسية. سأخصص هذا المقال حول تعامل السلطات المحلية العربية مع وظيفة المسؤولة عن منع التحرش الجنسي، وظيفة هامة ومركزية في مناهضة هذه الظاهرة، كون السلطات المحلية تشكّل أكبر مشغلة في المجتمع العربي.
يلزم قانون منع التحرش الجنسي الذي سنّ في عام 1998 اتخاذ إجراءات مختلفة في أماكن العمل من أجل خلق بيئة آمنة للموظفات والموظفين خالية ونظيفة من التحرشات الجنسية والمضايقات، من بين هذه الإجراءات على سبيل المثال، وضع بنود القانون في أرجاء مكان العمل المختلفة والبارزة للموظفين والموظفات، كما ويوجب صياغة ونشر نظام داخلي في أماكن عمل فيها 25 موظف وما فوق، بحسب قانون منع التحرش الجنسي لمنع حدوث تحرشات في مكان العمل.
بالإضافة للقانون، هنالك أنظمة مختلفة سنت وفقَا له، والتي تلزم بدورها المشغلين بتعيين مسؤولة عن منع التحرش الجنسي في مكان العمل، تكون المسؤولة عنوانا يتوجه إليه الموظفون والموظفات لتقديم الشكاوى، تقوم المسؤولة باستيضاحها وتقديم توصيتها أمام المشغل بشأن كيفية معالجتها، كما وعلى المسؤولة إرشاد الموظفين والموظفات وتقديم المشورة وتوفير المعلومات بكل ما يتعلق بالتحرش الجنسي في مكان العمل.
وكما أي مشغّل آخر، فإن السلطات المحلية كمشغلة، وأكثر من هذا، أكبر مشغلة في المجتمع العربي، يقع على عاتقها إنفاذ الواجبات القانونية التي يمليها عليها قانون منع التحرش الجنسي والأنظمة المختلفة، من بينها تلك التي ذكرتها أعلاه تعيين مسؤولة عن منع التحرش الجنسي في السلطة المحلية.
على إثر توجه جمعية ""محامون من أجل إدارة سليمة"" وجمعية كيان- تنظيم نسوي للسلطات المحلية العربية لتعيين مسؤولات عن منع التحرش الجنسي، تجاوبت معظم السلطات المحلية بالفعل مع هذا التوجه وتم تعيين مسؤولات. بالمجمل فإن 75 من 85 سلطة محلية عربية لديها موظفة مسؤولة عن منع التحرش الجنسي، ولكن على ما يبدو أن هذا التعيين كان شكليا فقط، لإتمام الواجب القانوني وعدم التورط في المحاكم ليس إلا.
في كثير من هذه السلطات لا تعلم الموظفة التي تم تعيينها كمسؤولة عن منع التحرش الجنسي بهذا التعيين من الأصل، وفي سلطات أخرى تم تعيين موظفات ليس لديهن أي آليات للتعامل مع الموضوع، وأخريات تم تعيينهن بدون مشاورتهن وبدون أي رغبة منهن في العمل على هذا الموضوع ومعالجته، وأكثر من هذا، مسؤولات عديدات يشكين من الاستهتار بوظيفتهن وتقييدهن وعدم إعطائهن صلاحيات وإمكانيات للعمل على الموضوع بالشكل المطلوب من أجل تأديتهن عملهن كما يجب. هذه الاستنتاجات هي حصيلة محادثات قمتُ باجرائها في الشهريين الأخيريين مع 40 سلطة محلية عربية مختلفة.
إن استهتار السلطات المحلية بوظيفة المسؤولة عن منع التحرش الجنسي خطير جدًّا، وقد قامت العديد من الجمعيات النسوية والناشطات على مرّ السنوات الأخيرة برفع الوعي حول أهمية معالجة ظاهرة التحرش الجنسي في أماكن العمل وتسليط الضوء حول الضرر الذي يحدث للمتحرَّش بها والمعتدي عليها وحول إسقاطات التحرشات والاعتداءات على المجتمع بأكمله بشكل كافٍ، مما يجعل تحييد هذا الموضوع عن سلم أولويات السلطات المحلية العربية تأكيدا على استهتارهن بالأمر وعدم اكتراثهن لأهمية معالجة الموضوع، وعدم وجود أيّ نيّة للعمل بشكل جدي لمناهضة التحرشات في السلطات المحلية وإحداث التغيير، في الوقت الذي يتوجب فيه أن تكون السلطات المحلية مثالا للمشغلين يقتدى به في كل ما يتعلق بمنع ومعالجة التحرشات الجنسية.
تقرير مراقب الدولة لعام 2020، يُظهر أن في الثمانية أعوام التي سبقت إعداد التقرير تم تقديم ثمان شكاوى فقط لتحرشات جنسية في السلطات المحلية العربية، إن الأمر مقلق جدًا، ويؤكد على عدم وجود عنوان لتقديم الشكاوى في السلطات المحلية، أرجو ألا يكون بيننا من يعتقد أن السبب وراء هذا العدد القليل هو عدم وجود تحرشات جنسية في السلطات المحلية.
عهدنا السلطات المحلية العربية دائمة الشكوى حول شحّ الميزانيات وقلة الحيلة كحاجز يمنعها من تطوير البلدات والعمل، فكيف تبرر السلطات المحلية العربية نهجها المستهتر تجاه منع التحرشات الجنسية ومعالجتها؟