كذبة نيسان: لا تكُن سمكة!

عندما نستيقظ في يوم كذبة نيسان والذي يصادف الأول من نيسان من كل عام، من المتوقع جدًا أن نبذل طاقة ذهنية أكثر من أي يوم آخر بمحاولة تمييز الخدع المحتملة من أصدقائنا، عائلتنا أو حتى المؤسسات الحكومية والأخبار التي من المفترض أن تقدّم لنا الحقائق، وفقط!

يوم الكذب العالمي هو يوم مضحك للغاية، تقليد عالمي موجود منذ مدة طويلة ولا يبدو أنه سيندثر قريبًا، فيه يخدع البشر بعضهم البعض بكذبات بسيطة من المفترض ألّا تسبب الأذى أو الضرر، ومع نهاية النهار، على صاحبها أن يعترف أنها لم تكن سوى ""مقلب نيسان"".

لكن من قرر أن يصادف يوم الكذب العالمي في الأول من نيسان؟ من بين كل أيام السنة؟

في هذا المقال سنحاول أن نبحث بهذا السؤال، مستذكرين جميع الساذجين ضحايا هذا اليوم من بيننا.

وإن كنتم قليلي الصبر، فلإجابة المختصرة لهذا السؤال هي أنه لا أحد يعرف حقًا لماذا اختير هذا التاريخ بالذات.

أما الاجابة الأطول فهي كالتالي: إن الإشارات الأولى واسعة النطاق ليوم كذبة نيسان ظهرت في القرن الثامن عشر. في تلك الاثناء، الطقوس كانت قد انتشرت في جميع أنحاء قارة اوروبا. حتى في ذلك الزمان لم يكن للبشر أدنى فكرة حول أصل هذا اليوم ولماذا في الأول من نيسان بالذات! فكيف لهذا اليوم، ولهذه العادة واسعة النطاق أن تنتشر دون أن يسجّل ذكر واضح ويليق بعراقتها في كتب وسجلّات التاريخ البشري؟

الأمر الأكيد، هو أن الخداع والمزاح أمور أحبها البشر منذ الأزل، لكن السؤال المثير هنا، هو ماذا يقف وراء ازدياد الخدع والكذبات مع حلول الربيع؟

يا جماعة، لكذبة نيسان تاريخ عريق، أعرق ممّا قد يتوقع الفرد لهذا اليوم المضحك.

البداية ستكون مع عام 1392، مع قصة الديك المدعو ب""شاونتسلير"" Chauntecler) ( برواية جيفري تشوسر (Chaucer):

شاونتسلير كان ديكا ذكيا جميلا، يجلس فوق غصن شجرة وهو يصيح بصوته العذب الرائع. مر ثعلب من تحت الشجرة التي يجلس على غصنها الديك، فسمع صوته نظر إليه وهو يقول له: يا له من صوت جميل أيها الديك العجيب، فقال له الديك: شكرا لك أيها الثعلب، فقال الثعلب: إني معجب كثيرا بشكلك الجميل وصوتك العذب، فهل يمكنك أن تصيح من جديد لأجلي أيها الصديق؟ صاح الديك من أجله، فأقنعه الثعلب بأن يقوم بذلك مرة أخرى وثانية وثالثة ورابعة حتى سقط الديك من قوّة صياحه!

وضعه الثعلب في فمه، لكن الديك، بذكائه، تفوّق على الثعلب الذي حمله في فمه مسافة بعيدة، وتجنّب أن يؤكل بعد أن لعب خدعة على الثعلب.

إنها واحدة من القصص الكلاسيكية عن الحيوانات. وهذا حصل وبحسب الرواية ""Syn March bigan, thritty dayes and two"" والذي يبدو إشارة واضحة إلى اليوم الثاني والثلاثين بعد بداية شهر آذار، أو الأول من نيسان.

لكن لحظة، بالرغم من أن هذه النظرية تبدو مقنعة، إلّا أن بعض الأكاديميين رجّحوا أن كلمة ""bigan"" والتي استخدمها جيفري تشوسر بعد كلمة آذار ما هي إلّا خطأ مطبعي، وإن ما عناه تشوسر في الواقع هو ٣٢ يومًا بعد انتهاء آذار، أي الثاني من شهر آيار.

الأمل في القرن السادس عشر

الذكر الصريح والمباشر لمصطلح ""كذبة نسيان"" يأتي في قصيدة تعود لعام 1561 من تأليف إدواردو دي ديني وفيها يروي قصة نبيل يرسل بخادمه ليقضي مهام ""سخيفة"" و""غير مثمرة"" على حد قول الخادم، ومع نهاية كل بيت في القصيدة يتذمّر الخادم من أن ما يُطلب منه فعله ليس أكثر من مزحة الأول من نيسان (بالإشارة لسخافة المهام).

وبهذا نستنتج، أنه مع حلول القرن السادس عشر، كان هناك مفهوم واضح لما يعنيه مصطلح ""كذبة نيسان"" من سخرية.

انتشار واسع مع القرن السابع عشر

على مدار القرن التالي، بدأت نكات يوم كذبة نيسان تنتشر في كل مكان، وهذا بحسب ما لاحظناه من الكتابات الشعرية والأدبية من تلك الفترة.

على سبيل المثال، في أوائل القرن السابع عشر، أصبحت أسطورة هروب دوق لورين من السجن مادة من التراث الشعبي. تقول الأسطورة، إنه في الأول من نيسان عام 1632 ، قيل إن الدوق وزوجته هربا من سجن في نانت بمجرد الخروج من البوابة الأمامية مرتدين زي الفلاحين. لاحظهم شخص ما وأخبر الحراس، لكن الحراس اعتقدوا أنها كذبة نيسان! مما سمح للزوجين بالهروب.

لكن لحظة، بعد بحث لا بأس به على الإنترنت، وجدت نعم صحيح، من المؤكد أن الدوق والدوقة هربا في شهر نيسان عام 1634؛ لكن من الصعب تأكيد ما إذا كانا قد هربا في الأول من نسيان.

مع مثل هذه القصص القديمة، من الصعب دائمًا معرفة عدد التفاصيل التي تمت إضافتها، يعني البهارات. ومع ذلك من المعقول تمامًا أن الدوق استخدم هذا اليوم، الأول من نيسان، كسياق لهروبه، مما يشير إلى أنه بحلول أوائل القرن السابع عشر كان يوم كذبة نيسان تقليدًا ثقافيًا راسخًا في جزء من أوروبا.

سمكة نيسان

دعوني أخبركم عن نظرية فرنسية، وهي الأكثر شيوعًا حول أصل ""كذبة نيسان"" والتي تعتمد على حقيقة تغيير التقويم الفرنسي في القرن السادس عشر.

تقول النظرية التالي: حتى عام 1564، كانت بداية العام في فرنسا مع نهاية شهر آذار، ففي عام 1564 أصلحت فرنسا تقويمها، ونقلت بداية العام من نهاية آذار إلى 1 كانون الثاني/ يناير. بطبيعة الحال في تلك السنين، لم تنتقل المعلومة بسرعة اليوم، ونتيجة لذلك، فشل الكثير بمواكبة التغيير، واستمروا بالاحتفال في السنة الجديد خلال الأسبوع الذي صادف بين 25 آذار و1 نيسان. هؤلاء الناس كانوا عرضة للسخرية.

سخر الناس من أولئك المحافظين الفرنسيين وتمسكهم بالتقاليد القديمة من خلال إرسال هدايا كاذبة ودعوات إلى حفلات وهمية! كانوا أيضًا يلصقون الأسماك المصنوعة من الورق على ظهورهم، مما يروج للمصطلح الفرنسي للشخص الذي تعرض للخداع في يوم كذبة نيسان: ""poisson d’Avril"" أو ""سمكة نيسان"".

تفسير المصطلح: الفكرة تعود إلى الحقيقة أن الأسماك تكون أكثر وفرة خلال فصل الربيع، مما يجعل صيد ""سمكة نيسان"" أسهل. أي إنها أكثر سذاجة من الأسماك الأخرى في أي وقت آخر من العام.

وهكذا ولد التقليد.

لكن لحظة، أنا لا اقصد خداعكم في هذا المقال، والعياذ بالله، بالتأكيد ليس في الأول من نيسان. لكن هناك بعض المشاكل في النظرية الفرنسية وتعديل التقويم السنوي.

فمنذ عام 1507، تظهر السجلات (مرجعية ٢) أن بعض المدن الفرنسية على الأقل تبادلت هدايا العام الجديد في 1 كانون ثاني/ يناير. إذا كان هذا صحيحًا، فإن الانتقال الرسمي من الاحتفال بالعام الجديد مع حلول الربيع للاحتفال بالأول من كانون الثاني كان قد استمر أكثر من نصف قرن، مما يترك متسعًا من الوقت لتغيير الثقافة الفرنسية أيضًا، وللمحافظين أن يواكبوا التغيير.

فهذا الادعاء فضفاض للغاية، وقد يعتبره البعض مثالًا على ظاهرة ""الميتا فولكلور"" - أي عندما تظهر قصة هدفها شرح أصول طقوس شعبية.

باختصار، لا أحد يعرف على نحو دقيق من أين جاء الاحتفال بكذبة نيسان.

لكنه من المؤكد، أنه اليوم، ومع انتشار ظاهرة الأخبار الكاذبة، بات كل يوم كذبة نيسان.

واليوم أيضًا، تطورت كذبة نيسان إلى مقالب سوشيال ميديا، سواء كان خداعا بإرسال دعوات مزيفة إلى حفلات غير موجودة في فرنسا في القرن السادس عشر، أو غيرها، فإن كذبة نيسان حافظت على مكانتها.

في فرنسا، لا يزال الناس يحتفلون بسمكة نيسان في الأول من هذا الشهر، وقد يحاول الأطفال لصق الأسماك الورقية على ظهور الكبار دون أن يلاحظوا ذلك.

رسالتي الأخيرة للساذجين بيننا، انتبهوا على أنفسكم في هذا اليوم، ابقوا متيقظين، تجنبوا أن تكونوا سمكة نيسان.

إحالات:

١. http://hoaxes.org/af_database

٢. THE LITERATURE OF THE FRENCH RENAISSANCE - Arthur Tilley. M.A. 1904

عايدة قعدان

مخرجة أفلام وكاتبة سيناريو ومقدمة بودكاست "منطقة رمادية"

شاركونا رأيكن.م