الثقة ببننا وبين أطفالنا تبدأ في قول الحقيقة!

قبل أن نصل إلى البيت سألني ابني (٧ سنوات): ماما صديقي قال إنّ المتزوجين يقبلون بعضهم على الشفاه، صحيح؟

بدون تأتأة أجبته: نعم.

استغرب: نعم؟

أكدت له بصوت حازم: نعم.

طوال اليوم كان هذا الموضوع أساسيا في حديثنا، يقول لي إنه مقرف فأرد إنه ليس كذلك، خاصة حين يكون بين متحابين. يقول إنه لا يتصور إنه سيفعل ذلك أبدا، فأبتسم به وأخبره أن الحب هو الكفيل بجعلنا نريد أشياء كثيرة.

تلك الليلة أخبرت والد ابني عما حدث، بحكم أننا منفصلان، سألني، ولكن أليس مبكرا على ابننا الآن الحديث في هذه الأمور. شاركته بكل وضوح أني أفكر بابني كطفل بين ذراعي وأود حمايته من كل العالم، ولكنه يكبر وبما أنه يأتي من الخارج بمواضيع مثل هذه ويسألنا عنها فالأفضل أن نجيب بصدق وبما يجعلنا دائما موضع ثقته. توافقنا على أن نكرر نفس الاجوبة إذا ما سأل والده وأن نبسط الأمور بحسب عمر ابننا تحت عنوان الدقة والثقة.

لماذا أروي هذه القصة الشخصية؟

أولا، لأنها حدثت مع ابني ما وضع قناعاتي النظرية موضع التجربة العملية ومر الأمر بسلاسة، حتى الآن. أدرك أن الأسئلة الصعبة قادمة لا محالة وأحضر نفسي لها منذ الآن بالقراءة ووضع السيناريوهات.

ثانيا، لأننا نتحدث عن الكذب مع اقتراب الأول من نيسان، ولا أدرى كيف توصلت الحضارة الانسانية إلى تكريس يوم عالمي للكذب فيما نشدد على قيمة وفضيلة الصدق وتعتبر الأديان الكذب من المعاصي.

وثالثا وبصفتي مختصة تربوية وصحافية، لأتشارك مع القراء الكرام بعض الأفكار التي ربما تفيد في تفادي الكذب تحت أي عنوان ومسمى على أطفالنا، لعل وعسى، نزرع فيهم بذرة الصدق أعمق فتكون شجرة الاحترام والأمانة والثقة في مستقبلهم أمتن وأقوى في مجتمعات، للأسف باتت تجز القيم جزا وتسفحها يوميا تحت مسميات الشطارة والفهلوة.

* بداية ""الكذب خيبة"" كما يقول المثل المصري، والكمية المسموحة به في بيتنا صفر، بينما كمية السكر هي فاكهة ونوع شوكولا يومية، وكمية وقت الشاشات ساعة. بهذه البساطة عودت طفلي من الصغر على الأمر. أنا لا أكذب يعني هو لا يكذب. وحين يحدث أن ""يمزح"" أي شخص قريب أو بعيد منا فلا غضاضة أبدا في أن يقول ابني بكل وضوح ""كذاب"". وحين بدأت أزمات لبنان من كهرباء وسيولة وكنت أضطر للتراجع أو تعديل وقت البوظة أو مشاهدة برنامجه المفضل كان يقول لي بلا تردد: كذبتِ علي. وهذه فرصة ممتازة لتعليم الطفل الفرق بين الكذب والتأقلم بالمناسبة.

*لا فائدة لأي كذبة مهما بدت مهمة في وقتها، نحن نربي الأطفال والتربية تحتاج صبرا و""طولة بال"" قد تمنح كذبة بيضاء، كما يحلو للبعض تبرير كذبة، مفعولا آنيا مفيدا للأهل، لكنها على المدى الطويل تعلم الطفل درسا كارثيا: اكذب لتحصل على ما تريد. الكذب على أطفالنا =كذبهم علينا لاحقا. ولاحقا أعنى كمراهقين لأطفال قبل ٦ سنوات حين يكون الكذب جزءا من النشاط الدماغي السريع لأن الطفل يمر بمرحلة نمو العمليات العقلية وبالتالي يحتاج وقتا للتفريق بين الواقع والخيال. حين يكذب أولادكم عليكم ابحثوا في تعاملكم أنتم معهم عن جذر الأمر أولا، ثم دققوا في محيط أولادكم. هذه السلوكيات لا تتغير مع المراحل العمرية مثل النظافة الشخصية وعادات العمل. هذه السلوكيات تصبح جزءا من الشخصية التي يكتسبها الطفل من البيت أولا وأساسا. يعني منكم كأهل.

* لا حاجة للكذب على الطفل مهما كان عمره، في التربية قاعدة ذهبية اسمها ""التناسب مع العمر Age appropriate"" يمكن تطبيقها في كل شيء. نحن لا نعلم طفلا في الثالثة عن مساحة المثلث، بل عن شكله. ولا نعلم طفلا في السادسة عن وظيفة الشبكية، بل عن حاسة البصر. هكذا كل شيء في هذا العالم، نجيب الطفل على أسئلته بحسب عمره، نقدم المفاهيم مبسطة وهو سيستوعب وإذا لم يكفيه الجواب سيسأل أكثر وهكذا. المهم أن تظل الأجوبة منطقية وحين نعجز عن الإجابة يمكننا الإقرار بذلك على فكرة، مثلا: ماذا لو قرأنا أكثر عن الموضوع خلال العطلة؟ هلا أعطيتني بعض الوقت حتى أنهي هذه المهمة أو تنهي درسك ثم نبحث عن الأمر؟ نحنا لسنا موسوعات ناطقة كأهل، الصدق في هذا الموضوع أيضا يبني ثقة الطفل بنا أكثر.

*الثقة: هذه الكلمة هي المفتاح الذهبي للعلاقات. أن تبني العائلة ثقة مطلقة بين أفرادها فهذا أمر يبدأ، كالعلم من الصغر كنقش في حجر. يبنى بعدم الكذب، بالصدق في كل موقف، بإعطاء، المعلومات المناسبة لعمر الطفل، بتقديم الحقائق مبسطة، بمشاركة المشاعر بين الأهل والاطفال، بإظهار المحبة والاهتمام والأمانة في متابعة شؤون العائلة. هذه الثقة لن تهزها مقالب في يوم عالمي للكذب، أصلا سيعتبر أبناء مثل هذه العائلات يوما كهذا تقليدا غريبا، مثلما يرى ابني الهالوين أمرا غير مفهوم، بالنسبة له لا يفهم كيف نخيف بعضنا عن قصد؟ أقول له إنه تقليد وليس حقيقيا وموقفه ثابت: هذا مخيف والخوف ليس شعورا جيدا. أتودون معرفة رأيه لو قلت له إن هناك يوما عالميا للكذب؟

نصيحة أخيرة للأهل فيما يخص موضوع التربية الجنسية تحديدا، ضروري الاتفاق فيما بينكم على ما ستقولونه للأطفال في هذا الصدد ""قبل"" سؤالهم عنه. موضوع القبلة، من أين يأتي الطفل. من أين ولدت. كل هذه الأسئلة من الضروري الاتفاق على الإجابة عنها فيما بين الأهل بشكل استباقي، لا يعلم كل الأهل المعلومات المناسبة لكل عمر، الإنترنت مصدر مفتوح للمعرفة، اختاروا مراجع موثوقة، سجلوا في دورات يقدمها مختصون، ثقفوا أنفسكم لتثقفوا أجيالنا الجديدة. الكذب في هذه الموضوع تحديدا على أطفالنا يقوض ثقتهم بنا حين يعرفون الحقيقة، وسيعرفونها حتما. هل تريدون مصادر أخرى موثوقة للمعرفة عن موضوع أساسي في الحياة كالجنس غير ذواتكم؟ تذكروا القاعدة الأساسية: إجابة مناسبة لعمر الطفل من دون كذب. هناك قصص، أغان، شروحات علمية مبسطة بعدة لغات، مختصون، فيديوهات، عشرات الوسائل لمساعدتكم في هذا الإطار. لا تترددوا في استخدامها لأجل عائلتكم ولصحة علاقة أطفالكم بكم، الآن ومستقبلا.

*يشار إلى أن مصطلح ""طفل"" في هذه المقالة، مستخدم للإشارة إلى الفئة العمرية ما دون سن ال ١٢ عاما لكلا الجنسين.

ملاك خالد

صحافية فلسطينية ومحاضرة جامعية حاصلة على ماجستير في التربية من جامعة أكسفورد في بريطانيا ومقيمة في لبنان

شاركونا رأيكن.م