قطاع غزة، مليونا إنسان في 365 متر مربع، "الجميع يعاملها وكأنها عشة فراخ على السطوح، يطلع يحط لها الاكل، ويعالج الجريح، ويرمي الميت، وينظف تحتها، وينزل، بينما هي قضيتنا الكبرى" قال جلال عامر.
الكثير من صناع القرار وعامة الشعب يقولون: "لا دولة في غزة، ولا دولة بدون غزة".
فعليا، الكل يعامل غزة المدينة المحتلة المحاصرة الفقيرة، على أنها دولة.

مغالطات كثيرة يقع فيها الجميع قصدا أو عفوا، أذكر منها الآتي في مجال الحق في المياه:

1. الحل لأزمة المياه في غزة هو تحلية مياه البحر. تحلية مياه البحر ستمكن غزة من الحصول على مصدر مياه صالحة للشرب مستدام، وموثوق، ومعقول التكلفة، وآمن. خبير المياه، كليمنس مسرسشمد، يقول إن التكلفة المتوقعة للاستثمار والتكلفة التشغيلية لتحلية مياه البحر تصل الى 664,054,000 مليون دولار أمريكي. بالنسبة لغزة التي يبلغ الناتج المحلي الإجمالي فيها 1.46 مليار دولار، فإن هذا المبلغ فلكي، حيث إنه يبلغ 40% من الناتج المحلي الاجمالي. أضف إلى أن تحلية مياه البحر تحتاج كميات ضخمة من الطاقة في ظل تفاقم أزمة الكهرباء في غزة. الجدير بالذكر أن كل هذه التكلفه لتوفير مياه للشرب فقط، وليس للزراعة، إذ يعاني الطرف الجنوبي للحوض الجوفي الساحلي الذي يقع تحت غزة من شح منذ أيام الانتداب البريطاني. بحسب تقارير الأمم المتحدة ومؤسسات دولية ومحلية أخرى فإن 97% من المياه غير صالحة للشرب. غزة "المدينة الدولة" يفترض بها أن تجد حلا بنفسها، لكن غزة المدينة كأي مدينة في العالم لا يجب أن تكون مكتفية ذاتيا، بل بالإمكان تزويدها من مدن أخرى.
بحسب مسرسشمد يبلغ إجمالي حصة الفلسطينين من الإنتاج لمصادر الفلسطينية الإسرائيلية المشتركة 668 مليون متر مكعب سنويا، في حال أن استهلاك الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة للعام 2020 بلغ 142 مليون متر مكعب فقط؛ نتيجة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي على مصادر المياه منذ 1967 من خلال سلسلة من الأوامر العسكرية أشهرها الأمر العسكري رقم 92 لعام 1967 الذي فوض جميع المسائل المتعلقة بالمياه في الأراضي المحتلة للحاكم العسكري، والأمر رقم 158 لعام 1967 الذي أوجد نظام ترخيص يمنع أي استخدام أو تطوير لمصادر المياه بدون رخصة رسمية، والأمر رقم 291 لعام 1968 الذي ألغى أي قوانين أو أحكام سابقة وأقر بأن سلطة الحاكم العسكري تسمو على قرارات المحاكم المدنية. وحيث إن السيطرة الإسرائيلية على مصادر المياه المشتركة تضر بمصلحة الفلسطينيين فهي تضر خاصة بمصلحة المواطن الغزي. فغزة بحاجة إلى نقل المياه لها من الضفة الغربية، الأمر المستحيل في ظل سيطرة الاحتلال على مصادر المياه بحيث إن المياه التي يمكن الوصول لها بالضفة لا تكفي سكان الضفة أصلا، وبحيث إن مد خطوط ناقلة غير ممكن في ظل الفصل الجيوسياسي بين الضفة وغزة.
2. أعلى كثافة سكانية بالعالم: غزة ليست المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم. غزة ليست من ضمن أكثر 50 مدينة مكتظة بالسكان في العالم. القول إن غزة هي المكان الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، تصريح ضمني بأن غزة هي دولة؛ "دولة غزة" هي الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، تليها في المرتبة الثانية دولة بنغلادش، والتي تبلغ كثافة السكان فيها ربع الكثافة السكانية في "دولة غزة".
3. 80% من سكان غزة لاجئين، وهذا هو السبب في ارتفاع كثافتها السكانية. يجب ألا ننسى أبدا حق جميع اللاجئين الفلسطينيين في غزة وفي كل مكان في "الجبر والانتصاف" ويشمل ذلك حق العودة.... ولكن، مشكلة غزة ليست الكثافة السكانية. يمكن أن تتسع غزة المدينة في دولة فلسطينية حرة، ذات سيادة على برها وبحرها وجوها ومقدراتها لـ 4 مليون انسان وليس 2 مليون فقط، يعيشون حياة كريمة. التكنولوجيا تطورت لتمكننا من العيش في مدن مكتظة. مشكلة غزة ليست الاكتظاظ السكاني.... وليست اللاجئين... القول إن اللاجئين هم سبب الكثافة السكانية، وإن الكثافة السكانية هي مشكلة غزة، فيه اعتبار ضمني بأن "غزة دولة"، وبأنها ستبقى للأبد محتلة ومحاصرة، وأن اللاجئين لن يعودوا لمدنهم وقراهم أبدا، كما أن في هذا القول لوما مباشرا للضحية "اللاجئين".

إذا كان ما نريده فعلا هو "لا دولة في غزة، ولا دولة بدون غزة"، فعلينا السعي لأخذ حقوقنا المائية كاملة. غزة المدينة لها حق في مياه نهر الأردن، والحوض الجوفي الجبلي، وأي مصدر مائي في البلاد، تماما كما لها حق في الحوض الجوفي الساحلي. "دولة غزة"، ليس أمامها حل سوى تحلية مياه البحر. طرح تحليه مياه البحر كحل مستدام لا يفترض فقط بأن "غزة هي دولة"، بل أيضا بأن هذه الدولة ستبقى محاصرة ومحتلة للأبد وأن الاحتلال سيبقى مسيطرا على مياهنا.

زينب الشلالفة

باحثة وحاملة للقب ماجستير في الأمن المائي والتنمية الدولية من جامعة “إيست أنجليا” – بريطانيا وعملت مع عدة مؤسسات دولية منها أوكسفام، وبريمير إيرجنس وكفينا تل كفينا

شاركونا رأيكن.م