رحلة الكوكب الأزرق نحو الكارثة

ربّما يكون عنوان هذا المقال صادمًا، أو ربّما أقنعنا أنفسنا أن بعض البشر متخصّصون في النّظر للأمور من خلال عدسة سوداء. لسنا جميعًا سياسيّين بامتياز، حيث نبادر بنشر الدّمار من حولنا، ونتلذّذ بالأحداث الّتي تولّد ""لوحات فنيّة ومقطوعات موسيقيّة ونصوصًا أدبيّة"" مُوثِّقة، فتُحوِّل الدّخانَ المتصاعد من المباني والأجساد المحترقة، إلى رقصةِ الأرواح نحو الفضاء الرّحب.

إنّ استسهال العبارات الملطّفة للأوضاع البيئيّة الصّعبة، والاهتمام بإخراج أكثر الحقائق قتامة مخرج الصورة المشرقة، هو من اختصاص أهل السّاسة، المتسلّقين على حقوق الكوكب، بما فيه من كائنات حيّة وجماد في التّواجد والحياة باتّزان. وهذا ما نعتبره أحيانا غباء بشريّا، حيث يقوم الإنسان ببناء حضارة، تعتمد في مقوّماتها على وجود آليّات هدم. يبني، ثمّ يهدم، كما لو كانت قلاعًا واهنة على شاطئ البحر.

بعض المعطيات الرّسميّة لمنظّمة الأمم المتّحدة تشير إلى أنّنا كل ثلاث ثوانٍ، نفقد من الغابات ما يساوي ملعب كرة قدم. وخلال القرن الماضي، قمنا بتدمير نصف الأراضي الرّطبة. وفقدنا فعليًّا نحو 50% من الشعاب المرجانية. وبحلول عام 2050، سوف نفقد ما يعادل 90% منها.

في مؤتمر الأمم المتّحدة لتغيير المناخ الذي انعقد في باريس عام 2015، تعهّدت الدّول الأعضاء ""بالعمل"" على الحدّ من الفعاليات التي تؤذي التّوازن البيئي وتساهم في زيادة الاحتباس الحراري/ وما ينجم عنه من انصهار الجليد والفيضانات والأعاصير وموجات الحرّ الشّديدة والقحط وانقراض نسبة كبيرة من الكائنات الحيّة، وأيضا الحدّ من الاستهلاك الزائد للموارد الطبيعيّة وتلويث البيئات الحياتية بنفايات البلاستيك ومخلّفات المصانع التي تلوّث الهواء ومصادر المياه وما إلى ذلك.

وها نحن نختتم منذ أكثر من شهر قمّة مؤتمر غلاسكو الاسكتلنديّة لاستعادة النّظام البيئي، حيث ينشر المؤتمر دليلَ مبادئ استعادة النُّظُم الإيكولوجية لتشجيع إحياء هذه النظم في كل مكان.

وقد تطرّق المؤتمر إلى أنّ مهمة استعادة النظام البيئي هي مهمّة عالميّة، وعلى كلّ فرد ومؤسّسة أن يساهم بدوره في واحد أو أكثر من أهدافها. منها:

إصلاح مليارات الهكتارات من الأراضي المتضرّرة نتيجة الحرائق ورش المبيدات والتّسميد الكيماوي والتّجفيف وقطع الأشجار والبناء غير المراقب

إنقاذ الكائنات الحيّة النباتيّة والحيوانيّة من الانقراض في المحيطات والجبال والغابات والصّحاري وكل بيئة حياتيّة ممكنة، عن طريق تشجير الأماكن وترك مساحات بريّة كافية لتكاثر النباتات والحيوانات البريّة، وتنظيف القمامة في البرّ والبحر.

إلّا أنّ هذا الدّليل يبقى بمثابة توصيات ""أخلاقيّة""، يجمّل فيها القائمون على المؤتمر نواياهم الحقّة في استعادة النّظام البيئي الذي يضمن للجميع الحياة دون التعرّض للمخاطر الكارثيّة القريبة القادمة. وللحقيقة، فإنّ زمن علاج الكوكب الأزرق بات مستحيلًا. وما جاءت توصيات المؤتمر إلّا تضليلًا للواقع وإضافة لمحة أمل تحميهم شرّ فقدان الشّعوب للصّبر؛ لعدم احتمال وجود بصيص أمل واحد.

وفي عودة إلى حتميّة وجود مخرج من هذا المأزق العالمي، فإنّ احتماليّة استعادة النّظام البيئي الذي يسمح لنا بالحياة في القرية الكونيّة، مشروط بعدّة أعمال يجب تنفيذها حرفيّا ودون مواربة. هذه بعضها:

الكفّ الفوري عن إنتاج الطّاقة من مواد الوقود الأحفوريّة واستبدالها بموارد طاقة خضراء لعدّة عقود، حتّى نؤثّر إيجابا في إمكانيّة استعادة النّظام البيئي المنشود. وهذا معناه أن نكفّ فورا عن استهلاك الكهرباء بما يعادل 80% من مجمل الكهرباء في العالم، وهو ما تنتجه محطّات توليد الكهرباء التي تعمل بواسطة مواد الوقود.

الكف الفوري عن استخدام وسائل المواصلات التكنولوجيّة (مركبات، طائرات) ووسائل الاتصال التكنولوجيّة أيضا (الهواتف بأنواعها والانترنت)، وحتى عن الاستهلاك للمنتجات التكنولوجيّة أيًّا كانت، والتي يتمّ إنتاجها في المصانع الملوّثة، مثل الملابس وأدوات الطبخ والمكتبات ... إلخ.

الكفّ الفوري عن أكل الّلحوم، وبناء البيوت وتعبيد الشّوارع (والتي تستدعي قطع الأشجار)

وإذا لاحظنا ما المطلوب من كلّ فرد حتّى نستعيد النّظام البيئي الذي يسمح باستمراريّة الحياة على الكوكب، فإنّنا ندرك أنّنا بحاجة للعودة إلى حالة: ""يا رب! كما خلقتني"". أمّا إذا راهنّا على قدرة ونيّة نسبة عظمى من الأفراد في العالم، العمل حسب هذه الشّروط، فهل نستطيع أن نراهن على نوايا صانعي القرارات في هذا النّظام الرأسمالي العالمي، الذي وضع نصب أعينه قيمة المادّة في سلّم أفضليّاته، وداس على قيمة الحياة بمشاركة وعدل لجميع الكائنات؟

يبقى السّؤال التّالي مطروحًا على الباحثين والعلماء، الّذين لا يتوقّفون عن البحث وإيجاد حلول لتحدّيات مصيريّة، غالبا ما كانت تبدو غير واقعيّة حتّى تحقّقت:

هل من الممكن أن تملك الأرض نظاما ذاتيا طبيعيا لإعادة التوازن للمناخ كما يدّعي البعض، رغم سرعة وتيرة تهديد الانسان للنظم البيئيّة؟

الهام بلان - دعبول

كاتبة، وشاعرة ومربّية

رأيك يهمنا

مقالات متعلقة