رفع سن الزواج يحد من تزويج الطفلات وانتهاك حقوقهن!

بعد ان وضعت جنة العمل للمساواة في قضايا الاحوال الشخصية[1] ظاهرة تزويج الطفلات على اجندتها لسنوات طويلة، خلصت في سنة 2004 الى ضرورة طَرق المسار القانوني من اجل النضال لرفع سن الزواج الذي حدده القانون في حينها بسن 17 سنة ليكون السن الأدنى 18 سنة، وبالتزامن مع ذلك ابتدأت اللجنة بالقيام بنشاطات تهدف لتحضير الرأي العام لقبول فكرة رفع سن الزواج ودعماً لاقتراح القانون.

من خلال هذه الأنشطة، تم التركيز على انتهاكات حقوق الطفلات اللوات يزوجن دون سن الثامنة عشرة من منظور القانون الدولي من خلال التطرق الى ثلاث اتفاقيات دولية ذات علاقة مباشرة وهي: الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة 1989؛ الاتفاقية بشأن الرضى بالزواج، العمر الأدنى للزواج وتسجيل الزواج من 7 نوفمبر 1962؛ اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد النساء من سنة 1979. ان الرؤية الواضحة التي تطرحها هذه الاتفاقيات الثلاث تتجلى بالفهم بان القانون الدولي يتعامل مع ظاهرة تزويج الطفلات كخرق للمواثيق الدولية التي جاءت لتضغط على الدول من اجل توفير الظروف المناسبة لضمان تطور وسلامة الطفلات دون سن الثامنة عشرة ومن اجل احترام حقهن في الزواج برضى تام ودون اكراه.

ان تزويج الطفلات دون سن الثامنة عشر يعتبر انتهاكاً لحقوق عديدة تضمنها هذه المواثيق الدولية. فهو ينتهك حقهن في السلامة النفسية. اذ ان حق الطفلة في توفير المناخ المناسب لتطويرها الروحي والمعنوي المكفول وفقاً للمادة 27 لاتفاقية حقوق الطفل لا يتلاءم بتاتاً مع عملية تزويجها. كما انه يعد خرقاً لحقها في التعليم، وخصوصاً ان اغلب من يزوجن يتركن مقاعد الدراسة بسبب انشغالهن بالمسؤوليات الجديدة التي يتوقع المجتمع ان يقمن بها.

الزواج دون سن الثامنة عشرة ينتهك ايضاً الحق في الصحة، فغالباً ما ترافق ظاهرة تزويج الطفلات ايضاً ظاهرة الحمل المبكر في حين ان جسد الطفلة لم يصل بعد الى اكتمال نموه وتطوره السليم. ان حق المرأة في تحديد التوقيت المناسب للولادة الأولى وعدد الولادات الكلي لا يمكن ان يحترم في هذا السياق للزواج. اذ ان صغر عمرها يحد من الإمكانيات المتاحة امامها من اجل تخطيط الحمل والولادة في السن الأمثل لضمان صحتها وصحة المولود/ة.

ان الرؤية التي رافقت لجنة الأحوال الشخصية منذ بداية تأسيسها كانت واعية لأهمية العمل التوعوي من اجل مناهضة تزويج الطفلات بالتطرق الى مسبباتها وابعادها على الطفلات وعلى المجتمع باسره, ولهذا سعت لحملات إعلامية رافقت المسار البرلماني لتعديل قانون سن الزواج في الكنيست.

بعد ما يقارب العشر سنوات منذ بداية طرح مقترح القانون على طاولة الكنيست للمرة الأولى, وتحديداً في يوم 4 نوفمبر 2013 تمت المصادقة على تعديل القانون بحيث رفع السن الادنى للزواج لسن 18 عاماً. ان تعديل القانون لم يكن يوماً هو الهدف المنشود بل كان غاية تم توظيفها كجزء من الاليات التي تشكل مجتمعة رافعة من اجل تغيير أنماط التفكير حول المرأة وحول منظومة الزواج ككل.

في العام 2018 بادرت لجنة الأحوال الشخصية لبحث يوثق المسار الطويل الذي انتهجته من اجل دفع عجلة التشريع في الكنيست من جهة واحدة، ويتقفى اثر التعديل على ارض الواقع من جهة أخرى. بالرغم من ادراكنا بانه من المبكر ان نقوم بتقييم جدي لأثر رفع سن الزواج من 17 سنة الى 18 سنة بعد مرور اقل من 5 سنوات على التعديل، اذ ان الظواهر الاجتماعية تحتاج الى سنوات طويلة حتى نرى تغيرات جذرية. ولكن بواسطة مراجعة المعلومات المتوفرة لدينا من الممكن ان نحدد توجهات أولية ومؤشرات من الممكن ان تساعدنا في فهم التأثير الاولي للقانون على السلوكيات المجتمعية. من شأن هذا الفهم، ان يساعد في بلورة استراتيجيات العمل المقبلة بشكل ناجع. كما ان فحص الالية التي اوجدها تعديل القانون والتي فرضت على المؤسسات الرسمية تقديم تقارير سنوية عن المعطيات التي في جعبتها، تمكن من محاسبة ونقد أداء هذه المؤسسات فيما يتعلق بتطبيق القانون. ولهذا، توجد ضرورة لتجميع هذه التقارير وتحليلها.

من خلال الاطلاع على الاحصائيات الواردة من دائرة الإحصاء المركزية في السنوات التي سبقت التعديل مقارنة بالسنوات التي تلت التعديل، وبالتحديد من سنة 2010 حتى سنة 2017. تشير المعطيات انه بما يخص المتزوجات من مجمل الديانات ان هناك تراجع بنسبة المتزوجات تحت سن 19 سنة. فبينما كانت هذه الفئة تشكل 15٪ من مجمل المتزوجات في سنة 2010، فقد تراجعت لنسبة 12.5٪ في سنة 2015. وإذا دققنا بالنسبة للمتزوجات العربيات فنرى انه كان هناك تراجع ملحوظ من نسبة 35.3٪ المتزوجات كن من هذه الفئة العمرية، حتى وصلت نسبتهن الى 27.2٪ في سنة 2015 بالمقابل، المعطيات تشير الى ارتفاع ملحوظ بنسبة الفتيات العربيات اللواتي يتزوجن في سن 18 سنة. شكلت هذه الفئة العمرية قبل تعديل القانون تقريباً 33٪ من مجمل المتزوجات العربيات حتى سن 19 سنة. ووصلت بعد التعديل الى نسبة 41.4٪ في سنة 2014؛ والى نسبة 43.7٪ في سنة 2015. بالملخص، . فقد تراجعت نسبة الطفلات المتزوجات بعمر 17 سنة من كونها 9٪ من المتزوجات لتشكل في سنة 2015 ما يعادل 3٪ فقط من المتزوجات في تلك السنة. أي ان نسبة المتزوجات في سن 17 اندحرت لثلث نسبتها في السنوات ما قبل التعديل.

ان المعطيات تشير الى ان التوزيع الجغرافي لظاهرة تزويج الطفلات يتركز في النقب والقدس الشرقية بشكل رئيسي. لهذا يجب تخصيص مجهود مضاعف في العمل في الأماكن الجغرافية التي كشفت من خلال البحث. اما بما يتعلق بالقدس الشرقية المحتلة، فقد تم التواصل والتشبيك مع المؤسسات النسوية في القدس الشرقية من اجل نقل المعلومات التي توصل اليها البحث لتغذية عملهن بهذا المضمار.

في هذا البحث, دأبت لجنة الأحوال الشخصية استخدام الالية التي انتجها تعديل القانون في البند 8 لقانون سن الزواج الذي يلزم مؤسسات الدولة ان تقدم تقرير دوري للجنة القانون والدستور حول تطبيق القانون، من اجل الضغط على مؤسسات الدولة بالقيام بالدور الملقى على عاتقها من حيث تطبيق القانون. مراجعة هذه البيانات تشير الى التحسن الواضح في أداء الشرطة بخصوص التحقيق في مخالفات لقانون سن الزواج، الا انه لم يتبعه تغيير في سياسة تقديم لوائح الاتهام من قبل النيابة العامة، ولذلك يجب متابعة أداء النيابة العامة التي لا زالت تتعامل مع تزويج الطفلات باستهتار واضح، وليس كجريمة بحق تلك الطفلات. فنرى ارتفاع ملحوظ في نسب الملفات التي تنقل للنيابة من اجل تقديم لوائح اتهام. ففي سنة 2017 نقلت 77.7٪ من الشكاوى التي تم التحقيق فيها الى النيابة مع توصيات لتقديم لوائح اتهام، ولكن من غير الواضح ما هو مصير هذه الملفات عند وصولها للنيابة العامة. ولهذا، هناك حاجة ملحة للعمل مقابل النيابة العامة من اجل متابعة أدائها ومطالبتها بعدم التنصل من مسؤوليتها. فمن الواضح انه بدون ضغط مؤسساتي على النيابة العامة، ستبقى المعطيات التي تشير الى عدم تقديم أي لوائح اتهام بحق مخالفي قانون سن الزواج على حالها.

من خلال المعلومات التي نقلتها دائرة تسجيل الانفس لقسم البحث في الكنيست يتضح ان 73٪ من الطلبات لتسجيل زواج قاصر قدمت بعد ان حصل الأطراف على مصادقة للزواج من قبل المحكمة الشرعية. لهذا يجب التوجه للمحاكم الشرعية وطلب نشر معلومات عن عدد الدعاوى لتثبيت الزواج للحصول على صورة واضحة لحالات الزواج بعقد براني قبل بلوغ الفتاة جيل 18 سنة، ومدى التلاؤم بين هذه المعطيات وبين المعطيات الرسمية لدائرة الإحصاء المركزية. فبالرغم من ان البند رقم 8 لقانون سن الزواج يطالب المحاكم الشرعية بتقديم مثل هذه المعلومات، الا ان التقارير التي تقدم من قبلها لا زالت جزئية ومنقوصة.

لا يخفى على احد محدودية المرافعة القانونية من اجل احداث تغيرات مجتمعية حول أنماط التفكير والتأثير على ممارسات الافراد، لهذا توجد حاجة ماسة للضغط على وزارة التربية والتعليم لوضع خطط تربوية من اجل مناهضة ظاهرة تزويج الطفلات في المدارس. بالرغم من توظيف مجهود كبير على تعديل القانون لرفع سن الزواج الا ان فكر اللجنة يرى ان السبل الأنجع للتعاطي مع ظاهرة تزويج الطفلات هو من خلال العمل التوعوي الذي يطمح لتغيير مفاهيم تتعلق بمكانة المرأة، وبمنظومة الزواج. بالإضافة الى وضع برامج حول التعامل بين الاهل والطفلات بشكل يضمن توفير الرعاية اللازمة لهن من اجل تطورهن السليم بعيداً عن تزويجهن ""كحل"" لازمات جيل المراهقة.

الإحالات:

أقيمت اللجنة عام 1995وهي ائتلاف للجمعيات التالية: جمعية نساء ضد العنف، مركز الطفولة مؤسسة حضانات الناصرة، المؤسسة العربيّة لحقوق الإنسان، جمعية حقوق المواطن، لوبي النّساء في إسرائيل. وفي مراحل لاحقة وخلال العمل على التّعديل انضمت جمعية السوار، التنظيم النسوي كيان ، جمعية نعم نساء عربيّات في المركز وجمعية الزهراء للنهوض بالمرأة، منتدى معا للجمعيات النسائية في النقب.

المحامية نسرين عليمي - كبها

باحثة ومحاضرة في جامعة تل ابيب وعضو في "لجنة العمل للمساواة في قضايا الاحوال الشخصية"

شاركونا رأيكن.م