"رمّان الثقافية"... لم يكن المشوار الذي لن يكتمل، قصيراً

بدأت فكرة ""رمّان"" من غياب مجلة فلسطينية متخصصة بالثقافة، كصحافة يومية، فقمت بالتعلم قليلاً على برنامج ""إنديزاين"" لتصميم الصحف الورقية، ومع معرفة سابقة ببرنامج ""فوتوشوب""، وبدأت إنجاز فكرة تجميع ما يتعلق بمواد تخص الثقافة الفلسطينية من الصحف العربية، لإعادة نشرها في أعداد المجلة إضافة إلى مادة الغلاف التي كانت مقابلة أجريها أنا للمجلة، ومع الوقت صارت تصلني مقالات ومساهمات خاصة، وكل ذلك بلا مقابل مادي. صدر العدد صفر في يناير ٢٠١٠، واستمرت المجلة حتى ١٢ عدداً و٣ ملاحق (صارت أرشيفاً اليوم). كل ذلك انطلق من فكرة أن يكون للثقافة الفلسطينية مساحة واحدة تجمع وتؤرشف التناول الصحافي، وبالتالي المشهد الثقافي الفلسطيني صحافياً.

لاحقاً، في زيارة إلى بيروت، في ٢٠١٥، التقيت بأصدقاء من مخيمات سوريا، وحدثوني عن مشروع إعلامي جديد، مقترحين عليّ مسؤولية جانب ثقافي فيه. اقترحت عليهم إعادة ""رمّان"" إلى الصدور، وهي كانت الفكرة التي أرادوا حديثي فيها أساساً، اقترحت أن يكون موقعاً إلكترونياً وليس بصيغة PDF كما كانت. احتجنا عاماً تقريباً للانتهاء من التحضيرات وإطلاق الموقع في آب ٢٠١٦.

حاولت أن يكون للمجلة هوية واضحة وطنياً في كونها فلسطينية جامعة لا تتخصص بمحليات دون غيرها، وسياسياً في موقف لا يهادن في مسائل كفلسطين وسوريا تحديداً، وكذلك في الديمقراطية والعلمانية والحرية، وذلك يشمل الهوية اليسارية التي حاولت دائماً الحفاظ عليها للمجلة، وصحافياً في أن تكون المجلة متميزة شكلاً ومضموناً، وفي نوعية المواد وجودتها وتنوعها، وفي أسماء المساهمين فيها. وطبعاً ثقافياً في الاهتمام بالجاد والمستقل من النّتاجات والأحداث الثقافية الفلسطينية والعربية.

وقد كتبتُ في تعريف المجلة عن نفسها، ما عمّمَ يوم انطلاقتها أنها ""ترى أنّ فلسطين الفكرة هي الحياة والجمال، وأنّها بالتالي لا يمكن إلا أن تكون على الطّرف النّقيض تماماً من الطّغيان بكل أشكاله، عسكرياً كان أم دينياً أم مدنياً، سياسياً أم اجتماعياً، أجنبياً أم محلياً، وما تنشره المجلّة ينطلق من فكرة فلسطين هذه، في مضمونها الثّقافي والسّياسي والاجتماعي.""

لا تنشر المجلة بكميات كما أنها لا تدفع مستحقات مالية بقدر ما تفعل غيرها، محتوانا نوعي وقليل، ومستحقات كتّابنا لا نحصرها بالمادي فقط، الأريحية والمباشرة والاحترام في التعامل، المرونة والثقة والحرية في النشر، ولاحقاً، تراكماً، اهتمام الكتّاب بالنشر في ""رمّان"" دون غيرها، لما صنعته من مكانة واستقلالية وجدية في المحتوى، على مستوى عربي، منح المجلة بصمة خاصة وكتّاباً مخلصين.

استحدثتُ زوايا لبعض كتّاب المجلة الدائمين، وكذلك تعاونات صحافية مع أحداث ثقافية، ولم تكن التعاونات عموماً بهذا الانتشار قبل خوضنا في المجلة لها، فكانت رسمية لمؤسسة صحافية أو إعلامية ما، يتكرر حضورها بشكل آلي لا إبداعي. هي رعايات رسمية باهتة. بدأت ""رمّان"" تجربة التعاونات الحيوية للأحداث الثقافية الفلسطينية، كموقع الكتروني بروح شابة وتعمل حباً وخدمة للثقافة الفلسطينية. لتنتشر اليوم هذه التعاونات بين الأحداث والعديد من المواقع والجهات الأخرى، وهو ما يصب أخيراً في صالح الثقافة الفلسطينية، الغاية الكبرى للمجلة. أبرز تعاوناتنا كانت مع ""مهرجان أيام فلسطين السينمائية"" و""مهرجان رام الله للرقص المعاصر"".

كذلك الحال مع الملفات، فهذه ممارسة صحافية غير حاضرة بهذه الكثافة، إنّما كانت موسمية، لوفاة أحدهم مثلاً. ركّزنا في المجلة على الملفات ذات الموضوع الثقافي العام، أو الفلسطيني، لنجد اليوم أنّ العديد من المواقع صارت تنجز ملفات بين وقت وآخر، وهذا كذلك يصب في صالح الحياة الثقافية والحركة الصحافية الفلسطينية والعربية عموماً. من بين ملفاتنا كانت ""التطبيع والمنع""، ""إميل حبيبي""، ""نقد اليسار""، ""قرن على أكتوبر""، ""إيليا سليمان""، حسين البرغوثي""، ""جبرا إبراهيم جبرا""، ""دوستويكفسي""، ""الكويرية فلسطينيا""، ""المكتبة في بيتك"" وغيرها في تنوّع واضح في مجالاتها.

كنت كتبت في أعياد المجلة منذ انطلاقها، افتتاحيات تعرّف أكثر المجلة وبتطوّرها الحيوي منذ ٢٠١٦ حتى اليوم. فبعد ٤ أشهر من إطلاق المجلة وبمناسبة العام الجديد ودخول المجلة مرحلة متطوّرة شكلاً ومضموناً إثر مرحلتها التجريبية، كتبت في مقالة أنّ ""ليس للفلسطينيين ما يمكن أن يكون صحافة محلية، فليس للفلسطينيين ""محل"" فلسطيني واحد، ليس لدينا ""محليّة"" فلسطينية، بل إن ""محلّيتـ"" ـنا هذه مرتبطة بالتقسيم التاريخي/السياسي لعموم فلسطين، وذلك لا يشبه الفلسطينيين بقدر ما يشبه المجتمع المحلي لهذه الصحيفة أو تلك. فيبقى الموضوع الثقافي لتجمّع فلسطيني ""آخر"" -في مخيمات لبنان مثلاً- شأناً هامشياً وخارجياً لدى صحيفة تصدر، لنقل، في رام الله.""، وذلك تأكيداً لشمولية فلسطينية المجلة.

في مقالة في العيد الأول للمجلة كان الحديث تقنياً، فيه مثلاً أننا: ""أعطينا مساحة أكبر للصورة المرافقة للمقالة (ولا أقول: المرفقة بالمقالة)، هي أعمال فنّية لفنانين معظمهم من فلسطين، نؤكّد فيها أن للعمل الفنّي، المُقدّم هنا، الحق بالوصول إلى متلقّيه بشكله الكامل، مفروشاً على عرض الشاشة، مع معلوماته متى توفّرت"" وهذا جانب أساسي في شكل المجلة ومضمونها، اهتمامها بالأعمال الفنية كقيمة إضافية إلى نَص المادة."" وهذه المساحة البصرية الخاصة هي جزء من تمايز ""رمّان"" الفنّي.

وفي عيد المجلة الثاني، كتبت مقالة ماتزال الأمنية فيها قامة وتعطي الشمولية المقصودة أعلاه معنى ""أرضياً"" مقروناً بالتحرير، وبها أنهي هذه الشهادة حول ""رمّان الثقافية"": ""أمّا الحال التي تنتظرها المجلّة لتتحقّق، فهي، ببساطة، أن ينهار الإنترنت، ثم تنهار إسرائيل -أو، أفضل: إسرائيل ثم الإنترنت- و""تعود"" المجلّة ومحرّرها إلى فلسطين، فنعود إلى الصحافة الورقية التي تصل أبواب البيوت، وإلى مكتب للمجلّة له عنوانه، لا مقاهٍ وبيوت لا قاع لها في مدن أوروبية.""

سليم البيك

روائي ومحرر مجلة "رمان الثقافية"

شاركونا رأيكن.م